هل ينذر هبوط الدينار البحريني بأزمة مماثلة للريال السعودي؟
١ يوليو ٢٠١٨يزدهر الاقتصاد وتستقر العملة التي تضخ الدماء في عروقه من الثقة بالمستقبل أيضا، فمع تزعزع الثقة تتراجع الاستثمارات ومعدلات النمو وتنحدر العملة وتفقد من قيمتها. وهذا ما حصل للدينار البحريني الذي هبطت قيمته قبل أيام إلى أدنى مستوى لها منذ 17 عاما، من 0.367 إلى 0.383 أمام الدولار الأمريكي. ووفقا لخبراء ومصرفيين جاء الهبوط على ضوء تزايد المخاوف من عجز البحرين عن الوفاء بديون مستحقة في الخريف القادم بقيمة 750 مليون دولار. غير أن تراجع كهذا يعكس أيضا وبلا شك الاضطرابات الأمنية والسياسية التي تعاني منها البلاد منذ عام 2011 بسبب الاحتجاجات الشعبية المستمرة ضد حكومة المنامة والتكاليف الاقتصادية المترتبة عنها. وهناك مؤشرات اقتصادية غير مشجعة في مقدمتها ارتفاع الدين العام إلى حدود مخيفة. ويحذر صندوق النقد الدولي من أنها تشكل 89 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي البالغ 24 مليار دولار خلال العام الماضي 2017.
الخوف من اتساع نطاق المشكلة
أما على صعيد الموازنة فإن عجزها يتزايد رغم تقليص الدعم الحكومي لعدة سلع وفرض ضرائب جديدة. ويأتي هذا التراجع بسبب انخفاض أسعار النفط التي كانت تموّل 80 بالمائة من النفقات الحكومية. وهو الأمر الذي يضطر السعودية والإمارات والكويت عندما يتطلب الأمر إلى مد يد العون في إطار حزمة مساعدات تصل قيمتها إلى 10 مليارات دولار على مدى 10 سنوات اعتبارا من عام 2011. وهذا ما فعلته خلال أقل من 24 ساعة على انتكاسة الدينار، إذا سارعت الدول الثلاث إلى الإعلان في بيان مشترك أنها تنظر في كافة الخيارات لمساعدة الحكومة البحرينية على تجاوز المشكلة. وهو الأمر الذي أدى إلى تعافي الدينار البحريني بعض الشيء ليستقر عند حدود 0.640 وسط تأكيد الحكومة على ضبط سعره واستمرار ربطه بالدولار الأمريكي. وفسر العديد من الخبراء والمراقين سرعة التدخل الخليجي بتزايد المخاوف من اتساع الأزمة إلى منطقة الخليج وفي مقدمتها السعودية. وعليه فإن استقرار الدينار يعطي إشارات إيجابية ويساعد على إشاعة الاطمئنان في الأسواق المالية الخليجية.
العجز المالي ومأزق الاستثتمار
صحيح أن اقتصاد البحرين ذو وزن محدود مقارنة بالاقتصاد السعودي الذي وصل ناتجه المحلي إلى أكثر من 680 مليار دولار خلال العام الماضي 2017. غير أن هبوط الدينار البحريني الذي يعد من أكثر العملات استقرارا أجج المخاوف من تعرّض عملات خليجية كالريال السعودي لهزات يصعب احتواء تبعاتها بسبب حجم الاقتصاد السعودي من جهة والثقل الكبير لهذه العملة في منطقة الشرق الأوسط. وهو الأمر الذي يفسر السرعة الفائقة في الإعلان عن دعم الدينار البحريني. وتأتي المخاوف المذكورة بسبب معاناة الاقتصاد السعودي من مشاكل كثيرة مشابهة لما يعانية نظيره البحريني، فالعجز التي تعاني منه الموازنة كبير أيضا وقد وصل العام الماضي إلى حوالي 70 مليار دولار رغم إجراءات التقشف الحكومية. وما يزال الدين الخارجي في حدود متدنية مقارنة بدول كثيرة، غير أنه ازداد ليشكل نحو 30 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي ، في حين يصل يقارب دين الدولة 20 بالمائة من هذا الناتج. ويزيد الطين بلة انكماش تدفق الاستثمارات الخارجية بنسبة زادت على 500 بالمائة، من 7.5 مليار دولار في عام 2016 إلى 1.4 مليار دولار خلال العام الماضي 2017. وهو الأمر الذي يعكس ضعف الثقة رغم الإصلاحات الكبيرة التي تم الإعلان عنها في إطار "رؤية 2013".وتستهدف هذه الإصلاحات جذب استثمارات أجنبية بعشرات المليارات سنويا وهو أمر يصعب تحقيقه على ما يبدو.
