تعاونية نسائية تنجح في إدخال السياحة البيئية إلى سهل البقاع اللبناني
٩ أغسطس ٢٠٠٩ما من شك أن لبنان لا يعد في الوقت الحالي الوجهة السياحية التي يفكّر فيها المرء للوهلة الأولى إذا أراد قضاء عطلته في بلد ما. وعلى الرّغم من أن بلاد الأرز تعتبر من ضمن أجمل المناطق في الشرق الأوسط الغنية بالثقافة والمعالم الأثرية، إلاّ أنّ الحروب التي توالت عليها والأزمات السياسية التي هزتها تركت بصماتها الواضحة هناك في كل مكان تقريبا.
تسويق الطبيعة للسياحة البيئية
لكن عدد من النساء اللّبنانيات أردن الخروج من دوّامة الأزمات عن طريق وضع حجر الأساس لمشروع يروّج للسياحة البيئية في بلادهن، ففي بلدة دير الأحمر شمال سهل البقاع اللبناني تمكنت هؤلاء من تأسيس تعاونية نسائية تروّج للسياحة في منطقتهن وتساهم في دفع عجلة الاقتصاد فيها. وعن فكرة المشروع تقول دنيا حدّاد، رئيسة التعاونية لدير الأحمر في سهل البقاع، إنها انبثقت من تفطّن النساء إلى غنى منطقتهن التي تتمتع بمناظر طبيعية خلاّبة وبمواقع أثرية تاريخية وأخرى دينية". ومن فوق هضبة تقع هناك يمكن للمرء التمتّع بمناظر الجبال التي تغطّي قممها الثلوج، وبالمعالم الأثرية مثل معبد بعلبك، ما يضفي على دير الأحمر بعدا رومانسيا جذّابا ويجعله منظرا متميّزا تمتزج فيه الطبيعة بالتاريخ وبالعمارة الأثرية.
هجرة السكّان لانعدام فرص العمل
بيد أن بلدة دير الأحمر والمناطق المحيطة بها تفتقد إلى فرص عمل، وهو ما دفع أهالي المنطقة وخاصّة الفئة الشّبابية منهم إلى تركها والرّحيل عنها بحثا عن هذه الفرص في أماكن أخرى، بحسب دنيا حدّاد. كما أن جمال الطبيعة لا يكفي بالنسبة للأهالي، حيث لا يزال لبنان مثقلا بالأزمات والحروب التي شهدها ويعاني من تداعيات سوء إدارة الاقتصاد التي تركت بصماتها على منطقة البقاع بصفة خاصّة. الأمر الذي دفع بأهالي المنطقة، وخاصّة المسيحيين منهم إلى الهجرة. وتقول دنيا حدّاد في هذا السّياق إن "أراضي المنطقة كانت من قبل مزروعة بالخضر والحبوب، لكن عندما شحّت المياه لجأ المزارعون إلى زراعة الحشيش التي كانت ذات مردود جيّد". بيد أنّه تم حظر هذه الزراعة بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990. وفي كلّ مرّة حاول فيها المزارعون إعادة زراعته، قامت السّلطات المحليّة باقتلاعه وإتلافه دون تقديم بدائل لهم.
سياحة بيئية من نوع خاص
وعليه قرّرت دنيا حدّاد وعدد من نساء بلدة دير الأحمر البحث عن هذه البدائل من خلال صنع أطباق تقليدية وإدراج السّياحة البيئية في المنطقة. ولاستقطاب السّياح قمن بتوقيع عقد مع وكالة لتنظيم الرّحلات السّياحية في بيروت. كما استعانت التعاونية النسائية بالمؤسسة الألمانية للتعاون الفنّي/ GTZ في بيروت لتسويق بعض المواد الغذائية المنتجة في المنطقة على غرار قطع الجبن المغرقة في زيت الأعشاب والزيتون وشاي الزّهر وغيرها. وعن هذا التعاون الذي بدأ يأتي أكله تدريجيا تقول دنيا حدّاد: "إضافة إلى السياح الذين يترددوا علينا بشكل دوري، نستقطب في الوقت الحالي نحو تسع إلى عشر مجموعات في الشّهر يتراوح عدد أفرادها بين مائة ومائتي شخص، يتم توزيعهم على المساكن الخاصّة". ومن أجل تقديم الخدمات اللازمة لهم جهّّزت 25 امرأة في المنطقة غرفا خاصّة لإيوائهم. بالإضافة إلى ذلك تعتبر المنازل واسعة، وفي فصل الصّيف يمكن النوم فوق سطوح المنازل لتأمل نجوم السّماء في اللّيل. ولهذا الغرض أدخلت بعض النسوة تغييرات على منازلهن أو قمن ببناء طابق إضافي.
"العلاقات الإنسانية - أجمل شيء في السياحة"
كما يتم تأجير مركز التعاونية النسائية، الذي يتّخذ من أعلى نقطة في بلدة دير الأحمر مقرا له، لتدريس كيفية حماية البيئة والحفاظ على الثروات الطبيعية ولإعطاء دروس في الكمبيوتر وإقامة حفلات عائلية. وتعود عائدات المركز على التعاونية النسائية بالنّفع وعلى النساء المساهمات فيه، على غرار ريما، التي أصبح بإمكانها المساهمة في إعالة عائلتها وإرسال أطفالها الأربعة إلى المدرسة، الأمر الذي ساهم في تعلّقها بموطنها أكثر من أي وقت مضى. وتقول في هذا الإطار: "أنا لم أحظى بمستوى تعليمي مرتفع، وهو أمر كنت أخجل منه كثيرا في الماضي. ولكن بفضل التعاونية النسائية تعلّمت الكثير وكسبت ثقة جديدة في نفسي". وتؤكّد أن أهمّية العلاقات الإنسانية تبرز خاصّة في فترة الأزمات، فكلّما طغت أزمة على السّاحة اللبنانية يتسارع إلى بلدة دير الأحمر السياح من الدّاخل والخارج لمعرفة أحوال النساء وعائلاتهن. وتشدّد ريما بالقول: "إن أجمل شيء لهذا النّوع من السياحة هي الروابط والعلاقات الإنسانية التي تتوثق وتتعزز".
الكاتبة: مارتينا صبرا / شمس العياري
مراجعة ابراهيم محمد