تفاقم ظاهرة اغتصاب الأطفال يقلق المجتمع الجزائري
٢٠ ديسمبر ٢٠١٠يعالج الأطباء النفسيون في مستشفى فرانس فانون بمدينة البليدة 50 كلم غرب العاصمة، أكثر من عشرين طفلا و طفلة، من بينهم سمير الذي اعتدى عليه ابن عمه جنسيا و هو لم يتجاوز السابعة، لقد استغل ابن عمه فراغ البيت، فاعتدى على الطفل سمير، الذي كان واعيا بسوء ما فعله به ابن عمه فأبلغ أباه عند عودته إلى البيت، فأبلغ الأب بدوره الشرطة التي اعتقلت المعتدي و هو الآن في سجن مدينة البليدة، ينتظر محاكمته.
"كيف يمكنني مقابلة أصدقائي في الحي؟"
يقول والد سمير " المشكلة في حالة ابني النفسية، أنه كان يعلم و يعي شناعة فعلة ابن عمه، بسبب المحيط الخارجي الذي يعلم الصبيان في سن مبكرة الألفاظ القبيحة و الأفعال المخلة بالحياء و من بينها الجنس المثلي و الاعتداء الجنسي الذي ترفضه المجتمعات الإسلامية".
و يضيف والد سمير الذي رفض بشكل قاطع أخذ صورة له أو لابنه "إن ابني الآن تحت صدمة شديدة و هو الآن في حالة ضعف نفسي كبير و يسأل دائما كيف يمكنني أن أقابل أصدقائي في الحي أو في المدرسة؟". وتعيش عائلة سمير في حي يضم الطبقة المتوسطة في مدينة البليدة، و لا تعاني عائلته العوز المادي بل و حتى عائلة ابن عمه الذي اعتدى عليه، تمارس التجارة منذ ستينات القرن الماضي و ليست لديها أي علاقة بما يسمى الحرمان الذي يؤدي إلى الانحراف.
كما يحاول الأطباء النفسيون، في مستشفى فرانتس فانون مساعدة سمير و أطفال من أمثاله، للخروج من أزمتهم النفسية التي سترافقهم طيلة حياتهم، و يعلق المحامي في مجلس قضاء البليدة، عاطف دغنوش على الوضع بقوله "يعرف مجلس قضاء البليدة ارتفاعا رهيبا في حالات الاعتداءات الجنسية ضد القصر من قبل أقاربهم و مما يزيد الأمر سوءا هو أن المجتمع الجزائري قاس جدا تجاه هذه الجرائم، و لك أن تتخيل القاضي و هو يهدئ من غضب الحضور عند استدعاء المتهمين".
ارتباك الشرطة في التعامل مع الظاهرة
و يضيف المحامي عاطف دغنوش في تصريح خاص لدويتشه فيله "أعتقد أن القانون الجزائري غير قاس تجاه هؤلاء المجرمين، كما أنه غير قاس تجاه من يرتكبون جريمة زنا المحارم، بالإضافة إلى وجود قصور اجتماعي كبير عند التعرض لهذه المسألة، و لا ندري إن كان السبب هو الهوس الجنسي أم المرض النفسي للمجرمين، أم هما معا؟ نحتاج إلى تحقيقات و دراسات لأن القضاء و التعامل الأمني لا يكفيان إطلاقا".
و حول موضوع التعامل الأمني، قال مصدر أمني في العاصمة الجزائرية لدويتشه فيله "نحن نتلقى شكاوى المعنيين أو أحد أفراد عائلاتهم و نسجل الاتهامات في محضر و نستعمل الشرطة العلمية للتعرف على الجناة و ننقلهم إلى المحاكمة، إلا أن المشكلة بالغة التعقيد لأنها وقعت داخل العائلة نفسها و نحن نعاني كثيرا عندما يتقابل الأب و ابنه أو الأم التي كانت على علم باغتصاب والدها المستمر لابنتها و لم تبلغ مصالح الأمن".
و يضيف المصدر الأمني "نحن بشر وجزائريون و مسلمون، و نعيش في هذا المجتمع، و أحيانا يرفض بعض رجال الشرطة إجراء الاستجواب بسبب دراماتيكية الوضع، بل حتى و لو ألغينا فكرة أننا مسلمين، فإن كوننا بشرا فقط يصعب علينا قبول هذه المهمات، نحن أول من نواجه نتائج هذه الكارثة في المجتمع، و نراقب ارتفاع الأرقام عاجزين".
الجنس من الطابوهات المحرمة
من جهته يرى الشيخ محمد الضيفلي المكلف بتكوين الأئمة في نظارة الشؤون الدينية بولاية البليدة، أن المشكلة متعددة الأوجه، و أهمها حسب رأيه "انغلاق المجتمع الجزائري على نفسه، و الفراغ الذي يعيشه الكثير من أفراده"، ويضيف الشيخ الضيفلي في تصريح خاص لدويتشه فيله "إن الحديث عن الجنس في الجزائر، من الطابوهات الممنوعة، رغم أن الدين يحث على الصراحة في كل شيء حتى لا تقع المشاكل، بل ويتعلم الشباب عن ممارسة الجنس في الشوارع من خلال الحديث مع أقرانهم بأسلوب بذيء، و تستثار شهواتهم و هم في سن المراهقة دون وجود مكان ينفسون فيه عن رغباتهم".
إلا أن منطق الشيخ الضيفلي قد يسبب المشاكل، إذ كيف يتم التنفيس عن الرغبات الجنسية في الوسط العائلي و أحيانا يكون للمعتدي زوجة أو صديقة؟، يجيب الشيخ الضيفلي: " أنا أقصد أن الجنس يقصد منه التمتع في إطار محترم هو العائلة و استثارته بشكل حيواني يؤدي إلى تصرفات شنيعة و إجرامية كالتي نراها، و في رأيي فإن المسألة تحتاج إلى نقاش اجتماعي يتعدى الدور التربوي الذي يلعبه المسجد لأن تكامل الجهود بين الدولة و المختصين هو الكفيل وحده بالتعامل الإيجابي مع هذه المشكلة."
وتعتقد مصالح الأمن أن حوالي سبعة آلاف طفل يعتدى عليهم سنويا، وهو رقم يخفي خلفه آلافا أخرى من الحالات التي لا يصرح بها بسبب الخوف من الانتقام أو الحياء من المجتمع، غير أن التربية الجنسية التقليدية قد بدا بشكل واضح أنها لا تكفي للتعامل مع المستجدات الجديدة.
هيثم رباني / الجزائر.
مراجعة: حسن زنيند