برميل الشرق الأوسط المتفجر: الخوف من حرب إقليمية
٢٧ أكتوبر ٢٠٢٣يبدو السيناريو المرعب على النحو التالي: العملية العسكرية الإسرائيلية البرية تؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل والاضطرابات والعنف في المنطقة. ومع تفاقم الأمر، تتورط المزيد من الجماعات والدول في دوامة العنف، وربما حتى الولايات المتحدة وروسيا.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، إن الهجوم البري المزمع قد يستمر عدة أشهر: "وفي نهاية العملية لن يكون هناك حماس". وتأتي العملية العسكرية المستمرة منذ قرابة ثلاثة أسابيع في سياق الرد الإسرائيلي على الهجوم الإرهابي الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، والذي قُتل فيه ما لا يقل عن 1400 شخص، من بينهم أطفال ونساء ومسنون، وتم اختطاف أكثر من 200 شخص كرهائن. يُذكر هنا أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
ومن منظور عسكري بحت، يمكن أن ينجح العمل العسكري الإسرائيلي، كما يعتقد خبير شؤون الشرق الأوسط غيدو شتاينبرغ من "مؤسسة العلوم والسياسة" ومقرها برلين. وقال الخبير الألماني على قناة DW: "أعتقد أن الجيش الإسرائيلي قادر على تدمير بنية حماس في قطاع غزة. ولكن ذلك سيترافق مع موت الكثير من المدنيين، بغض النظر عن مدى حذر الجيش الإسرائيلي".
ورقة المدنيين القتلى
يرى المحلل هانز يكوب شندلر من منظمة "مشروع مكافحة التطرف" (Counter Extremism Project) أن "حماس مهتمة بإبراز صور مروعة للمدنيين الفلسطينيين القتلى وبالتالي جر إيران ووكلائها إلى هذا الصراع"، كما يقول الخبير لـ DW.
والوكلاء هم مجموعات مسلحة تعمل بالوكالة لإيران في بلدان أخرى في المنطقة، مثل حزب الله في لبنان. وشن حزب الله بشكل متكرر هجمات على إسرائيل ولكن بمحدودية، لكنه ما زال متحفظاً على الانخراط في الصراع بشكل أقوى.
ويعتقد شندلر إن الهجوم البري الإسرائيلي لا يزال غير مؤكد بأي حال من الأحوال. لكن في حال حدوث تصعيد (...)، فإن حزب الله سيكون أول من يقصف شمال إسرائيل بشكل مكثف. أما المرحلة الثانية من التصعيد فستكون شن هجمات أيضاً في سوريا ضد المواقع الأمريكية هناك. والمرحلة الثالثة ستكون على الأرجح على يد الميليشيات الشيعية في العراق، التي ستهاجم أهدافاً أمريكية أو غربية".
سياسة بايدن
لكي لا يقع التفاعل المتسلسل الآنف الذكر أقدم الرئيس الأمريكي جو بايدن على فعل شيئين: أرسل حاملتي طائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط كتحذير لحزب الله وإيران، ودعا إسرائيل إلى الاعتدال في عملياتها العسكرية بقطاع غزة، على الرغم من كل التفهم لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وقال بايدن في تل أبيب إنه يجب على إسرائيل ألا تكرر أخطاء الولايات المتحدة بعد الهجمات الإرهابية الإسلاموية في 11 أيلول/سبتمبر 2001، وحذر إسرائيل من "مغبة أن يسيطر هليها الغضب".
يقول هانز يكوب شندلر من منظمة "مشروع مكافحة التطرف" إن التركيز منصب على "إفهام إيران ووكلائها أن تصعيد الوضع سيؤدي بالتأكيد إلى إضعاف كبير لهياكلهم. وبالإضافة إلى ذلك، يتعين على المجتمع الدولي أن يركز على تحسين الوضع الإنساني للمدنيين في قطاع غزة حتى لا تنصب تأثيرات هذا الصراع على الناس الخطأ".
