تداعيات اجتياح سجن أبو غريب في بغداد
٢٥ يوليو ٢٠١٣شهدت بغداد يوم 20 يوليو 2013 سلسلة عمليات إرهابية متفرقة وأعلنت ألحكومة ان 500 سجين على الأقل قد فروا من سجني التاجي وابو غريب في بغداد اللذينتعرضا لهجمات مسلحة . العملية أدت الى مقتل وإصابة 68 شخصاً من حراس السجن أثناء الهجوم المسلح. يأتي ذلكبينما تستمر بغداد وغيرها من مدن العراق في مواجهة موجات عنف دامية .
وتم الإعلان عن العملية على موقع الفرقان الخاص بالدولة الإسلامية يوم 23 يوليو 2013 . إن قصر الفترة الزمنية بين العملية وبين إعلانها على الموقع الجهادي بهذه السرعة يعكس درجة الثقة والمرونة التي يتمتع بها التنظيم . وتعتبر ألعملية هي الأوسع في تاريخ تنظيم القاعدة في العراق ( التوحيد والجهاد) وكذلك "الدولة الإسلامية "، لعدة أسباب أبرزها حجم العملية كونها شملت سجني في توقيت واحد رغم المسافة بينهما وثانيا بالإمكانيات الاستخبارية والعسكرية التي تمتلكها وثالثا نوع الهدف كون ابو غريب يعتبر هدف محصن ويضم سجناء من الخط الأول لمقاتلي التنظيم والبعض منهم محكوم بالإعدام .
تفاصيل الهجوم
اعترف التنظيم في بيانه على موقعه ( الفرقان ) بانه كان يخطط للعملية منذ أشهر . إصدارات التنظيم وبياناته أوضحت بان جزء من هذه الخطة كان تسليح عدد من السجناء داخل السجن بالأسلحة والقنابل والأحزمة الناسفة.
إشغال وحدات الجيش المتواجدة بمنطقة ابو غريب والتاجي القريبة من السجن لاستبعادها تعبويا ـ لوجستيا من تقديم اي عون الى حماية السجن في الداخل.
السيطرة على الطريق الرئيس العام المؤدي إلى السجن اي طريق بغداد ابو غريب وطريق بغداد الموصل العام وقتل إفراد نقاط التفتيش .
قطع الجسور المؤدية للسجن.
بدأالهجوم في الساعة 21 يوم 21 يوليو 2013 على خلاف توقيت العمليات السابقة ، استخدمت فيه عدد من السيارات المفخخة وتسعة انتحاريين ومئات من قذائف الهاون والصواريخ، بالتزامن مع حصولأحداث شغب وإشعال حرائق داخل قاعات السجن من قبل بعض النزلاء، صاحبهاانقطاع مفاجئ للتيار الكهربائي.
بدأ الهجوم بقذائف هاون على السجن وعلى أبراج المراقبة لغرض الإرباك.
إرسال 9 انتحاريين " الانغماسيين" وفق تسمية الدولة الإسلامية من أجل إحداث ثغرة في السجن للسماح بعد ذلك بالمقاتلين بالنفوذ .
إطفاء التيار الكهربائي.
الهجوم بسيارات مفخخة على مبنى السجن لغرض إحداث أوسع مساحة من الحرائق وإثارة الرعب في نفوس رجال الحماية.
هجوم من قبل مقاتلي التنظيم الى داخل السجن مع انتحاريين لتمشيط السجن وفتح الأبواب.
النتائج
تحرير أكثر من 500 معتقل ومقتل 120 شخص رغم ان إحصائيات الحكومة أوردت مقتل 25 من رجال الشرطة وحماية السجن . رغم ان الإحصائيات في هذه الحادثة تباينت وتضاربت أكثر من غيرها. وقالالنائب حاكم الزاملي إن نحو 500 معتقل قد فروا من سجن ابو غريب ، بينماقال النائب شوان طه في بيان نشر على موقع حزب الاتحاد الوطني ان بين 500و1000 شخص فروا من السجنين.
وكانت قوات الأمن قد فرضت الاثنين حظراً على التجوال في مناطق أبو غريبوالتاجي والرضوانية والمناطق المحيطة بمطار بغداد على خلفية أحداث السجن،شمل إغلاق المحال التجارية والمؤسسات الحكومية والدوائر الخدمية، وباشرتبحملة كبيرة للبحث عن السجناء الهاربين من سجني التاجي وأبو غريب . هذه العمليات عملت مضايقات للمواطن العراقي كونها لا تجدي نفعا.
وأعلنت وزارة الداخلية ان القوات الأمنية في قيادةعمليات بغداد وبمساندة من طيران الجيش تمكنت من إحباط هجوم مسلح شنه مسلحونمجهولون استهدف بنايتي سجني التاجي وابو غريب .
أما وزير العدل حسن الشمري فقد أمر بتشكيل لجان تحقيق لمعرفةحقيقة ما جرى، وتشكيل لجان لإحصاء الأضرار والخسائر الناجمة عن أعمال الشغبوالهجمات، وإسناد إدارتي السجنين بقوات من دائرة الإصلاح العراقيةوالأجهزة الأمنية.وأعلنت الحكومة تشكيلها خلية عمل للتحقيق بالحادثة برئاسة رئيس الحكومة.
