تلاميذ ليبيا يحاولون نفض غبار الحرب عن مدارسهم
١٣ نوفمبر ٢٠١١تواجه ليبيا حاليا معضلة تعليمية بسبب مخلفات الحرب على التلاميذ والبنيات التحتية للمؤسسات التعليمية إضافة لمتطلبات تغيير بعض المواد الدراسية التي كانت قائمة على تمجيد نظام العقيد معمر القذافي ونظريته "العالمية الثالثة" على حساب تاريخ ليبيا وحضارتها. ويحمل أبناء ليبيا الجديدة تطلعات كبيرة لإحداث ثورة تعليمية ، بيد أن ىثار الحرب الماثلة على مؤسساتهم التعليمية ونفسيات التلاميذ، تجعل الهيئات التربوية تضع في أولوياتها تنظيم عملية إعادة الحياة للمؤسسات التعليمية.
وسيجتاز الطلاب الليبيون خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي الامتحان النصفي، وذلك بعد شهر واحد من عودتهم إلى المدارس، وقد انقسم وضع الدراسة في هذا البلد الذي كان يخوض حرب تحرير من أجل إسقاط نظام العقيد القذافي. حيث توقفت الدراسة في بعض المناطق الشرقية منذ شهر فبراير/شباط، وأغلب المناطق التي تقع بجبل نفوسة، بسبب انطلاق ثورة فبراير. بينما استمرت الدراسة حتى الامتحانات النهائية في العاصمة الليبية وبعض المدن بالغرب وكل مدن الجنوب الليبي.
متنفس للتلاميذ من مخلفات الحرب
وبعد خروجها من الحرب تواجه الآن ليبيا معضلة تعليمية، الأمر الذي دفع وزارة التربية والتعليم بالمجلس الانتقالي إلى احداث تغييرات دراماتيكية على نظام التعليم، حيث اصبحت في المناطق التي اجتازت الامتحانات، ذات مضمون تنشيطي وتتضمن برامج للتوعية مع اضافة الدروس للطلاب والثلاميذ الذين يوجدون في الدور الثاني. بينما يتلقى طلاب مدن الشرق الليبي ومصراته وجبل نفوسة دروسا تعليمية تعويضا للفصل الثاني الذين توقف بسبب الحرب، ثم يلتقي الطلاب معا في مرحلة تعليمية جديدة تؤذن بانطلاق عام دراسي جديد في يوم 7 يناير/كانون الثاني من عام 2012 .
وتقول الأستاذة خديجة ابوبكر أحمد وهي رئيسة لإدارة التعليم الأساسي ( المرحلة الابتدائية والإعدادية )، في حوار مع دويتشه فيله، لقد"تم حذف الموضوعات التي لا تناسب المرحلة الحالية، أما مقرر الوعي السياسي فسيتم تغييره ليصبح مادة تربية وطنية ). وأضافت السيدة ابوبكربأن "المناطق الشرقية من ليبيا تتم الدراسة فيها بشكل عادي جدا، فالتلاميذ في تلك المناطق يدرسون مقرر الفصل الدراسي الثاني وسيمتحنون في مقرره في نهاية الفصل الدراسي".
أما المناطق الغربية والجنوبية فتطبق فيه، حسب المسؤولة التربوية، برنامج النشاط ويشمل التربية الإسلامية واللغة العربية والحاسوب وموسيقى ورياضة ورسم، بطريقة سلسلة لا يتقيد فيها التلاميذ بالمقرر.فالبرنامج عبارة عن نشاط للترفيه عن التلاميذ وإدخال البهجة لنفوسهم، وهي رحلة لدعم التلاميذ ولاستقرارهم النفسي، كما أن أغلب التلاميذ استبعدوا عن المناطق التي تعاني ظروفا صعبة ونقلوا الى مناطقهم الى مناطق أخرى أكثر استقرارا.
ثورة تعليمية
ويوضح علي المهروش، المفتش التربوي لمادة الرياضيات بالمرحلة الثانوية وهو ممن يضعون الاسئلة بالطريقة الحديثة في الشهادة الثانوية، بأن الدراسة في العاصمة الليبية طرابلس لم تبدأ بعد بشكل رسمي، إنما هي عبارة عن مجموعات من الانشطة يقوم بها بعض الطلاب في هذه الفترة لإعطاء الفرصة لبقية المناطق التي لم تستكمل الدراسة فيها لالتحاق بهم، كما تعتبر متنفسا للطلاب خاصة وأنهم عانوا من تأثيرات وأزمات نفسية صعبة نتيجة بسبب الظروف التي مرت بهم في الفترة الماضية.
