تنسيقية أطباء دمشق بين مطرقة القمع وسندان الواجب
٢٣ ديسمبر ٢٠١١بينما كان حي الميدان في قلب العاصمة دمشق يغص بمشيعي الطفلة هالة المنجد في حشد ضخم وصفه أحد الناشطين "بأنه أكبر تجمع للمتظاهرين يحصل في دمشق منذ بداية الثورة "كانت التحضيرات جارية لتأمين أكبر قدر ممكن من الخدمات الطبية لهؤلاء المشيعين في حال حصول أي هجوم من قبل رجال الأمن أوالشبيحة عليهم. وبالفعل لم يكمل المتظاهرون ثلاثين دقيقة حتى بدأت تحصل بعض عمليات القنص وسقوط جرحى وقتلى، كما قام رجال الأمن المدججين بأسلحتهم الكاملة بالهجوم على المتظاهرين وإطلاق الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع لتفريق هذا التجمع الكبير.
في هذه الأثناء بدأ الناشطون بنقل المصابين إلى النقاط الطبية أو ما باتت تعرف "بالمشافي الميدانية"، التي أسسها اتحاد تنسيقية أطباء دمشق. إلا أن منظمي التشييع لم يسمحوا بدخول أي كادر صحفي لهذه المشافي حرصا على سلامة الأطباء والجرحى. أحد الأطباء تحدث لدويتشه فيله قائلا: "استقبلنا مختلف أنواع الإصابات والتي كانت تترواح بين الخفيفة إلى المتوسطة وهناك ثلاث إصابات أدت إلى استشهاد أصحابها إحداها كانت في الرأس مباشرة". كما تحدث أحد شهود العيان في المنطقة عن عمليات اعتقال كانت تتم عن طريق سيارات الإسعاف في مدخل إحدى الحارات "اعتقل رجال الأمن بعض الشباب، فبعد أن اعتدوا عليهم بالضرب المبرح اقتادوهم إلى سيارات الإسعاف التي كانت بدورها تنقلهم إلى سيارات الأمن الموجودة عند نهاية الشارع".
تفرق المتظاهرون بعد ساعتين من الهتافات من أجل الحرية وإسقاط نظام الأسد إلا أن عملية تهريب الأطباء لم تكن بالسهولة ذاتها. فتواجد الطبيب في مثل هذه المناطق الساخنة يجعله عرضة للاعتقال والملاحقة أكثر من أي شخص آخر. ويصف أحد الأطباء لدويتشه فيله عملية تهريبه إلى خارج الحي بالقول: "لقد قام منظمو التشييع من أهل الحي بتأمين مداخل الحارات ومخارجها بشكل كبير فكانوا يقتادونني من بين البيوت إلى الحارات الضيقة حتى وصلت إلى الحي المجاور دون أن أمر على أي حاجز أمني".
اتهامات ومخاطر تلاحق الأطباء
أما عن أبرز الصعوبات التي تواجه أطباء التنسيقية فتكمن في نقص المعدات الطبية اللازمة بشكل كبير جدا، خصوصا بعد التصعيد الكبير من السلطات وما ترتب عليه من ازدياد في أعداد الجرحى. كما أشار أحد الأطباء، عرف عن نفسه بأنه الطبيب عمر، إلى أن "تنسيقية الأطباء تعاني بشكل كبير من نقص المواد الطبية كأكياس الدم وأدوية التخدير". كما تحدث لنا عن عملية مداهمة في وقت سابق لإحدى المشافي الميدانية من قبل الأمن بالقول: "تمت مداهمة غرفة عمليات كاملة و مستودع ضخم للتنسيقية ومصادرة كل ما بداخلها. وقدرت الخسارة وقتها بأربعة ملايين ليرة سورية، إلا أنه لحسن الحظ تمكنا من تهريب المصابين والأطباء قبل وصول الأمن ومداهمة المكان".