"الدولة ألإسلامية في العراق والشام " والإستراتيجية الأمنية
القوات الأمنية وحتى المسؤولين في الدولة يخشون أن يفضحوا أو يعلنوا عن الوقائع إذ أن أعمال العنف هذه هي ليست فقطلتنظيم القاعدة . العمليات الانتحارية والأحزمة الناسفة هي للقاعدة ولكن عمليات العبوات اللاصقة في المقاهي وعمليات كواتم الصوت قد تكون بأجندةسياسية وأجندة خارجية .
إن حادثة سجني ابو غريب والتاجي تعتبر من أوسع العمليات التي قامت بها القاعدة في العراق وتحديدا "الدولة الإسلامية في العراق والشام " . هذه العملية تبرهن على الذراع الطويلة الى التنظيم والتدريب والمرونة التي يتمتع بها . اكد تنظيم "الدولة الإسلامية " في بيانه على الجهد الأمني ألاستخباري الذي بفضله استطاع تنفيذ هذه العملية ، واعتراف بالجهد ألاستخباري والأمني "للدولة ألإسلامية " أكثر من الجهد العسكري يعكس إستراتيجية الأمن والاستخبار لدى "الدولة الإسلامية " اكثر من تنظيم القاعدة المركزي او فرع العراق ، وهنا تجدر الإشارة إلى ان "الدولة ألإسلامية " هي ليست فرع القاعدة بالعراق كما هو متداول ، بل هو تنظيم منفصل يعمل تحت مظلة وراية القاعدة .
أن تنظيم "الدولة الإسلامية "زاد على التنظيم المركزي وتنظيمات اليمن والجزيرة العربية بقدرته وشراسته الاستخبارية أكثر من العسكرية . المعلومات تفيد بان مقاتلي التنظيم يحصلون على تدريب وتعليم أكاديمي على خلاف باقي التنظيمات التي تعمل على الولاء الأيديولوجي كما هو في أفغانستان واليمن والصومال ، اي لدى التنظيم إستراتيجية أمنية واضحة عكس الدولة العراقية . التنظيم في العراق اثبت قدرته الأمنية والعسكرية من خلال تنفيذ عملياته الواسعة ، رغم ان عام 2013 شهدت عمليات ضد أهداف رخوة استهدفت المدنيين والاماكن العامة .
العملية تمت بتجنيد مصادر من داخل السجن بل تم تجنيد مسؤوليين على مستوى عال في الداخلية العراقية والعدل المعنية بإدارة السجن والحماية وكانت قبل ذلك عدد من حملات التنقلات تمت بين المسؤولين عن ادارة السجون . التجارب التي سبقت سجن ابو غريب والتاجي كشفت عن تورط مسؤولين كبار وقادة ميدانيين ومسؤولين في الحكومة وسياسيين من الخط الأول ومن دائرة علاقات رئيس الحكومة مقابل استلام مبالغ ضخمة . الكثير من السياسيين في العراق كونوا ثرواتهم من اخراج السجناء من المعتقلات مقابل الرشوة .
التداعيات
ابرز تداعيات الهجوم هو احتمالات تصاعد عمليات ألتنظيم في الأيام القليلة القادمة ، هذه العملية عملت على تقوية معنويات المقاتلين وستكون دافع لكسب مقاتلين جدد أكثر من السابق . وممكن ان تكون رسالة الى التنظيمات " الجهادية " الأخرى لمبايعة " الدولة ألإسلامية " وإعادة إعداد من "الصحوات الإسلامية " بعد ان استعرض التنظيم قوته ضد الحكومة بهذه الطريقة الاستعراضية .
كانت ردود فعل المسؤولين العراقيين تحمل طابع الصدمة من نوعية العملية ومن قدرتها وإمكانيتها لجعل التنظيم أقوى من الحكومة ، وهي تداعيات خطيرة عندما تكون الحكومة عاجزة عن مواجهة تنظيم بهذا الحجم رغم إمكانية الحكومة والدولة . المواطن العراقي يشعر بالإحباط واليأس أكثر بعد هذه العملية نتيجة فقدان ثقته بالحكومة .
بعض التحليلات ذكرت بان الأمن في العراق يشهد تراجعا لكن الحقيقة انه لم يشهد تقدما من قبل ، فهو يعاني من الفشل والغياب الكامل أكثر من التراجع . التسييس والفساد يجمع عليهما المراقبون وراء الفشل الأمني وانهيار الدولة العراقية . أن تخطيط التنظيم للعملية منذ أشهر دون كشفها من قبل الأمن العراقي يعني كارثة أمنية. في المفهوم الأمني والاستخباري مطاولة التخطيط لأي عملية يجعل العملية عرضة للاختراق أو الكشف ، أي أن مطاولة التنظيم لأشهر عديدة دون كشفها من قبل الأمن والاستخبارات العراقية يعني غياب وفشل كامل لنظام الاستخبارات والمعلومات في العراق .
هنالك دول ليست بمستوى العراق استطاعت اختراق تنظيم القاعدة والحصول على تفاصيل وأهداف عملهم من الداخل ،قبل تنفيذ العمليات وان كانت محدودة او في دائرة مغلقة ، فكيف لا تتوفر للأمن العراقي معلومات عن مثل هذه العملية التي وصلت الى تسليح السجناء من الداخل أي إدخال الأسلحة والأحزمة الناسفة والقنابل؟
*كاتب في قضايا الإرهاب والاستخبار