ومن جهته أوضح مفتاح المقطوف، المفتش التربوي، أن برامج التعليم الثانوي ستشهد تغيير بعض المواضيع في اللغة العربية التي "كانت تمجد النظام السابق وكذلك سيكون هناك تغيير جذري لمادة التاريخ والعودة به إلى وضعه الصحيح، تاريخ ليبيا وليس تاريخ ما يسمى بثورة الفاتح".
ويتفق المفتشان مفتاح مقطوف وعلي مهروش، على ضرورة إحداث تغيير في البنية التعليمية وخاصة في المرحلة الثانوية بحيث تعود إلى البرنامج الشامل الذي يتماشى مع مرحلة الدراسة الجامعية ومتطلبات الدولة الحديثة.
آثار الحرب داخل المدارس
وقد أطلعنا أحمد عبد الله صالح مدير مدرسة جميلة بوحريد الثانوية للعلوم الاقتصادية وعلوم الحياة للبنات بمدينة مصراته، على مخلفات قذائف كتائب القذافي في يوم 16 مارس/آذار لدى دخولهم الى مدينة مصراته، فقد أصيبت الواجهة الأمامية للمدرسة وكذلك مختبر اللغات ومجمع الورشات الدراسية، كما تم اقتحام هذه المدرسة وتكسير أبوابها وخاصة باب الإدارة المدرسية. وقال صالح، إن "الدراسة توقفت يوم 17 فبراير حتى يوم الأول من أكتوبر، والحمد لله الطالبات متواجدات الآن بالمدرسة وقد رحبن بعودة الدراسة حيث شعرن بالطمأنينة وبوجود مظاهر الحياة المدنية".
وقال مدير مدرسة جميلة بوحريد انه لا وجود لآثار نفسية جراء الحرب، ولكن يوجد تأخر من بعض الطالبات بالالتحاق بالدراسة، مشيرا الأخصائية الاجتماعية تتابع حاليا دورة خاصة بالآثار النفسية للحرب، إلا أنه يوجد غياب 3 أعضاء من هيئة التدريس لوجودهم ضمن جبهات القتال في مدينة سرت، وتم التغلب على هذا العجز بتكليف معلمات الاحتياط ودمج الجداول الدراسية الخاصة بالمعلمات و فقد تم تكليف المعلمات بأكثر من مادة واحدة فاغلب المعلمات لديهم 16 حصة أسبوعية علما بأن زمن الحصة الواحدة 45 دقيقة .
ولم تشهد المناهج الدراسية في هذه المرحلة تغييرات تذكر، سوى إلغاء مادة الثقافة العامة التي تتناول مواضيع ثقافية عامة تشمل البيئة والصحة العامة وبعض المواضيع السياسية التي تتحدث عن نظرية القذافي التي يطلق عليها النظرية العالمية الثالثة.
وقالت الاخصائية الاجتماعية بالمدرسة زهرة الفوناس المذكورة، إن مظاهر الفرحة بالعودة للمدرسة طغت على أي شيء قد مرت به الطالبات في الفترة الماضية، بالرغم من أنني لاحظت على بعضهن أنهن متوترات وسريعات الانفعال، ومضطربات حتى داخل الفصل. وأعربت السيدة الفانون عن اعتقادها بأن التوتر ممكن أن يستمر حتى سبعة سنوات نتيجة الظروف التي مرت بها الطالبات، و"لكن أحمد الله بأن أعطانا قدرة ذاتية على النسيان ما نتعرض له من مآسي" .
وقالت الطالبة آية محمد الشيباني التي تدرس بالمرحلة النهائية في الفصل الثالث ثانوي اقتصاد: "بفرحة كبيرة استقبلت خبر العودة إلى الدراسة بعد فترة الحصار والحرب، فالمدرسة تفجير لطاقاتنا الكامنة، وتعبيرعن الرأي ونقاش بيننا وتفريغ لما حدث لنا منذ 7 أشهر من المعاناة ومآسي الحرب". وتبدو ملامح التأثر مما حدث خلال الحرب بادية على وجه الطالبة التي لا تخفي استغرابها من الذين يعيشون وكأن شيئا لم يقع.
ومن جهته كشف الموظف الإداري بالمدرسة ومسؤول الامتحانات، على منصور الشقماني، بأن المدرسة كانت مقر لتخزين الذخيرة والسلاح وكان يتواجد على سطحها القناصة، وقال إن"الفصل الدراسي مكثف ومكتظ، وهو حل سريع لتثبيت العام الدراسي" وأضاف بما أن الجبهة قد توقفت فعلى الشباب العودة إلى المدارس والجامعات، وهذه هي وجهة نظر أولياء التلاميذ، وإن كانت الجامعات لا يتواجد بها حاليا أعضاء هيئة التدريس.
عصام الزبير - طرابلس
مراجعة: منصف السليمي