وبحسب أطباء تم اعتقالهم سابقا فإن أبرز التهم التي وجهت إليهم "علاج المتظاهرين فالنظام يمنع الأطباء من التعامل معهم أو مع أي مصاب سواء من المارة أو حتى من الأمن إلا بالمشافي الحكومية. تهم أخرى وجهت لبعض الأطباء وهي الانتماء إلى العصابات المسلحة أو العمل لصالح جهات غربية".
إلا أن مثل هذه التهم لم تثن أطباء التنسيقية عن متابعة مهمتهم الإنسانية خاصة بعد حديث الكثير من المصابين الذين تم إسعافهم إلى المشافي الحكومية عن "ما عانوه أثناء تواجدهم هناك. هذه المعاناة قد تصل إلى حد التصفية أثناء العلاج"، كما يقول الطبيب عمر. ويجعل هذا الإصرار الأطباء عرضة للاستهداف أكثر من غيرهم، فرجال الأمن لا يستثنون أي نوع من أنواع الضغط والمضايقة فمن الملاحقة إلى الاعتقال حتى التصفية، والتي كان آخرها بحسب ما بثه ناشطون عبر الانترنت اغتيال الطبيب الناشط إبراهيم عثمان مؤسس تنسيقية أطباء دمشق .
أطباء التنسيقية: "ماضون على طريقه"
فعلى الرغم من الغموض الكبير الذي يحيط بظروف مقتل الطبيب إبراهيم، مؤسس التنسيقية، إلا أن الكل كان يعرف أنه ملاحق وبشدة من قبل مختلف الأجهزة الأمنية السورية. وهذا ما يؤكد عليه زميله الدكتور أغيد، الذي يتعاون مع التنسيقية من الخارج. ويقول أغيد لدويتشه فيله "أوصاني الدكتور إبراهيم في آخر حديث معه قبل استشهاده بيومين بأن أبقى على تواصل مع التنسيقية في حال حصل أي مكروه له، لأنه كان على علم بأنه ملاحق بشدة، وأن كثيرا من زملائه تم اعتقالهم للوصول إليه".
ويشرح الطبيب أغيد أسباب ملاحقة زميله الراحل "لقد كان ناشطا جدا وله تأثير بين الناشطين وتواجد في عدة محافظات بينها حمص وحماة ودرعا والرستن. كما كان ينسق بين المناطق بطريقة رهيبة ويربط الأرياف بالمدن حتى سماه رجال المخابرات بالدكتور الإرهابي الاخطبوط، بينما سماه المعارضون طبيب الثورة".
وكانت دويتشه فيله قد أجرت في شهر تموز/ يوليو الماضي حوارا مع الدكتور إبراهيم عثمان تحدث يومها عن التنسيقية التي أسسها وعن حرصه على "توزيع العمل داخلها بحيث تستمر بتقديم خدماتها باستمرار الثورة". فالتنيسقية لا تقتصر على الأطباء فقط بل "تضم كذلك عددا كبيرا من الممرضين وفنيي الأشعة وحتى ناشطين نذروا أنفسهم للخدمة الطبية وهم ليسوا بأطباء. وهناك من تم تدريبه على نقل المصابين بالمظاهرات وتقديم الإسعافات الأولية حتى وصولهم للمشافي الميدانية.
ولا يقتصر عمل التنسيقية على تقديم خدماتها داخل دمشق فحسب بل اتسعت لتشمل التعاون والتنسيق الطبي بين مناطق سوريا كافة، وتوزيع الأطباء والمعدات الطبية اللازمة بحسب حاجة كل منطقة لإسعاف جرحى المظاهرات والمدنيين". وعن وضع التنسيقية بعد اختفاء الطبيب إبراهيم يقول زميله عمر "بعد أن تلقى عدة تهديدات بالاعتقال والقتل ومداهمة رجال الأمن عدة مرات لمنازل كان يختبئ بها، أعد لكل شيء وسلم الملفات التي كان يشرف عليها لعدة أشخاص وقد تم تسليمي بعض الملفات أيضا".
نورا الشعلان ـ دمشق
مراجعة: أحمد حسو