تركيا وفرنسا: خصمان في عدة نزاعات رغم مظلة الناتو!
٣٠ أكتوبر ٢٠٢٠من الأسوة السياسية لماكرون الرئيس شارل دوغول تأتي المقولة: الدول ليس لديها أصدقاء فقط مصالح. والخلاف الحالي بين الرئيس الفرنسي ونظيره التركي يمكن أن تكون له دوافع شخصية، لكنه بوجه الخصوص دليل على وجود نزاعان حول مصالح استراتيجية لكلا البلدين. أتعلق الأمر بناغورني كارباخ وليبيا وسوريا أو خلاف الغاز في البحر المتوسط: ففي أهم النزاعات الحالية في المنطقة للطرفين مواقف عدوانية. والسياسة التوسعية لتركيا تواجهها في فرنسا معارضة قوية بحيث أن البلاد تعتبر نفسها قوة نظامية في منطقة البحر المتوسط.
خلاف الغاز في البحر المتوسط
لا تريد فرنسا القبول بحقيقة أن تركيا تقوم منذ شهور بالتنقيب عن الغاز في المياه قبالة قبرص والعديد من الجزر اليونانية، لأنها تطالب بالمناطق البحرية هناك لنفسها. ولهذا اختارت باريس علنا مساندة اليونان التي تعتبر الأنشطة التركية غير قانونية. وقد كشفت حادثة عسكرية في يوني/ حزيران الماضي 2020 عن توتر العلاقات بين البلدين منذ شهور. وحسب معطيات الحكومة الفرنسية صوبت في البحر المتوسط سفينة حربية لتركيا العضو الشريك في حلف الناتو عدة مرات رادار توجيه النيران على فرقاطة فرنسية ـ وهذا الاجراء يمكن اعتباره خطوة أولية لشن هجوم. والقيادة التركية تنفي الاتهامات وانتقدت من جانبها الطرف الفرنسي.
وقد ابتعد الرئيس ماكرون بوضوح عن الشريك في الناتو الذي لم يعد شريكا بالنسبة إلى فرنسا على الأقل في شرق البحر المتوسط حسب تصريحات ماكرون. وإلى جانب مصالح استراتيجية تلعب هنا أيضا أسباب اقتصادية دورا. وعُلم في سبتمبر/ أيلول الماضي 2020 أن اليونان تعتزم شراء 18 قطعة من المقاتلة الفرنسية رافال. وهذه صفقة مهمة بالنسبة إلى شركة السلاح الفرنسية داسو.
ناغورني كاراباخ
وفي النزاع حول ناغورني كارباخ ترى الحكومة الفرنسية أنها مدعوة للتحرك. ويعيش في فرنسا 600.000 أرمني ـ وهي أكبر جالية أرمنية في المهجر. وكإحدى الدول الغربية الأولى وضعت باريس إنكار القتل الجماعي بحق الأرمن في عام 2006 تحت التجريم. وحتى لو أن باريس تتحفظ في تقديم الدعم المباشر وتحاول التوسط، فإن ساسة فرنسيين يحاولون باستمرار البحث عن التقارب من الأرمن في الوقت الذي تدعم فيه أنقرة اذربيجان بالأسلحة. ويرفع الرئيس ماكرون في هذا النزاع اتهامات مباشرة ضد الحكومة التركية. وقال بأن أنقرة أرسلت مئات المرتزقة إلى منطقة الحرب، وبهذا تم تجاوز خط أحمر. والضغط على الرئيس الفرنسي يأتي أيضا من داخل حزبه. فالعديد من نواب الجمعية العامة يطالبون الحكومة بالاعتراف باستقلال منطقة ناغورني كارباخ المتنازع عليها.
ليبيا
على صعيد الحرب الأهلية في ليبيا توجد فرنسا وتركيا في معسكرين مختلفين. ففي الوقت الذي يدعم فيه ماكرون زعيم الميليشيا خليفة حفتر، يقف الرئيس التركي إلى جانب الحكومة المعترف بها دوليا. وسياسة الحكومة الفرنسية في هذا الإطار مثيرة للجدل بين شركاء الاتحاد الأوروبي. وعلى هذا النحو عارضت فرنسا محاولة في بروكسل لإصدار قرار منتقد لحفتر.
وبالنسبة إلى باريس تبقى هنا أيضا مصالح اقتصادية في الواجهة. فشركات فرنسية تستغل موارد نفطية في شرق ليبيا، معقل الجنرال حفتر، ولاسيما شركة توتال النفطية التي تعمل في ليبيا منذ عقود. وتركيا من جهتها تتطلع إلى دور ريادي بين الدول الاسلامية في منطقة البحر المتوسط ودعم الحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس. وبمساندة تركية نجحت في هذا العام بصد هزيمة عسكرية حاسمة في آخر لحظة ضد حفتر.
ماكرون واردوغان
والعلاقات الشخصية بين رئيسي الدولة محطمة. ففي النزاعحول موارد الغاز في البحر المتوسط راهنت القيادة التركية على خطاب عنيف ووصفت ماكرون بأنه "يرغب أن يكون نابليون". والخلاف حول الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد زاد من حدة الخصومة. وفي حفل تذكاري لتكريم المدرس صامويل باتي الذي قُطع رأسه من طرف إسلامي متطرف بالقرب من باريس طالب ماكرون "باسلام التنوير" وقال بأن بلاده لن تتخلى عن الرسوم الكاريكاتورية "حتى لو تراجع آخرون عن ذلك". وتدخل الرئيس التركي في الجدل واتهم ماكرون بمعاداة الاسلام واقترح على الرئيس الفرنسي الخضوع لعلاج نفسي. وعلى إثرها استدعت باريس سفيرها من أنقرة بشكل مؤقت.
نزاع حول " شارلي إيبدو"
وانتقاد اردوغان لا يستهدف فقط ماكرون شخصيا. فالرئيس التركي يستغل الأزمة للتألق بصورته السياسية داخل بلاده وتوطيد مكانته في العالم الاسلامي. وبعدما أعلنت الحكومة الفرنسية أنها ستتحرك بشكل أقوى ضد مجموعات اسلاموية، رد اردوغان بالدعوة إلى مقاطعة البضائع الفرنسية. وهذا مطلب يتم الترويج له حاليا في بلدان اسلامية أخرى.
والنسخة الجديدة لمجلة "شارلي إيبدو" من شأنها تأجيج هذا النزاع بنشر رسم كاريكاتوري يسخر من الرئيس التركي. واردوغان يعتبر أن مسؤولية هذا الرسم يتحملها الرئيس ماكرون: "الأجندة المعادية للاسلام للرئيس الفرنسي ماكرون تأتي بالثمار"، يقول أردوغان. كما عقب متحدث باسم الرئيس التركي الذي هاجم أيضا ما اسماه "العنصرية الثقافية". وبانتقاده لفرنسا الشريك في حلف الناتو لا يدخل اردوغان على الصعيد الداخلي في مخاطرة كبيرة. فصورة فرنسا في تركيا سلبية أكثر من صورة المانيا مثلا. وفي فرنسا تعيش في المقابل أقلية كردية كبيرة، وهذه حقيقة يدركها أيضا الرئيس الفرنسي.
أندرياس نول/ م.أ.م