وبعد اتصال هاتفي مع زعماء ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وكندا، اتفق بايدن معهم على دعم إسرائيل واحترام حقها في الدفاع عن النفس. وفي الوقت نفسه، دعوا إلى احترام القانون الإنساني الدولي، وهو ما يعني أن إسرائيل يجب أن تحمي السكان المدنيين الفلسطينيين.
الولايات المتحدة "منحازة"
وقال بايدن في بداية مهمة الوساطة: "إذا لم نفعل ذلك، فمن سيفعل؟"، مجدداً تأكيده بأن بلاده قوة لفرض النظام في الشرق الأوسط. ولكن تبرز مشكلة هنا؛ إذ يُنظر إلى واشنطن في أجزاء كبيرة من المنطقة على أنها منحازة لصالح إسرائيل.
وقد اتضح ذلك بعد الانفجار الذي وقع في المستشفى الأهلي (المعمداني) في قطاع غزة والذي أسفر عن مئات القتلى والجرحى. وبينما ألقت حماس باللوم على إسرائيل في ذلك، أيد بايدن الرواية الإسرائيلية القائلة بأن صاروخ من "الجهاد الإسلامي" هو من تسبب بالكارثة؛ وهذا ما كرره العديد من الخبراء الغربيين في وقت لاحق. وبعد الانفجار، ألغى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، والرئيس الفلسطيني، محمود عباس، قمة كانت مقررة في العاصمة الأردنية مع بايدن.
سمعة واشنطن باعتبارها أقرب حليف لإسرائيل تترك المجال أمام جهات فاعلة أخرى، مثل ألمانيا، للتحرك. وبعد فشل انعقاد قمة عمان، ظهر السيسي إلى جانب المستشار أولاف شولتس في القاهرة. وفي اليوم الذي سبقه، كان الملك عبد الله في برلين. وبذلك كان المستشار هو الشخصية القيادية الدولية الوحيدة التي ظهرت مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، ومع الملك عبد الله، والسيسي خلال يومين.
فمن ناحية، وقفت الحكومة الفيدرالية بشكل لا لبس فيه إلى جانب إسرائيل. ومن ناحية أخرى، غالباً ما يتم قبول برلين كشريك محايد في المنطقة. وفي ذلك قال شولتس في القاهرة إن هذا يجب أن "يستخدم لإحداث تطور في اتجاه السلام".
تعمل ألمانيا في الميدان الدبلوماسي على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. ويقول هانز يكوب شندلر من منظمة "مشروع مكافحة التطرف" إن هذه "واحدة من أفضل المساهمات التي يمكن لألمانيا أن تقدمها هنا. وليس هناك الكثير مما يمكن لألمانيا أن تفعله عسكرياً، باستثناء دعم إسرائيل بالإمدادات".
روسيا لديها مصالح متضاربة
وإذا حدث تصعيد كبير وتفاقم الصراع، فهل يمكن حتى لروسيا، المعروفة بعلاقاتها الوطيدة مع طهران ودمشق، أن تنجر إلى الصراع؟
يعتقد هانز يكوب شندلر أن هذا غير مرجح: "الصراع في الشرق الأوسط في صالح روسيا لأنه يصرف الانتباه عن الحرب في أوكرانيا. ولذلك فإن روسيا مهتمة بإطالة أمده لأطول فترة ممكنة وبالتالي تقييد قوى الغرب".
ويتابع الخبير هانز يكوب شندلر من منظمة "مشروع مكافحة التطرف" (Counter Extremism Project التحليل: "من ناحية أخرى، يريد فلاديمير بوتين إبقاء الصراع عند مستوى منخفض إلى حد ما حتى لا يجبر على استخدام موارد في الشرق الأوسط، هو بأمس الحاجة لها في أوكرانيا".
كريستوف هازلباخ/خ.س