باريس: تخطيط للإرهاب بالتحكم عن بعد
١٧ نوفمبر ٢٠١٥DW: وفقا للمعلومات الحالية تم إعداد الهجمات الإرهابية في باريس من قبل تنظيم"الدولة الإسلامية"، وذلك منذ فترة طويلة. كيف كان ذلك ممكنا دون رصد هذه الأنشطة من الأجهزة الأمنية الفرنسية وغيرها من الأجهزة الأوروبية الأخرى؟
جيمي بارتليت: من الصعب الإجابة حاليا، لاحقا سوف نعرف بالتأكيد معلومات أكثر. إلا أنه عموما يمكن القول إن تنظيم "الدولة الإسلامية" ومعظم الجماعات الإرهابية الأخرى، باتت قريبة من التطورات الجارية في مجال نظم الاتصالات المشفرة. ويظهر ذلك في أسلوب التواصل الخفي مع بعضهم البعض عبر متصفح الويب، وهو ما يصعب تعقبهم. في الشهور الماضية أوضحت بعض أجهزة المخابرات، أن أعدادا متزايدة من الناس أصبحت تلجأ إلى تشفير رسائلها بعد ما كشفه سنودن عن تعقب المخابرات للإنترنت.
عمل السلطات في تعقب الإرهابيين أصبح أكثر صعوبة، فتنظيم "الدولة الإسلامية" مثلا وغيره من التنظيمات الإرهابية أصبحوا يلجأون إلى تطبيقات إرسال مشفرة في التواصل فيما بينهم. هناك بعض التطبيقات، التي يتم استبدال محتوى الرسالة فيها وهو ما يسمى التشفير من "النهاية إلى النهاية". وهذا يعني أن المرسل والمتلقي فقط يمكنهما رؤية النص العادي للرسالة. في حين أنها تبدو وكأنها خليط بلا معنى أثناء طريق وصولها إلى المستقبل، وبالرغم من أنظمة المراقبة التقنية المتطورة، فإنه من الصعب اختراق هذه الرسائل المشفرة.
بلجيكا اعتقلت هذا العام في سياق تحقيقات مكافحة الإرهاب عددا من المشتبه بهم الذين استخدموا تطبيق WhatsApp لاتصالاتهم. أيضا قبل ثلاثة أيام من هجمات باريس أوضح وزير الداخلية البلجيكي جان جامبون، بأنه سيكون من الصعب تعقب اتصالات الإرهابيين والتي تمت عبر بلاي ستيشن 4 وفك التشفير عن هذه الرسائل. لماذا يعتبر اختراق وفك تشفير الرسائل عبر أجهزة البلاي ستيشن 4 صعبا؟
بالنسبة لموضوع البلاي ستيشن نفسه لا أستطيع أن أقول الكثير، ولكن ما وجدته في السنوات الأخيرة، أن العديد من الشركات قامت بتأمين الاتصالات لمستخدميها بشكل فعال، وتكون أكثر فعالية بكثير من أنظمة التشفير المستخدمة، حتى أن هذه الشركات تستخدم أحيانا بعض التقنيات التي لا يستطيعون هم أنفسهم فك تشفيرها، ويكون ذلك لأن الزبائن يرغبون بذلك ولأجل تأمين تواصل آمن لهم. وأنا لا أتحدث هنا عن إرهابيين أو أناس سيئين، أنا أتحدث هنا عني وعنك وعن كل شخص قادر على استخدام الجهاز. وهذا التشفير من قبل الشركات يرجع بشكل جزئي إلى مراقبة الدولة، وأيضا لخشية الشركات من وقوع البيانات الخاصة في الأيدي الخطأ أو سرقتها من قبل قراصنة. وهذا هو السبب في أن معظم الشركات تحسن الوضع الأمني في اتصالاتها، وذلك لأسباب وجيهة. المشكلة هي في وجود جماعات مثل "داعش"، تتابع هذه التطورات باستمرار وتختبر مدى صلاحية هذه الطرق المختلفة للحفاظ على تواصل آمن واستخدامها وفقا لذلك. هذا ليس أمرا مستغربا، بل من المفترض توقع ذلك منهم.
هل يمكن الافتراض أن منفذي الهجمات الإرهابية في باريس، خططوا وتواصلوا مع بعضهم البعض عبر بلاي ستيشن 4؟
هذا ممكن جدا. فمن الممكن أنهم أرسلوا رسائل مشفرة عبر تطبيقات مثل تيليغرام. ولكن بالطبع أنا لا أعرف هذه التفاصيل على وجه التأكيد. ويمكن أن يستخدموا متصفحات ويب بشكل خفي، وذلك لكي يخفوا عنوان بروتوكولات الاتصال الخاصة بهم عبر شبكة الإنترنت. ويمكنني تخيل أنهم استخدموا أيضا أجهزة مثل بلاي ستيشن. إلا أنه لا يمكن القول أن بائعي هذه التطبيقات مذنبون أو أنهم متواطئون بطريقة أو بأخرى. العديد من هذه الخدمات، مثل متصفح TOR تم تطويرها بشكل خاص لاستخدام الصحافيين وناشطي حقوق الإنسان وغيرهم من الناس الذين يريدون استخدامها لأغراض جيدة.
الإرهابيون من جهة، والناشطون في مجال حقوق الإنسان على الجانب الآخر، هل هناك حل لهذه المعضلة؟
بالنسبة لبعض المشاكل، لا توجد حلول سهلة. ولكن أعتقد أن طريقة المخابرات في العمل يجب أن تتغير. على مدى الـ10 أو 15 عاما الماضية تم تطوير العديد من النظم من أجل تطوير نظم المراقبة لسير المعلومات على الإنترنت، وهو ما كشفه أيضا سنودن. ولكن الآن ومع إرسال المزيد من الناس لخدمات اتصالات مشفرة واستخدام مواقع ويب مجهولة، أصبحت فعالية النهج المستخدم قليلة. بدلا من ذلك، عليهم استثمار المزيد من الوقت والموارد من أجل القدرة على التسلل لداخل هذه المجموعات. يمكن للمرء تسميتها بالتقنيات القديمة: عليك أن تأخذ استهداف الأفراد على وجه التحديد ووضع مراقبة عامة أقل من التي تم استخدامها في السنوات الماضية.
ومن ثم سيكون من الجيد إذا كانت الشرطة والمخابرات تعرف فوائد التشفير. هناك جرائم كثيرة على الإنترنت، والتي يمكن تجنبها إذا كان تعامل الناس أفضل مع الاتصالات وإذا تم تشفيرها تلقائيا. ومن شأن ذلك اقتصاديا أن يقود إلى حفظ المليارات من الأموال التي تنفق للتعقب. ويمكن صرف هذا المال الذي تم توفيره في مجالات استخباراتية جديدة كالتي اقترحتها.
جيمي بارتليت هو مدير "مركز تحليل وسائل الإعلام الاجتماعي". ولديه كتاب: "الإنترنت المخفي – العالم الرقمي السري".