بعد هزيمة "داعش" - ليل الموصل تنيره الحرية والأفراح
١٢ يناير ٢٠١٨بعد أن استعادت القوات العراقية السيطرة على الموصل المدينة التي تعد مليوني نسمة من تنظيم "داعش" عاد المتعهدون والمستثمرون إلى الشطر الشرقي من المنطقة التي كانت يوماً مركزاً تجارياً إقليمياً.
يكرر السكان، ولا سيما النساء والشباب، عبارة "كسرنا حاجز الخوف"، عاقدين العزم على بث روح جديدة من الحرية في المدينة التي يعرف عنها أنها محافظة، وأصبحت بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003 معقلاً لتنظيم القاعدة، قبل وصول تنظيم "داعش". وهكذا سُرقت حياة أهل المدينة منذ التغيير عام 2003، وبات حلول الظلام كل ليلة مؤشراً على توقف الحياة، حيث يرهب عناصر القاعدة والمتعاونون معهم سكان المدينة وفي دلالة على العهد الجديد، وجدت نسرين الأم البالغة من العمر31 عاماً وظيفة كبائعة في مول للملابس التركية، افتتح قبل أقل من شهر.
وحتى قبل دخول عناصر "داعش"، لم تكن نسرين تتخيل أنها ستتمكن يوماً من العودة إلى منزلها عند العاشرة ليلاً، بعد يوم عمل طويل. ورغم حلول الليل في شرق الموصل، فإنّ نسرين بحجابها الأحمر القاني الذي يظهر الجزء الأمامي من شعرها، لا تزال تقدم النصائح للزبائن داخل المتجر.
في واجهة العرض، تماثيل عرض الملابس التي ألبست تنانير فوق الركبة، وفساتين عارية الصدر إلى جانب مكبرات صوت تبث بصوت مرتفع أحدث أغانٍ من أميركا اللاتينية ولبنان ومصر.
وسط سراويل الجينز الضيقة والقمصان الملونة، تتذكر نسرين السنوات الثلاث التي عاشتها مناطق غرب العراق تحت حكم تنظيم "داعش" وانتهاكاته باسم الإسلام السني، الذي هو أقلية في العراق، لكنه غالب في الموصل.
تقول الشابة لوكالة فرانس برس "لقد عانينا من الاكتئاب والجوع والدمار والاضطهاد. إنها معجزة أننا ما زلنا على قيد الحياة".وتضيف: "لقد عشنا كابوساً طويلاً، والآن صحونا واختلف كل شيء".
تعتزم نسرين الاستفادة من تلك الحياة إلى أقصى حد، خصوصاً مع ابنتها ذات الأعوام الـ14 التي فقدت عامين من الدراسة في ظل حكم تنظيم "داعش". وتؤكد نسرين أن ابنتها "ستلتحق بالمدرسة مجدداً وستتابع دراستها لاحقاً". وتضيف "راتب المرأة هو سلاحها، والجيل الجديد، سيكون مسلحاً بشكل جيد".
فيما تتحدث رحمة طالبة الترجمة في جامعة الموصل و البالغة من العمر21 عاماً عن مظاهر الحياة في ظل حكم "الدواعش" كما يسميهم العراقيون "إذا عُثر على صبي وفتاة معاً، فقد يواجهان الإعدام".
وسط السوق الجديد تتجمع فتيات يرتدين الحجاب بألوان مختلفة، وشبان بسترات وشعر مصفف بعناية بالاستعانة بمستحضرات. وتوضح رحمة أن عمل الفتيات خارج المنزل ومع الرجال، حتى قبل دخول الـ"دواعش" عام 2014، "لم يكن يمكن تخيله،" أما اليوم، ففي المتجر الذي تعمل فيه نسرين، هناك تسع نساء من بين 22 موظفاً.
أما زياد الدباغ الذي افتتح لتوه مطعماً في حي الزهور التجاري في شرق الموصل، فيقول إنه في السابق "كان سكان الموصل يذهبون إلى محافظات أخرى في العراق بحثاً عن الترفيه".
على ثلاث شرفات وفي أربع قاعات، تتوزع عائلات لتناول العشاء فيما تحتسي مجاميع من الشبان استكانات (أكواب) الشاي.
تشير رؤى الملاح (34 عاماً) التي خرجت الليلة مع عائلتها "كان الأمر كما لو كنا قد ضعنا في وسط الصحراء، انقطعنا عن كل شيء وفجأة اكتشفنا أنه كان بإمكاننا أن نرفه عن انفسنا".
في المبنى المجاور، خلف باب زجاجي ووسط سحابة من دخان النراجيل، رجال يحملون بأيديهم أوراق اللعب، فيما يتحلق آخرون حول طاولة بلياردو بأرضية زرقاء وهم يحتسون العصائر.
فتح مازن عفيف محله (في أيار/ مايو 2017)، فيما كانت المعارك تتواصل في الشطر الغربي من المدينة. يجسد نادي البلياردو هذا، بمدخنيه وموسيقاه كابوس "الدواعش" والقاعدة الذين كانوا يفرضون قوانينهم "منذ أكثر من عشرة أعوام".
فيما يقول الخمسيني الذي يجلس أمام طاولة عليها دفتر حجوزات البلياردو "بعد الساعة السادسة مساء كانت الطرقات تخلو من الناس، أما اليوم فيمكنني العودة إلى منزلي عند الثانية أو الثالثة بعد منتصف الليل، من دون خوف".ويضيف: "هذه حياة جديدة تبدأ، بكل ما للكلمة من معنى".
على الضفة الغربية من دجلة، فيما يعرف بالجانب الأيمن من الموصل لا يزال الدمار شاهداً على قساوة المعارك لطرد عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي من الموصل، لكن في الضفة الأخرى من النهر يستأنف السكان حياتهم عازمين على تعويض ما فات في ظلمات تنظيم "الدولة الإسلامية" وما قبلها .
م.م/ ع.غ (أ ف ب)