بثينة كامل: "المجلس العسكري يرتكب جرائم ضد الإنسانية"
٥ ديسمبر ٢٠١١بثينة كامل إعلامية مصرية وعضوة في عدة حركات معارضة من بينها حركة كفاية، كما قدمت أحد البرامج الإذاعية الناجحة بعنوان "اعترافات ليلية" في الإذاعة المصرية بماسبيرو. وأعلنت بثينة كامل نيتها الترشح لانتخابات الرئاسة المصرية في خطوة تريد منها التأكيد على قدرة المرأة وحقها في العمل السياسي على أعلى مستوى. برنامج "ضيف الأسبوع" على قناة دويتشه فيله عربية حاور الناشطة السياسية والإعلامية المعروفة حول تطورات الأحداث في الشارع المصري.
دويتشه فيله: بداية ما تقييمك لأول انتخابات برلمانية بعد الثورة المصرية؟
بثينة كامل: دعني في البداية أعطي خلفية عن مواقف كل القوى السياسية من الانتخابات البرلمانية: نحن ندخل انتخابات برلمانية بعد وثيقة السلمي التي تعطي للمجلس العسكري سلطات فوق الدولة، أي أن يصبح دولة فوق الدولة، بمعنى عدم محاسبة ميزانية العسكر، وأحب أن أقول بمنتهى الوضوح أن مجرد فساد أعضاء المجلس العسكري المالي كفيل بأن يضعهم في السجن. في نفس الوقت، الإخوان المسلمون والقوى الإسلامية بشكل عام كانت تدفع بشدة في اتجاه إجراء الانتخابات التشريعية لأنها ترى أنها ستأخذ نصيب الأسد وهذا متوقع لأنهم الأكثر مالاً وتنظيماً في الشارع، ولكن في نفس الوقت نحن نرى أن نظرتهم ضيقة للغاية. وفي تحليلي أن المجلس العسكري طوال الأشهر الماضية عقد صفقات مع الإسلاميين وكأنه يريد أن يكرر مشهد الجزائر، أي يفتح لهم الباب على مصراعيه فتأتي الانتخابات بالكامل للقوى الإسلامية فينهض العالم الغربي ويخاف من هذه النتيجة فيستمر الحكم العسكري. ولكن في ظني أن عجلة الزمن لا تعود إلى الوراء وإذا كان هذا المشهد قد حدث في الجزائر، فلا يتوقع أحد أن يتكرر في مصر.
لكن المجلس العسكري ينفي هذه الاتهامات ويؤكد أنه يدير انتخابات إلى حد ما نزيهة، فما تعليقك على هذا الأمر؟
النزاهة ليست مرتبطة بيوم العملية الانتخابية فقط، أنا أعرف أن كل الأطراف تمارس انتهاكات في العملية الانتخابية، سواء الفلول أو الإخوان المسلمون، كل واحد كما تعود، لأننا مازلنا نعمل في ظل النظام القديم. ليقل المجلس العسكري ما يقول، عندما تحاكم ستة عشر ألف مدنياً محاكمات عسكرية في أعقاب ثورة، إذاً أنت تقتل الثورة وتركع الشعب. عندما تًحدث أزمات مفتعلة في السلع الغذائية، وتترك متعمداً الانفلات الأمني، إذا أنت تسعى لأن يرفض الشعب ثورته ويكرهها. لكننا صنعنا خطوة متميزة على مستوى الإعلام الاجتماعي عبر الشبكة العنكبوتية وأيضاً من خلال فكرة الصحفي المراقب، فلم يعد المراقبون موجودين فقط من خلال منظمات مجتمع مدني. لكن كل مواطن صار ينقل شهادته، وهناك العديد من الجهات والمبادرات التي تحتوي تلك الشهادات، حتى القنوات العالمية ووكالات الأنباء تعتمد في كثير من الأحيان على لقطات مصورة من قبل مواطنين.
لكن الإسلاميين باتوا يحكمون في تونس وكذلك أصبحوا القوة الأولى في المغرب ويبدو أن هذا هو التوجه العام في العالم العربي.
أعتقد أن الإسلاميين في تونس مختلفين عن الإسلاميين في مصر، ربما لأن كثيرين منهم عاشوا في الغرب. لكن الإسلاميين في مصر خرجوا في أعقاب الاستفتاء عبر وسائل الإعلام يسمونها غزوة الصناديق، ويطلبون من الأقباط أن يرحلوا عن مصر. ما أريد أن أقوله هو أن ثورتنا لم تنته بعد، طالما العسكر يحكمون، وأنا لا أثق إطلاقا أن المجلس العسكري ينتوي الرحيل.
