تنظيم "القاعدة" والثورات العربية: غياب مؤقت أم تهميش دائم؟
١٠ مارس ٢٠١١التطورات الأخيرة في العالم العربي على الصعيد السياسي والتغيير الذي طرأ على مصر وتونس، أظهرت نوعاً من الغياب لتنظيم القاعدة عن الساحة السياسية، وذلك بالرغم من الانقلابات الجذرية التي تمر بها الكثير من الأنظمة العربية. ويبدو أن القاعدة لم تكن لها أي قدرة على المشاركة في الاحتجاجات الشعبية أو أي دور في الدعوة إلى التغيير، أو في تعبئة الجهود التي ترمي لتحقيق تطلعات الشعوب نحو انفتاح ديمقراطي وعدالة اجتماعية في بلادهم.
ويذهب الكثير من المحللين السياسيين، الغربيون منهم والعرب، إلى إحالة سكوت الجماعات الإسلامية المتطرفة هذا في بادئ الأمر إلى الدهشة والارتباك الذي انتاب هذه الجماعات. ارتباك سببته قدرة الشعبين التونسي والمصري على الإطاحة بنظامي الحكم فيهما، دون اللجوء إلى العنف الذي رأت فيه القاعدة السبيل الوحيد للإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية. وبينما كانت القاعدة تحاول منذ عقود ترويج أيديولوجيا العنف هذه، جاء التغيير من الشعب نفسه، وذلك بطريقة سلمية، وليس من القاعدة أو من الجماعات المتطرف.
التغيير لم يأت من القاعدة
وحسب رأي المحلل السياسي والصحفي في مجلة "دير شبيغل" الألمانية، ياسين مشربش، فإن طليعة المتظاهرين التي انتفضت وفرضت التغيير لم تكن القاعدة، بل على العكس تماماً، فقد أتى هذا التغيير من مجموعات وأطراف تعتبرها القاعدة من أعدائها (أي أعداء القاعدة) اللدودين، مثل مجموعات ناشطين ديمقراطيين وعلمانيين، ومدافعين عن حقوق المرأة، والإسلاميين المعتدلين، كما يقول ياسين مشربش. هذه الاحتجاجات السلمية التي تمكنت من إجبار زين العابدين بن علي وحسني مبارك على التنحي، مستخدمة وسائل التواصل الحديثة في الإنترنت، حققت أهدافاً كانت الجماعات الإسلامية المتطرفة تحتكرها لنفسها، واعظة العنف والإرهاب ورافضة مبادئ العلمانية والتعددية السياسية والفكرية. وهذا ما يسميه ياسين مشربش في مقاله بأنه "اكتشاف مخجل" للقاعدة، لأن الثورات العربية قادها "الشباب العربي القادر على استخدام الإنترنت، وليس القاعدة"، وبأن "رؤيا القاعدة التي تريد تحويل العالم الإسلامي إلى دولة دينية ذات طابع "طالباني"، لم تدفع الثوار إلى التظاهر في الشوارع من تونس إلى بنغازي."
وهذا ما أشار إليه أيضاً الدكتور حسن منيمنة، الباحث في معهد هدسون في واشنطن، في حديث مع دويتشه فيله. حيث أن الجماعات الإسلامية المتطرفة في الدول العربية لم تقدم شيئاً حتى الآن، ولم تسقط نظاماً، ولم تحدث تغييراً أو تنمية، بحسب رأيه. وتابع منيمنة بالقول: "نرى اليوم أن الثورات التونسية والمصرية والليبية والبحرينية واليمنية كلها لم تأت تحت راية إسلامية، بل تحت راية شعبية كلية تقول: نريد الحرية، نريد العزة، نريد الكرامة، كأبناء الوطن. بعد هذا كله، وحتى ولو كانت أعداد الإسلاميين كبيرة كما كانت بالأمس، فإن المبادرة لم تعد بأيديهم".
ارتباك ودهشة
وللوهلة الأولى بدت القاعدة وكأنها لم تعرف كيف تستجيب لهذه التغيّرات الجذرية والتي حصلت دون مشاركتها، إلا أن أيمن الظواهري، والذي يعتبر الرجل الثاني في القاعدة بعد أسامة بن لادن، أصدر رسالات صوتية نُشرت على موقع اليوتيوب، انتقد فيها الأنظمة العربية، واصفاً إياها بالفساد ومتهماً إياها بالتخاذل أمام الغرب. كما حاول الظواهري في الفيديو التقرب من الثوار المصريين، مادحاً الشعوب على شجاعتها وثورتها ضد ما أسماه "بنظام الخونة".
ومن الغريب في هذه الموضوع أن الظواهري أولَ الهبّات الشعبية في مصر وتونس وكأنها ثورات شعبية تبغي الإطاحة بالنظام من أجل الوصول إلى دولة إسلامية تناسب تصورات القاعدة السلفية الجهادية. لكن واقع الحال يظهر أن هذه الرؤية لا تتفق مطلقاً مع ما يجري على أرض الواقع ومع ما يطالب به الشباب
وبشكل عام لم تأت رسائل الظواهري هذه، التي أسماها "رسائل الأمل والبشر لأهلنا في مصر" بجديد، فقد أعادت الشعارات المعهودة بفساد النظام، وبالأخص نظام حسني مبارك في مصر، وابتعاده عما تعتبره القاعدة بأنه العقيدة الإسلامية الصحيحة. ومن الغريب في الموضوع أيضاً هو أن الظواهري يصف في رسائله الصوتية هذه الديمقراطية بأنها نظام "السيادة فيه لهوى الأغلبية، دون الارتباط بأية قيمة أو خلق أو عقيدة. والدولة الديمقراطية لا تكون إلا علمانية، أي لا دينية." رفض القيم الديمقراطية والتعددية هذا يبيّن الفجوة العظيمة بين ما تطلبه الشعوب العربية من تغيير ديمقراطي يُشرك الشعب في الحكم وصنع القرارات، وبين فهم الظواهري للديمقراطية.
