العبادي سيصارع جبلا من التحديات في العراق
١٦ أغسطس ٢٠١٤رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي تنحى عن منصبه السياسي، ولكنه ترك خلفه العديد من الأزمات: فتقدم تنظيم "الدولة الإسلامية" يتواصل، والأكراد يوسعون استقلالهم في شمال العراق، والأحزاب السياسية متمزقة بشكل كبير. وأعلن المالكي مساء الخميس (14 آب/أغسطس) عن تخليه عن المنصب ليفسح بذلك الطريق لحيدر العبادي اتشكيل الحكومة الجديدة. ولكن الأخير في وضع لا يحسد عليه كثيرا، فعلى عاتقه تقع مهمة ليست سهلة تتمثل في إعادة توحيد أتباع الطوائف المختلفة في البلاد.
كانت مسألة تخلي المالكي عن رئاسة الحكومة محل الكثير من الجدل، ففي الانتخابات البرلمانية التي أجريت في نيسان/أبريل الماضي حصلت كتلة "دولة القانون، التي تضم حزب الدعوة بقيادة المالكي، على غالبية الأصوات، لكن الرئيس فؤاد معصوم لم يكلف المالكي بتشكيل الحكومة، الأمر الذي دفع الأخير للجوء لأعلى جهة قضائية في البلاد.
المالكي يفقد دعم حزبه
تنامى على الصعيدين الداخلي والخارجي الرفض لأداء المالكي، لاسيما مع الشعور المتزايد لدى السنة بأن المالكي يمارس التمييز ضدهم، الأمر الذي نتج عنه أن الكثيرين صاروا يرون في تنظيم "الدولة الإسلامية" أخف الضررين مقارنة بالحكومة التي يهيمن عليها الشيعة في بغداد. في الوقت نفسه تجاهل المالكي كافة الأصوات المطالبة بتشكيل حكومة وحدة وطنية لمواجهة تهديدات تنظيم "الدولة الإسلامية".
فقد المالكي دعم طهران، التي باركت توليه السلطة عام 2006، كما فقد دعم حزبه نفسه (حزب الدعوة) الذي أيد العبادي لخلافته في منصب رئيس الوزراء. يفسر تيودور كاراسيك، مدير البحوث بمعهد الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (إنيغما) في دبي، هذا التغيير في موقف حزب الدعوة بقوله: "كانت طريقة للعثور على سياسي قادر على سد الفجوة داخل النخبة السياسية في العراق ودمج السنة بشكل أكبر".
وحول ما جرى خلف الكواليس كتب علي هاشم من موقع "المونيتور" الإلكتروني استنادا إلى مصادر لم يكشف عنها، أن العديد من الفرص أتيحت للمالكي للتخلي عن منصبه وكان من بينها إمكانية شغل منصب نائب الرئيس لكن المالكي رفض هذا المنصب الذي لا يكفل له صلاحيات كبيرة.
وأضاف هاشم أن ساسة آخرين غير العبادي كانوا أقرب للمنصب في بداية الأمر لكونهم معروفين أكثر، مثل إبراهيم الجعفري وأحمد الجلبي، موضحا أن المهم بالنسبة لإيران فيما يتعلق برئيس الوزراء العراقي الشيعي الجديد، أن يكون لديه القدرة على نزع فتيل اشتعال الموقف في البلد المجاور ووضع حد لشعور الأكراد والسنة بالعزلة.
حاجة ملحة للمّ الشمل
لم يكن اختيار العبادي مفاجأة بالنسبة للمحلل كارسيك الذي قال في تصريحات لـDW إن اختيار السياسي البالغ من العمر 62 عاما جاء بناء على الثقة فيه كشخصية قادرة على إحداث التقارب. قضى العبادي سنوات طويلة في المنفى بلندن خلال فترة حكم صدام حسين ثم عاد للبلاد بعد سقوط نظام صدام وتولى منصب وزير الاتصالات في الحكومة الانتقالية عام 2004.
ويرى كارسيك أن المهمة الأساسية لرئيس الوزراء الجديد ستكون العمل على تأمين سير آليات الدولة بالنظر إلى الأزمات العديدة التي تمر بها البلاد حاليا. كما أشار المحلل كارسيك إلى أن ساسة من حزب الدعوة أجروا اتصالات خلال اليومين الماضيين مع شخصيات عسكرية من حقبة صدام حسين وأضاف: "من المهم للغاية أن يلتقي (العبادي) مع شخصيات من النظام السابق لأنه بحاجة لدعمهم". يذكر أن السنة كانوا يهيمنون على الجيش خلال حقبة صدام حسين أما الآن فيدعم الكثير من رجال الجيش السابقين الأطراف المعادية للحكومة، ومن بينها تنظيم "الدولة الإسلامية". ولم يكن من الممكن أن تحدث مثل هذه الاتصالات مع عناصر من حقبة صدام حسين أثناء فترة حكم المالكي.
تحديات وتوقعات
انتقال السلطة من المالكي لزميل له في نفس الحزب مسألة تضمن الأمن لعائلة الأول وأن ثروته وبعض نفوذه يمكن أن يبقى في يده حتى بعد خروجه من دائرة الضوء، كما يرى المحلل كارسيك. أما رئيس الوزراء الجديد فلن يبدأ مهام عمله باستقبال برقيات التهنئة فحسب بل بالإرشادات التي بدأت بالفعل في الوصول إليه، إذ طالب المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني، رئيس الوزراء الجديد بمكافحة الفساد والإرهاب والانقسام الديني. أما مستشارة الرئيس الأمريكي للأمن القومي سوزان رايس فقالت إن التغيير السياسي الجديد في العراق خطوة على طريق الوصول لعراق موحد وهو تصريح يبدو كأمر أكثر منه أمنية. في الوقت نفسه طالب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتشكيل حكومة قادرة على توفير الحلول السريعة للمشكلات الملحة.
من جهته استهل العبادي تصريحاته في منصبه الجديد بالتأكيد على عدم رغبته في قطع وعود غير واقعية، مشيرا إلى أن التحدي الأول الآن يتمثل في تشكيل حكومة تحظى بالقبول لدى الأطراف المختلفة وهو أمر يجب أن يحصل، وفقا للدستور، خلال 30 يوما كحد أقصى.