جدل حول مقال الإيكونوميست عن مصر.. بين الرفض والتأييد
١٠ أغسطس ٢٠١٦جدل كبير في مصر أعقب نشر مجلة الإيكونوميست البريطانية لتقرير في السادس من أغسطس/ آب الجاري بعنوان "خراب مصر – القمع وعدم كفاءة عبد الفتاح السيسي سيشعلان انتفاضة أخرى". وفيما اعتبره البعض إهانة لشخص الرئيس المصري و"مؤامرة ضد مصر"، رأى البعض الآخر أنه يصور "الواقع المر" الذي تعيشه البلاد منذ سنوات.
التقرير يرسم بدون شك صورة قاتمة للوضع الاقتصادي في مصر الذي وصفه بأنه "مفلس ويعتمد على حقن سخية من دول الخليج وبدرجة أقل على المساعدات الأمريكية"، لافتاً إلى ارتفاع معدلات البطالة في صفوف الشباب والتي قال إنها ناهزت نسبة الـ40 بالمائة.
كما اعتبر التقرير أن الرئيس المصري قد عجز عن احتواء الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالبلاد، حيث جاء فيه: "السيسي، الجنرال الذي استحوذ على السلطة عبر انقلاب عام 2013، برهن على أنه أكثر قمعاً من حسني مبارك، الذي أسقطه الربيع العربي، كما أثبت أنه عديم الكفاءة تماماً مثل محمد مرسي، الرئيس الإسلامي المنتخب والذي أطاح به من الحكم".
"الإيكونوميست عمدت لتوجيه الإهانات للسيسي"
هذه الانتقادات اللاذعة اعتبرتها الخارجية المصرية على لسان المتحدث باسمها أحمد زيد تهجماً يفتقد إلى كل معايير الموضوعية على شخص الرئيس المصري. وجاء في بيان الخارجية الذي نشرته الثلاثاء (التاسع من آب/ أغسطس) على صفحتها بموقع فيسبوك: "لقد كان من المنتظَر أن تقدم مجلة رائدة في التحليل الاقتصادي والمالي تحليلاً موضوعياً ومستنيراً يركز على تقييم خصائص السياسات الاقتصادية في مصر خلال الأشهر القليلة الماضية". وأضاف زيد بالقول: "المجلة عمدت في المقابل إلى تجنب أي مظهر من مظاهر التحليل الموضوعي، واهتمت بتوجيه إهانات لشخص الرئيس المصري".
كما رفضت الخارجية أن يكون السيسي قد وصل إلى الحكم "عبر انقلاب"، إذ قالت: "هو زعم يستخف بشكل كامل بإرادة المصريين، سواء الملايين الذين تظاهروا من أجل إزاحة رجل الإخوان المسلمين محمد مرسي، أو الملايين الذين صوتوا بأغلبية كاسحة لانتخاب الرئيس".
رد المتحدث باسم الخارجية المصرية على المقال
بالمقابل أكدت المجلة على مدى أهمية مصر الاستراتيجية في المنطقة بأسرها، حيث كتبت تقول: "مصر، باعتبارها أكبر بلد عربي، تلعب دوراً مركزياً في مستقبل المنطقة. فإذا نجحت، فإن الشرق الأوسط سيظهر أقل قتامة، وإذا ما فشلت فسيصبح أكثر دمامة". وانطلاقاً من هذه الحقيقة فإنه ليس للغرب "من خيار سوى التعامل مع السيسي"، على حد تعبير الإيكونوميست، داعية إياه إلى التعامل مع الأخير بمزيج "من البراغماتية والإقناع والضغط".
واقترحت في هذا السياق وقف تزويد مصر بـ"الأسلحة باهظة الثمن" وربط أي مساعدات لها بـ"شروط صارمة".
بيد أن هذه الدعوات قوبلت بالرفض الشديد من قبل البعض، على غرار الصحفي المصري ياسر رزق، الذي قال في مقال نشر على موقع "أخبار اليوم" الالكتروني (06 من أغسطس/ آب): "منع الجيش المصري من امتلاك أسلحة متقدمة يدافع بها عن أرضه وعن أمته وعن مكتسبات شعبه، لتظل مصر عرضة للعدوان وهدفاً سهلاً للطامعين وصيداً لأصحاب المؤمرات". كما انتقد الصحفي تجاهل المجلة للتنويه بما وصفه بـ"إنجازات السيسي" على غرار قناة السويس، متهما إياها بـ"قلب الحقائق وتزييف الوقائع".