تناقض كبير
وهذا ما يؤكد عليه الدكتور محمد أبو رمان، الباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية في عمّان والخبير في شؤون الجماعات الإسلامية. وحسب رأيه فإن القاعدة أصلاً "لم تكن على تواصل مع طموح الشباب ومطالبهم. بل كانت تقدم جواباً على أزمة سياسية عربية، تتمثل في انسداد أفق التغيير السياسي السلمي والصفقة التاريخية بين الأنظمة العربية والعالم الغربي على التقليل من شأن الديمقراطية لصالح المصالح المتبادلة. وكانت القاعدة أيضاً تمثل جواباً على سؤال الكرامة الوطنية لدى الشعوب العربية عندما ينظرون إلى الاحتلال الإسرائيلي وإلى الاتحادات الخارجية ووهن النظم العربية في وجه هذه التحديات."
وبما أن القاعدة كانت تطرح أجوبة تستجيب لحالة الغضب والإحباط من الواقع، فإن نفوذها ووجودها على الساحة السياسية سوف يضمحل، وذلك بعد أن قدمت الثورات العربية أجوبة أكثر حضارة وإقناعا وأقل راديكاليةً، متناغمة بذلك مع طموح الشباب والشعوب العربية، على حد قول محمد أبو رمان. ولذلك فهو يرى أن القاعدة بشكل عام هي الخاسرة الكبرى للثورات العربية، لأن أيديولوجيتها السلفية الجهادية والرافضة لمبادئ الديمقراطية تتناقض تمام التناقض مع ما تطالب به المجتمعات العربية من انفتاح وحرية وعدالة.
الفروق بين البلدان العربية كبيرة
لكن النظر على المستوى الجزئي يوضح أن الحال في البلدان التي حدثت أو تحدث فيها ثورات شعبية مختلف. إذ أن اندثار القاعدة وغيابها عن الساحة السياسية مرتبط بحالة الاستقرار السياسي الذي تحققه الدولة بعد خلع أنظمتها القديمة، وهذا ما قد يحدث في ليبيا أو في اليمن. وعن هذا يقول الدكتور محمد أبو رمان: "إذا أصرت هذه النظم (أي الحكومات في اليمن وليبيا) على عرقلة التحول السلمي وتقسيم المجتمع إلى فئات متحاربة، فهذا بالفعل سيسمح للقاعدة بالوصول والحضور والتأثير". ويعتقد أبو رمان أن القاعدة ستنجح في زيادة نفوذها إذا حدثت فوضى أو حروب أهلية وتحولت المجتمعات إلى ساحات قتال. ولكن في حال نجاح الأنظمة السياسية بالتحول إلى مجتمعات حقيقية بكل ما في الكلمة من معنى، فإن دور القاعدة سوف يختفي، على حسب تقدير محمد أبو رمان.
وعن دور القاعدة في الدول العربية يقول الصحافي الألماني والخبير بشؤون الإسلام السياسي، ألبرشت ميتسغر، أن الخطر يكمن في التطورات التي قد تحدث في اليمن. إذا انهار النظام في اليمن وانتشرت الفوضى في ظل غياب دولة مركزية تمسك بزمام الأمور، فإن "القاعدة ستتمكن من أن تستغل هذا الفراغ السياسي وتكسب المزيد من النفوذ هناك"، وذلك لأن الحكومة في اليمن لا تسيطر بشكل كلي على البلاد، ولأن القاعدة هناك تملك الكثير من الحريات من نواحٍ متعددة، كما قال ألبرشت ميتسغر في حديث له مع دويتشه فيله. غير أنه يرى أن هذا الأمر لن يحدث في مصر، وفي ليبيا أيضاً فإنه على الأغلب ألا تكون الفرصة سانحة للقاعدة باكتساب النفوذ والسيطرة.
الديمقراطية تهمش القاعدة
وبينما يعتقد المراقبون أن نفوذ القاعدة في دول مثل مصر سوف يتلاشى، إلا أن الجماعات الجهادية سوف تركز نشاطها في دول أخرى مثل باكستان، حيث يزداد نفوذ جماعة طالبان المتطرفة، والتي بدأت حسب رأي ميتسغر بالسيطرة على البلاد، أو ربما أيضاً في العراق، حيث ما زال للقاعدة تأثير كبير نسبياً وبالأخص في مدينة الموصل.
وبشكل عام يُجمع الخبراء والمراقبون على أن دور القاعدة والجماعات الإسلامية سيتلاشى ويضمحل مع ازدياد حرية الرأي والإصلاحات السياسية والاجتماعية في العالم العربي، لأن القاعدة هي "وليدة الأزمة السياسية العربية"، كما يصفها الدكتور محمد أبو رمان، وهي على الأحرى ستتلاشى بتلاشي الأنظمة التي تمارس الاستبداد والتسلط وتنتقص حقوق الشعوب وتكبت حرياتها.
نادر الصراص
مراجعة: عماد م. غانم