برنامج ألماني بقيمة 100 مليون يورو لدعم سوريا في إدارة قطاع المياه
٤ نوفمبر ٢٠٠٦شهدت سوريا خلال النصف الثاني من القرن العشرين نمواً سكانياً متسارعاً بلغ معدله السنوي 3.5 بالمائة في ثمانينات القرن الماضي مقابل 2.45 بالمائة حاليا. وهو الأمر الذي أدى إلى زيادة عدد سكان البلاد من 7 ملايين أواخر ستينات القرن الماضي إلى أكثر من 18 مليون نسمة حاليا. هذا النمو السكاني الكبير الذي يعد من أكبر النسب المعروفة عالميا جعل مشكلة توفير المياه لسد الطلب المتزايد أكثر تعقيدا، لاسيما وأن سوريا ليست من البلدان الغنية بالموارد المائية بسبب قلة مياه الأمطار فيها عدا في منطقتها الساحلية على البحر المتوسط. كما أن البلاد تواجه خلافات مع تركيا بسبب عدم الاتفاق معها على تقاسم مياه الفرات الذي يستخدم القسم الأكبر منها حاليا لملء السدود الضخمة التي قامت أنقرة ببنائها على مجراه الرئيسي. كما أنها محرومة من مياه مرتفعات الجولان بسبب احتلال إسرائيل لها منذ عام 1967.
تعقيد مشكلة توفير المياه على ضوء الطلب السكاني المتزايد على مياه الشرب وزيادة النشاط الاقتصادي في قطاع الزراعة إضافة إلى قلة الأمطار في معظم المواسم أدى إلى شح مصادر المياه السطحية بشكل ملفت خلال العقدين الماضيين. ومن أجل التعويض عن ذلك جرى استخدام المياه الجوفية بشكل عشوائي في أحواض البلاد المائية السبع، وهو الأمر الذي أدى إلى تدهور الموارد المائية في معظم المناطق، لاسيما في محافظتي دمشق وحلب حيث يقطن أكثر من ثلث سكان سوريا. وتفيد المصادر الرسمية السورية إلى أن انخفاض مستوى المياه الجوفية بلغ 5 أمتار سنويا في هاتين المحافظين مما يدل على صعوبة الوضع المائي فيهما. يضاف إلى ذلك تلوث المياه في المناطق الريفية السورية بسبب عدم توفير شبكات الصرف الصحي في عدد كبير من قراها.
دعم ألماني لبرنامج متشعب
غير أن مشكلة المياه في سوريا ليست فقط مشكلة قلة مصادرها، بل مشكلة إدارة مواردها بشكل عقلاني يحد من الهدر الحاصل عبر شبكات مياه الشرب والري وطرق الزراعة التقليدية. ومن أجل التعامل مع هذه الموارد بشكل أكثر عقلانية وقعت الحكومة الألمانية ممثلة بوزارة التعاون والتنمية اتفاقيات تعاون مع الحكومة السورية تشمل تقديم منح ومساعدات بقيمة 100 مليون يورو لدعم قطاع المياه في سوريا خلال السنوات العشر القادمة اعتبارا من العام 2003. ويركز التعاون الذي يقام في إطار برنامج طويل الأجل على دعم تحديث مؤسسات هذا القطاع وإعادة هيكلتها بهدف تحسين الإدارة المالية والفنية والعملياتية عبر تعزيز الإطار المؤسساتي والقانوني.
برنامج شامل لتسحين إدارة قطاع المياه في سوريا
ويشرف على تنفيذ برنامج التعاون الثنائي الألماني السوري في قطاع المياه نيابة عن وزارة التعاون والتنمية الألمانية الوكالة الألمانية للتعاون الفني/ GTZ ومؤسسة العلوم الجيولوجية والمواد الأولية التابعة للحكومة الألمانية/ BGR. وفي الوقت الذي تقوم فيه الأولى بالمساعدة على تطوير أدوات الإدارة الحديثة، تقوم الثانية بالمساعدة على تنمية الموارد المائية. وقد لعبت وكالة التعاون الفني مؤخرا دورا هاماً في مساعدة الحكومة السورية على إعداد الخطة الخمسية العاشرة في قطاع مياه الشرب والصرف الصحي.