إذا ما هي البدائل لإخراج مصر مما وصفتيه بالمأزق السياسي؟
هو مأزق سياسي جاء نتيجة أن كثيرا من القوى بدأت في المفاوضات مع المجلس العسكري، بينما كان النداء في ميدان التحرير "مدنية مدنية لا عسكرية ولا طائفية". ولكن للأسف ما حدث على مدى سنوات في المجتمع المصري هو حالة تجريف كامل. كل السياسيين بلا استثناء أجروا على مدى السنوات الماضية العديد من الصفقات، ويوم بعد يوم يسقط ورق التوت ليكشف عنهم. والانتقال من الديكتاتورية للديمقراطية لن يتم بين ليلة وضحاها بينما هو مشوار طويل. أيضاً الحرية لا تأتي عبر آليات سياسية لكن بالثورة والاعتصام والتظاهر. وحتى من نتصورهم معنا في الميدان يخرجون علينا بتحالفات مع المجلس العسكري، ولكن لنكمل الصورة: الآن في مصر هناك دبابات وأسلاك شائكة ومنذ أيام كان هناك اقتتال بين الثوار والشرطة والجيش ويسقط منا قتلى. مازال هناك اعتصام في ميدان التحرير يطالب برحيل العسكر. هناك ضغط في الشارع من قبل من يؤمنون بالثورة، وهناك في نفس الوقت بعض السياسيين والكتاب والمؤمنين باستمرارية الثورة، يقدمون الحلول السياسية.
هذا الجيش الذي تنتقدينه بهذا الشكل أليس هو الذي حمى الثورة ولم يتصرف كما تصرف الجيش في سوريا أو ليبيا على سبيل المثال؟
هذا غير حقيقي، الجيش قتل الثوار وعذبهم وأجرى كشوف عذرية على المتظاهرات، ولكن أحب أن أعرف الجميع أن المجلس العسكري المصري هو أذكى المجالس على مستوى الوطن العربي، وقد قالها لي مواطن بسيط، قال لي هم لم يفعلوا مثل سوريا وليبيا ولكن التفوا حول الثورة كي يقتلوها. وعندما أقف في طوابير الانتخابات وأجد المواطن العادي، الذي لم يكن ليدلي بصوته لولا الثورة، أجده يسب المتظاهرين ويهاجم الثورة، فهذا معناه أن كل دور المجلس العسكري كان قتل الثورة والركوب عليها. نحن لسنا في مواجهة فقط مع نظام مبارك، نحن في مواجهة مع ستين عاماً من الحكم العسكري في مصر. هذه حقيقة لابد أن تتضح للجميع. عندما تم القبض عليَّ الأسبوع الماضي وذهبت إلى وزارة الداخلية، كانت القيادات تعترف أنها تنتمي إلى حبيب العدلي المقبوض عليه في سجن طرة حالياً. أنا متأكدة أنه كان هناك اتفاقاً بين المجلس العسكري وبين مبارك أن "تنحى جانباً وسنعيد إليك حقك"، بدليل أن تجميد أصول مبارك أو محاكمة مبارك أو إقالة أحمد شفيق أو أي إجراء اتخذ لم يتخذ إلا في أعقاب ضغط شعبي ومليونيات ودم كثير.
لكن منتقديكم يقولون إنكم لا تريدون أن تعطوا الفرصة للمجلس العسكري لتمرير خارطة الطريق التي اعتمدها للانتقال الديمقراطي في مصر وأنكم تعملون لجهات خارجية؟
أريد أن أعرف من هؤلاء الذين يلقون علينا هذه الاتهامات: من الذي يحصل على السلاح من أمريكا وذلك بمليارات الدولارات. من يمكنه إذا الحديث عن الاستقواء بأمريكا والحصول على الدولارات؟ أليس الجيش المصري كل سلاحه من أمريكا ومن الدول الأوروبية؟ نحن نقتل بغازات قنابل مسيلة للدموع كلها قروض من الدول الأوروبية ومنح من الولايات المتحدة الأمريكية، والمشكلة في القروض الأوروبية أن الشعب المصري يقتل بماله ويسدد قروضاً حتى بعد موته وهذا ظلم بين. لقد أعطينا للمجلس العسكري الفرصة لعدة أشهر.
وأريد أن أعطي نموذجاً بسيطاً، فالمجلس العسكري أصدر بياناً رقم 28 أن الانتخابات الرئاسية ستتم في أبريل/نيسان 2012 على موقعه على الفيسبوك، ثم حذف البيان، وخرج أعضاء المجلس العسكري ليعلنوا أن الانتخابات الرئاسية ستتم في 2013. فقط عندما خرج المتظاهرون يهتفون ضد المجلس العسكري، رجعوا يقولوا الانتخابات الرئاسية في 2012، كلها حيل وأكاذيب. وأنا رأيت بنفسي كيف كانت تجرى الهدنة بين شيوخ الأزهر والمجلس العسكري ثم يبدأون في صلاة المغرب فتقذف عليهم الغازات.