احتواء الضغوط على العملة السعودية
عادة ما يتراجع سعر العملة إزاء الدولار والعملات الرئيسية مع تزايد العجز في الميزانية وتراجع الاستثمارات ورفع الأسعار وتراجع مصادر الدخل الحكومية وهي العوائد النفطية في حالة السعودية. وقد واجه الريال السعودي بسبب ذلك تراجعا وضغوطا ولو أنها بقيت مؤقتة خلال السنوات الثلاث الماضية. وكان أقواها التراجع الذي شهدها أثناء أوائل 2016 على وقع انهيار أسعار النفط. يومها فقدت العملة السعودية بشكل مؤقت خمس قيمتها في سوق المعاملات الآجلة. وتتوقع نشرة التجارة الخارجية الألمانية وصول نسبة التضخم إلى نحو 4 بالمائة هذه السنة، ما يعني أكثر من ضعف النسبة المألوفة. غير أن الحكومة السعودية استطاعت استيعاب الصدمات والضغوط التضخمية التي تعرضت لها عملتها حتى الآن بسبب قدرتها على التدخل السريع لضخ العملات الصعبة اللازمة لاستقرار السوق وتقديم الضمانات والقروض اللازمة لإمداد السوق بالسلع والخدمات والحفاظ على قوة شرائية عالية. ولولا ذلك لشهدنا الريال السعودي يشهد تراجعا تلو الآخر. غير أن السؤال المطروح الآن إلى متى يمكن القيام بدعم الريال وضبط سعره وربطه بالدولار؟
ما تزال السعودية تتمع باحتياطات هامة يمكن تسييلها لمواجهة عجز الموازنة وتكاليف التسلح وحرب اليمن واستقرار العملة. غير أن هذه الاحتياطات تنضب بسرعة. كما أن عوائد الخصخصة المأمولة من بيع أجزاء من شركة ارامكو لا تأتي بحلول دائمة، مثل هذه الحلول وحسب خبرات الكثير من الدول تأتي عن طريق قطاع خاص ديناميكي يملك قاعدة معرفية لسد الثغرة التي يتركها تراجع نفقات الدولة في مجالات حيوية كمشاريع البنية التحتية وخلق فرص العمل لنحو 30 بالمائة من الشباب السعودي الذي يشكون أكثر من نصف مواطني المملكة.
أهمية ديناميكية القطاع الخاص
وبما أن قطاع كهذا بحاجة إلى استثمارات، فإن التحدي الأكبر الذي يواجه السعودية خلال السنوات القادمة يتمثل في تجاوز مأزق ضعف الاستثمارات. وهنا لابد من التأكيد أن المقصود بهذا ليس بالدرجة الأولى توفير الأموال من خلال بيع المزيد من النفط والخصخصة وتسييل الاحتياطات، بل الاستثمارات المعرفية التي تحفز الصناعات التحويلية والاستهلاكية المستدامة والخدمات المرتبطة وتجعلها أحد المصادر الرئيسية للدخل والحاضن الرئيسي لقوة العمل الفائضة، فبفضل ذلك يمكن يمكن إحلال الكثير من الواردات وتقليص فاتورة المستوردات وحماية السوق من تقلبات أسعار النفط التي تعتمد عليها الموازنة السعودية والاحتياطات اللازمة لدعم استقرار العملة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، من أين للسعودية أن تبني صناعات وخدمات كهذه ذلك في ظل عجز الميزانية وعزوف الاستثمارات الأجنبية وضعف القطاع الخاص الحالي الذي يعتمد على الدولة في مشاريعه وعلى الأيدي العاملة الأجنبية في إنجازها وتشغيلها. ويزيد الطين بلة تزايد خروج الكفاءات الأجنبية من البلاد تراجع دخلها وفرض رسوم إقامة عليها وعلى أفراد عائلاتها. وإذا ما استمر هذا الوضع، فإن الريال السعودي وعملات خليجية أخرى لن تكون في منأى عن اهتزازات قوية تهوي بأسعارها أمام العملات الصعبة. وعندها يمكن الحديث عن حقبة جديدة بتبعات قاسية جدا على كل الأصعدة.