وتتضمن الخطة بالإضافة إلى هدف تحديث إدارة قطاع المياه كيفية إدخال عناصر اقتصاد السوق الاجتماعي في هذا القطاع بدلا من عناصر الاقتصاد المركزي المعتمدة حاليا وفقا لما ذكره مدير البرنامج عن الجانب الألماني الخبير هارالد هايتمان Harald Heidtmann. وفي معرض حديثه عن البرنامج ذكر هايتمان بأنه يشمل مكونات عديدة أبرزها مساعدة وزارة الإسكان والتعمير على الإدارة الفعالة لمؤسسات المياه التابعة لها عن طريق أدوات مالية أكثر فعالية، ودعم وزارة الإدارة المحلية والبيئة في إعداد أدوات حديثة لتخطيط استخدام الأراضي من خلال وضع قانون خاص بذلك. كما يدعم البرنامج أيضا وزارة الري على تحسين طرق الحصول على المعلومات الهيدرولوجية في قطاع المياه بمحافظة حلب. ومن مكوناته الأخرى كذلك تحسين الأداء الإداري والمالي في مؤسستي المياه في ريفي دمشق وحلب وتعزيز دور هيئة تخطيط الدولة في مراقبة الاستراتيجيات التنموية ضمن قطاع المياه، إضافة إلى التعاون مع نقابة المهندسين من أجل توفير المعارف ودورات التدريب حسب احتياجات السوق السورية.
المشكلة ليست فقط مشكلة نقص كميات المياه
ولا يراعي تنفيذ برنامج التعاون وفقا للسيد هايتمان دعم الجهات السورية المذكورة أعلاه فقط، وإنما التنسيق بينها حول استخدام الموارد المائية بالاعتماد على الخبرات الألمانية. ويلعب ذلك أهمية أكبر في سوريا على ضوء شح هذه الموارد وزيادة الطلب عليها. وعلى ذكر الخبرات الألمانية خص هايتمان بالذكر ثقافة ترشيد المياه السائدة في ألمانيا وغير المعروفة في البلاد العربية. وقد قارن بين هذه الثقافة ومثيلتها في سوريا بحركة المرور في البلدين، في ألمانيا تقف السيارات عند إشارة المرور ويتقيد جميع المستخدمين للطريق بالأنظمة والقوانين، إما في سورية فينقص قطاع المرور التقيد بالنظام واحترام أحقية المرور للمستخدمين المختلفين. وفي هذا السياق لا بد من القول إن إدارة المياه لا تتعلق بكمية المياه فقط، وإنما بكيفية استخدامها. "من الممكن أن تتوفر المياه عند البلد المعني لكن استخدامها لا يكون فعال، فإذا قارنا مثلا بين سورية والأردن نجد إن سورية تملك أضعاف ما تملكه الأردن من المياه على صعيد حصة الفرد، لكن مع ذلك تبقى الأردن حاليا قادرة على إدارة المياه بشكل أفضل".
تفاؤل بنجاح التعاون السوري الألماني في مجال المياه
وحول مدى استجابة الجانب السوري للتعاون مع ألمانيا في مجال المياه عبر الخبير الألماني عن مفاجأته من الانفتاح الذي لمسه من قبل المسؤولين السوريين حول تحديث قطاع المياه، وعلى ضوء ذلك عبر أيضا عن تفاؤله بأن السنوات القادمة ستشهد المزيد من الانفتاح وتحديث الإدارة فيما يخص هذا القطاع. وعن رأيها بالفوائد المرتجاة من البرنامج قالت المهندسة مخلصة الزعيم ، وهي المسؤولة عن المكون المنفذ مع هيئة تخطيط الدولة: "يمثل البرنامج فرصة لقطاع المياه السوري لتبني وتفعيل سياسات وآليات الإدارة والتنمية المستدامة للمياه على كافة المستويات بدءاَ بالتخطيط الاستراتيجي على المستوى الوطني وانتهاء بتحسين الكفاءة المالية والتشغيلية والخدمية لمؤسسات مياه الشرب والصرف الصحي على المستوى المحلي مرورا بمراقبة عملية قياس أدائها على كافة المستويات.
عفراء محمد - كاتبة سورية