هل سنشهد لجنة تحقيق مستقلة تحقق في هذه الأحداث؟
هذا هو مطلبنا، لا يمكن أن تكون طرفاً وفي نفس الوقت قاضياً أو حكما، وهذا ما قام به المدون الشاب علاء عبد الفتاح الذي رفض الاتهامات المفبركة ضده من قبل العسكر وقالها بمنتهى الصراحة: أرفض أن يحاكمني القضاء العسكري بينما العسكر أحد الأطراف المدانين في مذبحة ماسبيرو. لقد تم حرق أكثر من عشرين كنيسة في ظل المجلس العسكري، وهناك 16 ألف مدنياً يحاكمون عسكرياً، وتجرى كشوف عذرية على المتظاهرات، كما أن هناك انفلات أمني غير مسبوق ومتعمد. بالإضافة إلى استخدام غازات سامة: كنت في الميدان وكنت أرى المتظاهرين ينهارون وقال الأطباء إنه غاز الأعصاب. هم يقتلوننا كل يوم. جرائم المجلس العسكري جرائم ضد الإنسانية وأنا أعلنها وبيننا الأيام: ستحاكمون مثلما حوكم ميلوشوفيتش وكل من قاموا بجرائم ضد الإنسانية. هم قتلة لا نستطيع أن نثق بهم في نقل السلطة للمدنيين ولا في حماية الديمقراطية في مصر.
رغم كل هذه الانتقادات، ربما فقد ميدان التحرير سيطرته على زمام المبادرة وأن المجلس العسكري ماض في خارطة الطريق التي تبناها منذ البداية وهي إقرار الانتخابات في موعدها رغم معارضة شباب التحرير؟
الشعب المصري ظل يقاطع الانتخابات، ولم يكن يذهب للإدلاء بصوته سوى المهتمين بالسياسة أو أعضاء الحزب الوطني أو جماعة الإخوان المسلمين، أو كبار السن، الذين نشأوا في ظل الفترة الليبرالية في مصر قبل عام 1952، وتعودوا على المشاركة. لكن منذ الاستفتاء في مارس الماضي وفي الانتخابات البرلمانية، بدت رسالة الشعب المصر واضحة: "نحن جائعون إلى الحرية والديمقراطية". ولابد أن نؤكد أن دماء الشهداء وعيون زهرة شباب مصر الثائر الذي يطالب بالحرية هو الذي صنع هذا التحول عند الشعب المصري. لو كرهتم ثورتكم فأنتم تنكرون أنها هي التي جعلتكم شعباً إيجابياً مؤمناً بإمكانية التغيير. الشعب المصري كان في حالة من الموت واليأس من إمكانية التغيير. لولا الدماء التي دفعت ما كان ترعرع بداخله هذا الحلم بالتغيير. فاللجان الانتخابية عليها إقبال غير عادي وهذا أسعدني للغاية.
المجلس العسكري حتى الآن لا توجد له شرعية رغم أنه يروج في الداخل أن شرعيته من التعديلات الدستورية وهذا غير حقيقي بالمرة، هذا للترويج المحلي فقط، لكنه يحتاج إلى البرلمان بالشكل الذي يأتي على مزاجه عشان يقدر أنه يتعامل مع المجتمعات الغربية.
لكن المجلس العسكري دعا هيئات دولية لمراقبة الانتخابات لضمان النزاهة، والبرلمان لن يكون مشكلاً على مزاجه والأخوان المسلمين لهم حظ كبير، إذا هناك احتكام للعملية الديمقراطية، وبالتالي لربما نشهد في مصر وضعاً كما هو الحال في تركيا، وبالتالي عسكر يسيطرون على مقاليد السلطة وحكومة إسلامية عدلت الدستور وسحبت البساط من تحت الجيش، هل هذا السيناريو ممكن في مصر؟
كل شيء ممكن لكن يجب أن نعرف أن المجتمع المصري مجتمع وسطي للغاية ومسالم وغير متطرف في مزاجه العام. نسبة الأمية مرتفعة للغاية ومن السهولة أن تطلب من مواطن التوقيع على أمر ما، لأن الورق صعب فهمه والعملية معقدة للغاية. لكن إقصاء أي فصيل هذا في حد ذاته يخلق نوعاً من الغضب وعدم الاستقرار. ولابد أن نعرف أن ليس كل جموع الشعب المصري قام بالثورة. هناك ثوار وشعب التف، وهناك من نسميهم بحزب الكنبة والذين ينتظرون من سينتصر ويلتفون حوله. وهذا مفهوم عندما نحلل الشعوب. ولكن لا يمكن أن نتجاهل أن الثورة مستمرة في مصر.
متى يمكن الحديث عن دولة ديمقراطية في مصر؟
المشوار مازال طويلاً ولكن أملي كله في إيجابية الشعب المصري. فالمدة الزمنية الطويلة تساعد على كشف حقيقة الكثير من البشر، نتيجة تصريحاتهم المتعاقبة.
أجرى الحوار: أحمد اعبيدة
مراجعة: عبده جميل المخلافي