تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل ينذر بـ "حرب حقيقية"
٢٩ يونيو ٢٠٢٤خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأحد (23 يونيو / حزيران) ليقول إن: "المرحلة العنيفة من المعارك ضد حماس على وشك الانتهاء. هذا لا يعني أن الحرب على وشك الانتهاء، لكن الحرب في مرحلتها العنيفة على وشك الانتهاء في رفح". وكرر رئيس الحكومة الإسرائيلية مرارا وتكرارا أن الصراع لن ينتهي إلا بالتدمير الكامل لحركة حماس في غزة.
وأكد نتنياهو " بعد انتهاء المرحلة العنيفة، سنعيد نشر بعض قواتنا نحو الشمال، وسنفعل ذلك لأغراض دفاعية في شكل رئيسي، ولكن أيضا لإعادة السكان (النازحين) الى ديارهم".
ولسنوات، يتبادل الجيش الإسرائيلي وحزب الله، وهي ميليشيا يبلغ قوامها حوالي 50 ألف مقاتل ويلعب جناحها السياسي دورا هاما في الحياة السياسية بلبنان، إطلاق النار عند المناطق الحدودية.
بيد أن المناوشات الحدودية بين الطرفين اتسعت وتزايدت وتيرتها منذ هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 والذي أودى بحياة 1200 شخص وما تلي من شن إسرائيل عمليات عسكرية في غزة أسفرت عن مقتل أكثر من 37 ألف شخص، حسب السلطات الصحية التابعة لحركة حماس في غزة. ومن غير الممكن التحقق من صحة هذه الأرقام من مصادر مستقلة.
الجدير بالذكر أن حزب الله ينظر إلى حماس كحليف، فيما تحظى المنظمتان بدعم إيراني.
يذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كـ"منظمة إرهابية".
وتعتبر دول عديدة حزب الله اللبناني، أو جناحه العسكري، منظمة إرهابية. ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ودول أخرى. كما حظرت ألمانيا نشاط الحزب على أراضيها في عام 2020 وصنفته كـ "منظمة إرهابية".
لتحرك ببطء صوب التصعيد
حتى الوقت الراهن، تحلت إسرائيل وحزب الله بالحرص على تجنب الانزلاق إلى حرب شاملة، رغم القصف المتبادل عبر الحدود.
ومؤخرا، وضعت إسرائيل قواتها في حالة تأهب قصوى بعد نشر حزب الله لقطات مراقبة جوية زعم أنها تخص العديد من مواقع البنية التحتية العسكرية الإسرائيلية والمنشآت المدنية، بما في ذلك مواقع بمدينة حيفا الساحلية الإسرائيلية بما يحمل في طياته رسالة ضمنية بأن هذه المواقع قد تكون أهدافا محتملة في حالة اندلاع حرب شاملة.
يقول مايكل باور، مدير مكتب لبنان في مؤسسة كونراد اديناور الألمانية، "نرصد تصعيدا تدريجيا زادت حدته خلال الأسابيع الأخيرة. حتى لو افترضنا أن الجانبين لا يسعيان إلى حرب واسعة النطاق، فإن مستوى التصعيد يعد مرتفعا بما يحمل في طياته نذر انزلاق الأمور إلى الأسوأ".
ويتفق مع هذا الرأي بيتر لينتل، الباحث المتخصص في شؤون أفريقيا والشرق الأوسط بمعهد دراسات الشؤون الأمنية والدولية في برلين، (SWP)، قائلا "لم ترتق بعد الهجمات المتبادلة الحالية بما في ذلك إطلاق الصواريخ، إلى مستوى الحرب الشاملة، لكن القتال أصبح متكررا و متزايدا بشكل أكبر حتى في حالة رغبة كلا الطرفين في عدم الانزلاق إلى حرب حقيقية".
وفي مقابلة مع DW، أضاف لينتل أنه في ضوء ذلك، "فإننا نشهد زيادة بطيئة للغاية صوب تصعيد محتمل. وبالطبع من خلال المحاولات المستمرة التي يقوم بها الطرفان للردع بما في الإجراءات المضادة، فقد يصلان إلى نقطة اللاعودة. فعندما يقول أحد الطرفين إنه يجب عليه الرد بقوة سيدفع ذلك الطرف الآخر إلى الرد بقوة أكبر. هذا هو مبعث الخطر".