"تقرير لم يأت بالجديد...مصر في خراب"
في المقابل، يرى الكاتب الاقتصادي والصحفي المصري عادل عبد الله أن مجلة الإيكونوميست لم تأت بالجديد وأنها إنما نقلت صورة عن الواقع المصري. ويقول عبد الله: "التقرير في مجمله يصوّر حقيقة مرة لوضع الاقتصاد المصري ولحال المصريين. كما أن الخبراء الاقتصاديين المقربين من السيسي أكدوا صحة هذا التقرير، فلن نضع رؤوسنا في الرمل مثل النعام ونقول إنه ليس كلاماً حقيقياً".
ويضيف عبد الله موضحاً: "التقرير تضمن كذلك نصائح تضاهي الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي للحكومة المصرية من أجل التفاوض حول قرض بـ12 مليار دولار على غرار عدم تعويم العملة، تقليص النفقات الحكومية وغيرها".
موقف يشاطره فيه الإعلامي المصري إبراهيم عيسى الذي قال خلال برنامجه "مع إبراهيم عيسى" على قناة "القاهرة والناس" إن تقرير الإيكونوميست "لم يكن كاذباً"، مؤكداً على أن "مصر بالفعل في أزمة اقتصادية وخراب".
لكن رئيس مجلس إدارة "أخبار اليوم" المصرية رأى في مداخلة له ببرنامج "السادة المحترمون": "أن المجلة تخلت عن الكثير من المهنية في تناول أوضاع الاقتصاد المصري (...) فقد أنكرت أن مصر حققت أعلى معدل تنمية في شمال إفريقيا (..) رغم تباطؤ التجارة العالمية".
كما كتب الصحفي مأمون فندي في مقال له بجريدة الشرق الأوسط قائلاً: "التشخيص الذي طرحته مجلة «الإيكونوميست» رغم أنه محدود في معرفته بمصر دولة ومجتمعاً، فإنه قريب من الواقع، والاعتراف بمشكلات الواقع هي بداية الحل".
خارطة طريق جديدة
بيد أن دعوة الإيكونوميست للسيسي بعدم الترشح للانتخابات في عام 2018 كجزء من الحل للأزمة الاقتصادية في مصر لم تلق التأييد حتى لدى من أقر بواقعيته، ففي سياق متصل يقول عادل عبد الله: "(مطالبة الإيكونوميست بعدم ترشح السيسي للانتخابات الرئاسية في عام 2018) هو نوع من أنواع التدخل (في الشأن الداخلي المصري)"، معتبراً أنه يحق للسيسي وفقاً للدستور أن يترشح مرة أخرى للانتخابات الرئاسية".
وفي هذا السياق كتب فندي يقول: "مصر تحتاج إلى خارطة طريق جديدة ببرلمان جديد وحكومة جديدة وشرعية جديدة. جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم بشرعية لا يضاهيها أحد سبقه، ولكن مع الوقت ومع تنفيذ خارطة الطريق لا بد من إعادة هذه الشرعية إلى وهجها".
وعلى الرغم من الوضع المتردي الذي يتخبط فيه الاقتصاد المصري، إلا أن الكاتب الاقتصادي يستبعد – بعكس توقعات الإيكونوميست– أن تشهد مصر ثورة أخرى، على الأقل على المدى القريب، إذ يقول: "الأوضاع التي ثار عليها المصريون في 25 من يناير 2011 هي نفس الأوضاع التي نعاني منها الآن. فليس هناك شعور بتحقيق أي إنجازات ملموسة (تحسن من ظروفهم) لم يتم تحقيق أي نمو (اقتصادي) الفساد لا يزال منتشراً والاختلال في العدالة الاجتماعية لا يزال قائماً. لكن ليس هناك أمام المصريين من بديل آخر للسيسي". ويوضح قائلاً: "الإخوان المسلمون فشلوا (في الحكم) ونُبذوا من قبل أغلبية الشعب المصري. والثورة على النظام تعني انزلاق مصر في دوامة الفوضى".