"تهيئة البيئة المدرسة أهم من طريقة ومحتوى التعليم نفسه!"
١٢ نوفمبر ٢٠١٢سيد هوتر: أنت تعمل منذ عدة سنين على موضوع التعليم وقُمت بنشر الكثير عن هذا الموضوع. ما هو مقدار الجدية الذي تتعامل به المدارس مع النتائج التي سجلتها كونك باحث دماغ؟
غيرالد هوتر: الكثير من المدارس تتعامل بجدية مع هذا الموضوع والبعض يعتبره تدخلا. ولكن كثير من الناس أيقنت بأن بحوث الدماغ قد سجلت في السنوات الماضية نتائج ملفتة للنظر. كان المرء سابقا يعتقد بأن الخلايا في أدمغة الأطفال تتكون من خلال التعلم ولكن بحوثنا أثبتت عكس هذه النظرية. ففي الواقع تنشأ خلايا أدمغة الأطفال أولا ويبقى ما يُمكن للطفل من استخدامه، تنشيطه أو تدعيمه في بيئته، وهذا يعني أنه يجب على المدارس إنجاز مهمة إشعال حماس واهتمام الأطفال لتعلم ما فيه مصلحتهم.
في كثير من الأحيان تذكر كلمة "الحماس" عندما تتحدث عن التعلم. ولكن كثيرا من الأطفال في ألمانيا وربما في العالم لا يجدون صلة بين "الحماس" و "المدرسة". ماذا يحدث في الدماغ عندما يتعلم المرء بحماس؟
هوتر: عندما يشعر الطفل بأنه قد أنجز عملا جيدا أو تغلب على تحد ما أو يستطيع تصميم أي شيء، يتملك الطفل عندها إحساسا جميلا ومن ثم تكون لديه الرغبة بالتعلم. ففي الدماغ تتم عملية تنشيط ما يسمى مراكز الإحساس. وتتكون هذه المراكز من مجموعة خلايا في أوسط الدماغ قادرة على إفراز مواد ناقلة متحركة، يكون لها تأثير السماد على الشبكات والخلايا العصبية في الدماغ التي استخدمها الإنسان في حالة حماسه عند محاولته لإنجاز عمل معين بشكل جيد. فهذا هو السبب الذي يدفع المرء للقيام بكل هذه الأعمال بسعادة ونشاط ولأنه أيضا من المهم التعلم بهذه الطريقة. وبهذا الشكل يستطيع الشخص من تطوير قدراته بشكل أسرع.
كما هو الحال في المدرسة وأيضا في الحياة العملية بشكل عام يجب علينا أن نشغل أنفسنا ببعض الأشياء التي لا تهمنا. فهل من الممكن دائما التعلم بحماس؟
هوتر: من منطلق بيولوجيا الأعصاب يجب أن يكون هذا هو الهدف الذي يجب تحقيقه؛ أي أن يكون لدينا مدارس يستطيع فيها التلاميذ الإطلاع على جميع مجالات العلم الموجودة في العالم، وليس فقط الاقتصار على تعلم بعض الأشياء. وهذا ما يمكن تحقيقه من خلال امتلاك الأحاسيس الجميلة أثناء التعلم و إدراك أهميته. إن خلق أجواء جذابة في المدارس من أجل استقطاب التلاميذ وتشجعيهم وجذبهم للتحصيل العلمي يعد أهم من طريقة التعليم ومن محتوى التعليم نفسه في المدارس.
هل تتوقف القدرة على التعلم على عوامل وراثية؟ فالبعض مثل أينشتاين وغوته كانوا موهوبين مقارنة بأناس آخرين.
هوتر:نعم هذا التصور كان سائدا في القرن الماضي. ولكن الأنظمة الوراثية تضمن لكل البشر في مرحلة الطفولة بناء خلايا في الدماغ تفوق بما يقارب الثلث تلك الخلايا المتبقية لديهم بعد بلوغهم سن الرشد. وبالرغم من هذا فإنه من الواضح أن الفرصة سنحت لبعض الأطفال بتشكيل هذه الخلايا بشكل معقد أكثر من غيرهم. وبما أن كل طفل يمتلك جينات معينة مختلفة عن طفل آخر، يتم هيكلة الدماغ بطرق مختلفة تبعا لهذه الجينات. ولذلك يولد كل طفل بصفات مختلفة عن الآخرين، ولكن في جميع الأحوال يمتلك كل طفل الدماغ الملائم لجسده.
هل يعني هذا أن التعليم الجماعي، الذي عرفناه خلال مئات السنين في المدارس؛ والمتمثل في أن على الجميع تعلم نفس المنهاج، ليس واقعيا؟
هوتر: نعم هذا صحيح. ولكن ليس من الممكن عملية نقل نفس المعلومات على المستوى الجماعي. فالتعلم بهذه الطريقة طُبق على مدار تاريخ الإنسانية بأكمله. أما ما هو مشكوك فيه، فهو محاولة تلقين المجموعات الطلابية المتجانسة عمرياً مثلا مجالا معينا من مجالات العلوم. ووفقا لما نقله تاريخ الإنسانية لنا فإن الأطفال قد تعلموا أغلب الأشياء عندما كانوا مندمجين في فئات عمرية مختلفة.
#
ما الدور الذي تلعبه نظرياتك على المستوى العالمي؟ فعلى سبيل المثال توجد بعض الدول مثل الصين التي تتبع طريقة الحفظ البحت في مدارسها. فبالرغم من هذا استطاعت الصين الفوز بجائزة البرنامج الدولي لتقييم الطلبة "Pisa". ألا تعتقد أن هذا يتناقض مع أطروحاتك؟
هوتر: لا، لأن بحوث الدماغ أظهرت أن عمليات التعلم تبقى عالقة في دماغ الأطفال عندما يشعرون بأنه مُرحب بهم في المدارس للتحصل على هذا العلم، وبالطبع لا يستطيع المرء الوصول لهذه المرحلة عن طريق أمور بسيطة مثل المكافآت أو العقوبات. ففي الصين على سبيل المثال تسود عادة يقوم الأطفال بموجبها بعمل كل شيء تقريبا من أجل إرضاء والديهم. ولهذا فإنهم مستعدون للتعلم لمدة 14 ساعة يوميا من أجل المدرسة وهذا هو السبب وراء تسجيليهم نتائج جيدة في الامتحانات الدولية، ولكنهم لا يتعلمون بسبب اهتمامهم باللغة الإنجليزية، الرياضيات أو اللغة الألمانية بل لأنهم يسعون للحصول على نتائج جيدة. وبالرغم من هذا فإن هناك آثار سلبية مُدمرة مثل إقبال الأطفال أكثر وأكثر على عمليات الانتحار. وهذا ما يُقلق صُنًاع السياسة التعليمية في الصين بشكل كبير. إن ما ينبغي أن نتطلع إليه هو تحقيق نتائج تعليمية جيدة في البرنامج الدولي لتقييم التلاميذ "بيسا"، لكن بحيث لا يؤثر ذلك على ملكة الإبداع لديهم.