تعليق: ليبيا على طريق مفعم بالآمال نحو الديمقراطية
١٨ يوليو ٢٠١٢هزيمة القوى الإسلامية في أول انتخابات حرة تشهدها ليبيا أمر يثير الدهشة للوهلة الأولى، فصورة الثورة الليبية كانت منذ البداية مختلفة عما حدث في دول عربية أخرى، فالثورة على نظام معمر القذافي كانت تحيطها شبهة وجود عناصر إسلامية، لاسيما وأن الدولة الواقعة في شمال أفريقيا لا توجد بها تقاليد المجتمع المدني. وبالتالي لم يكن معروفاً من يقف تحديداً خلف هذه الثورة وما هي دوافعه. الصور التي بثتها شاشات التلفزة، كانت تقتصر في معظم الأحيان على عناصر مسلحة تهتف بشعارات دينية، على العكس من ثورتي مصر وتونس، حيث كانت الصورة مركزة على نشطاء شباب علمانيين يبثون أرائهم عبر موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك.
لكن صناديق الانتخابات تثبت الآن خطأ هذا الانطباع الأول، فالناخب الليبي اختار تحالفاً ليبرالياً معتدلاً بقيادة محمود جبريل، رئيس الحكومة الانتقالية السابق. وحصل تحالف القوى الوطنية بقيادة جبريل على 39 مقعداً. أما الذراع السياسية للإخوان المسلمين الذين حققوا نجاحاً ملحوظاً في مصر وفي تونس بشكل غير مباشر، فلم يحصلوا في ليبيا سوى على 17 مقعداً فقط.
اتجاه نحو القوى الليبرالية؟
من المبكر للغاية الحديث الآن عن تحول نحو القوى الليبرالية في ليبيا أو في المنطقة بأسرها، لاسيما وأن الكتلة الأكبر في المؤتمر الوطني، يمثلها 120 نائباً مستقلاً، من المنتظر أن يمثلوا في المقام الأول مصالح قبائل ومناطق بعينها. ومن الصعب للغاية في الوقت الحالي تحديد التوجهات السياسية المحتملة لهؤلاء النواب.
وترجع النتيجة السيئة التي حققها الأخوان المسلمون في ليبيا- مقارنة بدول أخرى-، إلى افتقارهم للشبكة التقليدية والبنى التنظيمية التي يتمتعون بها في دول أخرى. ويراهن الأخوان في ليبيا الآن على النواب المستقلين، أي أن احتمالية زيادة نفوذهم في ليبيا مازالت قائمة، خاصة وأن نفوذ الإخوان المسلمين في مصر وتونس وسوريا أيضاً سيبقى حتى في المستقبل المنظور عاملاً مهماً من عوامل القوة.
بين الشريعة والديمقراطية
لا يجب أن نتجاهل أن الناخب الليبي لم يختر أحزاباً ليبرالية بالمفهوم الشائع في الدول الغربية، فمحمود جبريل هو في المقام الأول شخص محنك يعرف كيف يخاطب حتى الأوساط المحافظة، فهدفه هو بناء ليبيا ديمقراطية ومجتمع مدني حديث، لكنه أوضح منذ البداية أن الشريعة الإسلامية ستكون أساس الدستور الجديد للبلاد، وهي مسألة لا يمكن التخلي عنها في ليبيا ولا في معظم دول المنطقة.
المبهر في التجربة الليبية أكثر من النتيجة هو سير العملية الانتخابية نفسه، فبالرغم من غياب الخبرة الديمقراطية وبالرغم من الصراعات المسلحة التي شهدتها البلاد في الأشهر الأخيرة، إلا أن الليبيين أوضحوا أن مستقبلهم الآن بات في أيديهم.
طريق الوصول إلى "ليبيا جديد" مازال طويلاً لكنه يمضي في الاتجاه السليم. وتثبت التجربة الآن أن قرار القوى الغربية دعم الثوار عسكرياً في اللحظة الحاسمة كان سليماً أيضاً. أما الآن فقد حان الوقت لتقديم الدعم السياسي بشكل أقوى.
راينر زوليش
مراجعة: عماد غانم