تضامن شبه أجنبي مع غزة ـ "وكأن الضفة دولة أخرى"
٨ أغسطس ٢٠١٤في أقسام مختلفة من المستشفى الفرنسي (سان جوزيف) بالقدس، يرقد ثمانية عشر جريحا من قطاع غزة ممن أصابتهم الصواريخ والقذائف الإسرائيلية، خلال حرب الأيام التسعة والعشرين. عدد أكبر من المصابين يعالجون في مستشفى المقاصد الخيرية في المدينة، كما نقلت أعداد أخرى إلى مشافي الضفة الغربية. تضج المشافي بالزوار من مختلف أنحاء الضفة الغربية لعيادة الجرحى وتقديم الهدايا المختلفة لهم. و"جاء ذلك تعبيرا عن تضامن عميق بين فلسطينيي الضفة مع فلسطينيي غزة"، يقول أحد الناشطين.
رغم جراحه العميقة في ساقيه، لا تفارق الابتسامة وجه محمد الشمالي، الذي أصيب بشظايا صاروخ سقط على منزله ساعة تناوله وأفراد أسرته طعام الإفطار. من بين عشرة آلاف منزل هدمت كليا أو جزئيا، تعرض منزل الشمالي لتدمير يصعب إصلاحه، وهو مطمئن إلى أن أهل الضفة الغربية لن يتوانوا عن المساعدة في إعادة تأهيل المهجرين الذين فقدوا المأوى. يقول الشمال: "أملنا كبير في أهلنا وما أشاهده هنا من رعاية وحب واستعداد للمساعدة، أمر يرفع الرأس ويطمئن على أن شعبنا سينال حريته بفضل تماسكه ووحدته..".
كلام مماثل تقوله رحمة حسن التي أصيبت بشلل جراء شظية سكنت عمودها الفقري، ولم تعرف بعد أن الصاروخ نفسه أدى إلى قتل ابنتها وأمها. وهي وإن أشادت بدعم أهل الضفة الغربية فإنها لم تخف شعورها أن "أهل غزة وحيدون... فالناس في الضفة يعيشون بصورة مختلفة ، ومشاركتهم معنا إنسانية فقط..".
الضفة تنتصر بخجل لقطاع غزة
شعارات كثيرة رفعت في الضفة الغربية تدعو إلى الوقوف إلى جانب غزة بكل الطرق بما في ذلك المقاومة المسلحة، لكن هذه الدعوات ارتطمت بموقف صلب من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي هو في الوقت ذاته رئيس حركة فتح. فعباس يرفض أي شكل من أشكال العنف ضد إسرائيل، وقد أكد عدة مرات أنه لن يسمح، طالما كان رئيسا، باندلاع انتفاضة ثالثة. موقف عباس هذا تتبناه حركة فتح، وإن دون إعلان، وهي تدعو، بل وتقود أحيانا أشكالا أخرى من المقاومة كالتظاهرات والاعتصامات والمسيرات التي اصطدمت بالقوات الإسرائيلية، ونجم عن ذلك سقوط سبعة وإصابة المئات خلال فترة الحرب.
هذا الموقف من جانب عباس وحركة فتح، وخاصة في بداية الحرب، حيث تبنى عباس المبادرة المصرية، ورفضتها كل من حماس والجهاد قسم الفلسطينيين. وبالفعل انقسم الشارع بين أغلبية تؤيد حماس وأقلية تؤيد فتح. وقد كان لذلك أثر كبير في تحول موقف فتح كما يرى المحلل السياسي حلمي الأعرج في حديثه لـ DW عربية. إذ يقول الأعرج: "التحول جاء بضغط من جميع الفصائل بل ومن قواعد فتح نفسها التي رأت أن القيادة لم تتخذ موقفا بمستوى التحديات ومستوى الحدث ومستوى التضحيات، ما دفعها إلى التحاور مع حماس والجهاد والوصول إلى الورقة المشتركة للتفاوض على شروط التهدئة."
ويضيف الأعرج أن الموقف حتى الآن لم يرق إلى المطلوب، وخاصة ما يتعلق بملاحقة إسرائيل على جرائمها في المحافل الدولية. أما الأستاذ الجامعي عبد الستار قاسم، فيرى أن السلطة الفلسطينية وخلال السنوات الماضية عملت على "فرض نمط حياة غربي على المواطنين وحاولت أن تنزع منهم روح المقاومة وان تزرع روح التصالح مع المحتل، والمسألة تحتاج إلى وقت أطول لإزالة آثار ذلك".
فتح: لا يمكن لأحد أن يمنع انتفاضة ثالثة
أما حركة فتح، وبحسب ما قاله القيادي زياد أبو عين لـDW عربية فإنها تناضل بكل أشكال المقاومة "في غزة، يقاتل أبناء فتح إلى جانب باقي الفصائل، وفي الضفة الغربية نناضل بالمقاومة الشعبية وعلى الصعيد السياسي والدبلوماسي، تكثف القيادة اتصالاتها مع كافة العواصم الوازنة عربيا ودوليا، أما مسألة الانتفاضة فهي قرار شعبي وليس فصائلي. وإذا قرر الشعب ذلك فإن فتح بالتأكيد ستكون في المقدمة .. "، والكلام للقيادي الفتحاوي. ويتابع أبو عين أن "السلطة والأهالي في الضفة الغربية يقدمون كل ما يملكون تبرعا لأهالي غزة من أغطية وأدوية وخيم وملابس وألعاب أطفال وأدوات منزلية وحتى عبوات مياه ومشروبات وأغذية معلبة ..".
وبالرغم من إعلان التهدئة فإن مئات الحملات يتم تنفيذها في الضفة الغربية لجمع التبرعات النقدية والعينية لأهالي غزة. ولوحظ الإقبال الكبير من جانب الفلسطينيين على التبرع والتطوع والاستعداد للمشاركة في رفع المعاناة عن أهالي غزة، إلا أن الحياة في الضفة الغربية، وكما قالت الجريحة رحمة حسن: "تسير بصورة طبيعية تماما، فالأسواق عامرة، والمقاهي تفتح حتى الفجر والمطاعم تعج بالزبائن... وكأن الضفة الغربية دولة أخرى غير غزة".