وفي السياق ذاته، قال هيكو فيمن، مدير مشروع العراق وسوريا ولبنان بمجموعة الأزمات الدولية، إن الإسرائيليين يأخذون هذا الخطر على محمل الجد، مضيفا أن العديد من الباحثين بالمجموعة في إسرائيل قاموا بالتحدث إلى شخصيات إسرائيلية لديها علاقات وثيقة مع الجيش بعضها أنهى الخدمة العسكرية مؤخرا.
وأضاف فيمن "وجهة نظر هذه الشخصيات الإسرائيلية تتمثل في أنه من الخطير جدا مهاجمة عدو أمضى 20 عاما في التحضير والاستعداد، إنهم متشككون في مهاجمة ميليشيا [حزب الله] بقوات قد تكون منهكة جراء القتال ضد حماس المستمر منذ شهور".
"إيران لا تريد للوضع أن يخرج عن السيطرة"
ورغم أن خبراء يقولون إن الجيش الإسرائيلي لا يعمل على تجاوز خطوط حزب الله الحمراء، إلا أن ويمن يحذر "لا أحد يعرفها وبمجرد تجاوزها فسيكون قد فات الأوان".
وقال باور إن الأمر لا يمكن تفسيره على أن حزب الله يريد الحرب، مستشهدا في ذلك بنشره لقطات مراقبة مصورة واستخدامه خطابا أكثر صرامة وإظهار أن الحزب يمتلك أسلحة أكثر تطورا.
وأوضح أن هذه الإستعراضات تأتي في إطار بعث رسالة ردع ، مضيفا "حزب الله يرغب من وراء ذلك بعث رسالة إلى أنصاره. فمنذ أكتوبر / تشرين الأول الماضي قُتل حوالي 400 من مسلحي الحزب، ما يفوق خسائره البشرية خلال حرب عام 2006، لذا تريد قيادة الحزب أن تظهر بمظهر القوة داخل لبنان وأيضا تحسين موقفها في حال الانخراط في أي مفاوضات مستقبلية محتملة."
وفي مقال رأي نشرته صحيفة "القدس العربي"، كتب عمرو حمزاوي، مدير برنامج كارنيغي للشرق الأوسط، إن "صناع القرار في إيران لا يريدون للصراع بين حزب الله اللبناني وإسرائيل أن يخرج عن السيطرة وينجرف الأمر إلى حرب واسعة".
وأضاف أن الحكومة الإيرانية تدفع " الحوثيين في اليمن والفصائل العراقية المسلحة إلى تصعيد هجماتهم في مواقع مختلفة لتذكير نتنياهو وحكومته وكذلك القوى الدولية المؤثرة في القرار الإسرائيلي بالمواجهة الإقليمية التي يمكن أن تحدث."
"واشنطن لم تعط لإسرائيل الضوء الأخضر"
وقال فيمن إن الأمر في الكثير من جوانبه يعتمد على الخطوات التي سوف تتخذها الولايات المتحدة، التي تعد أهم حليف لإسرائيل، حيث تقدم لها واشنطن مساعدات وأسلحة ودعم دبلوماسي.
وأشار الباحث إلى أن الولايات المتحدة " لم تعط إسرائيل حتى الآن الضوء الأخضر لشن هجوم [على لبنان]. هذا يعد بمثابة شرط عسكري مسبق لخروج إسرائيل من هذا الصراع منتصرة بما يشمل استمرار تدفق الأسلحة الأمريكية. بدون ذلك، لن تكون إسرائيل في وضع يسمح لها بشن هذه الحرب".
قلق إقليمي من تداعيات كارثية
من جانبه، شدد لينتل على أن الأطراف الإقليمية خاصة دول الجوار يساورها الكثير من القلق حيال خروج الصراع عن نطاق السيطرة، مضيفا "قد يتزعزع استقرار مصر والأردن بسبب أي حرب خاصة وأن الجماعات الأصولية في الأردن تكتسب دعما شعبيا بسبب الحرب في غزة".
وقال "تبذل دول أخرى مثل السعودية والإمارات قصارى جهدها لتجنب الانزلاق صوب الحرب. لكن إمكانيات هذه الدول محدودة وهذا ما يزيد من قلقها إذ ترى أن أي حرب من هذا القبيل ستجلب تداعيات كارثية عليها أيضا".
أعده للعربية: محمد فرحان