إثر زلزال الانتخابات.. ماذا ينتظر إيطاليا بعد فوز اليمين؟
٢٨ سبتمبر ٢٠٢٢
فوز جورجيا ميلوني وحزبها في الانتخابات التشريعية الإيطالية لم يكن مفاجئا، فمنذ عام كانت هذه اليمينية المتطرفة متقدمة في استطلاعات الرأي. وقد كانت المعارضة الوحيدة لحكومة الوحدة الوطنية بقيادة ماريو دراغي .
دراغي لم ينتظر طويلا حتى تخلى عن منصبه وقدم استقالته، فجاءت الانتخابات المبكرة كهدية ثمينة لجورجيا ميلوني (45 عاما)، وقد استغلت ذلك بشكل جيد، واستطاعت أن تقدم نفسها كمناهضة للمؤسسة السياسية التقليدية. فمن خلال شعارات شعبوية بسيطة مثل "إيطاليا أولا" تمكنت من جذب وإقناع الناخبين الذين يئسوا من الأحزاب اليسارية والليبرالية. وفي حوار مع DW قال لورينزو دي سيو، الباحث السياسي بجامعة لويس في روما، بعد الأزمات وتبدل ثلاث حكومات ائتلافية خلال السنوات الأربع الأخيرة، "تعب الإيطاليون سياسيا". وتعكس ذلك نسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات الأخيرة (65 بالمائة) وهي أقل بنسبة 10 بالمائة من الانتخابات السابقة عام 2018.
ميلوني ذات السمعة الجيدة
الماضي "الفاشي" لجورجيا ميلوني وحزبها "إخوة إيطاليا" على عكس باقي الدول الأوروبية، لم يلعب سوى دور ثانوي لدى الناخبين. وإن تصنيف اليمين المتطرف أو المتشدد المستخدم في ألمانيا، لا ينطبق على الواقع السياسي في إيطاليا تماما، حسب رأي لوتس كلينكهامر خبير التاريخ الإيطالي في المعهد التاريخي الألماني في روما، ويقول "ميلوني سياسية محافظة ذات ماض ما بعد فاشي".
الناخبات والناخبون الذين سألتهم DW عن رأيهم بعد الاقتراع، قالوا إنهم لا ينتظرون ثورة يمينية متطرفة، ولكنهم ينتظرون تغييرا بسيطا أو ربما مؤلما في مجال سياسة الأسرة وحقوق المثليين والإجهاض.
ولكن الوضع سيكون صعبا بالنسبة للمهاجرين الذينوصلت أعداد كبيرة منهم إلى الشواطئ الإيطالية هذا العام. جورجيا ميلوني ووزير الداخلية المحتمل القادم، ماتيو سلفيني، يريدان وقف استقبال اللاجئين والمهاجرين بشكل تام. فقط "نازحو الحرب الحقيقيون" من أوكرانيا ستكون هناك فرصة لمساعدتهم. سالفيني سيغلق الموانئ الإيطالية من جديد، ويواجه الاتحاد الأوربي ومساعيه لاتباع سياسة لجوء مشتركة. وقد فعل ذلك حين كان وزيرا للداخلية بين عامي 2018 و2019.
إيطاليا بحاجة لأموال الاتحاد الأوروبي
حسب استطلاعات الرأي، ينتظر الإيطاليون من الحكومة اليمينية المرتقبة، خفض نسبة التضخم وأسعار الطاقة والضرائب. وقد ألمحت الأحزاب اليمنية إلى وصفات محددة من أجل ذلك خلال حملاتها الانتخابية.
وتنظر ميلوني بنظرة نقدية إلى زيادة ديون الدولة لمواجهة الركود الذي يهدد البلاد، والتي نسبتها مرتفعة جدا الآن، إذ تبلغ 150 بالمائة من الناتج المحلي السنوي. كما تزداد أقساط سندات ديون الدولة، إذ تدفع إيطاليا نسبة 4,3 بالمائة فائدة سنوية لسندات ديونها التي مدتها عشر سنوات. وفي حال ازدياد تكاليف ديون الدولة، فيمكن أن تدخل إيطاليا في أزمة مالية حقيقية. والتي ستكون لها عواقب كبيرة على الاتحاد الأوروبي، حيث أن إيطاليا ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو وإنقاذها سيكون "صعبا" كما حصل مع اليونان قبل عشر سنوات.
ويتفق تحالف اليمين على أنه يجب أن يستمر تدفق الأموال من صندوق التعافي من كورونا، الذي يموله الاتحاد الأوروبي. ويحق لإيطاليا 200 مليار منها، وميلوني وشركاؤها بحاجة ماسة لتلك الأموال. لذلك يرى كلينكهامر الخبير بالشأن الإيطالي، أن الحكومة الإيطالية اليمينية القادمة لن تنتهج سياسة المواجهة مع الاتحاد الأوروبي والممولين.
تناغم سياسي مع هنغاريا وبولندا؟
جورجيا ميلوني، التي شبهت الاتحاد الأوروبي قبل سنوات قليلة، بالاتحاد السوفياتي وبأنه يريد استعباد إيطاليا، غيرت لهجتها الآن، حيث أكدت خلال حملتها الانتخابية أنها ستلتزم بقواعد الاتحاد الأوروبي وستتعاون مع المفوضية الأوروبية . ولكنها وعدت الناخبين أيضا بأنها ستلتزم وستدافع عن مصالح إيطاليا بشكل أفضل في بروكسل. ومن غير واضح ماذا تقصد بذلك.
يدعم حزب ميلوني "إخوة إيطاليا" ويصفق له إخوته الأوربيون مثل رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان ورئيس الوزراء البولندي ماتيوس مورافيسكي. فأخيرا سيحصلون على حليف قوي من خلال إيطاليا، لتمرير مواقفهم وسياساتهم في الاتحاد الأوروبي. وإن اندماجا أقوى وأعمق على سبيل المثال من خلال اتخاذ القرارات بالأغلبية في السياسة الخارجية، على المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نسيان ذلك. وقد أشارت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، وكخطوة احترازية، إلى أنها تمتلك "الأدوات" التي تستطيع من خلالها ضبط إيطاليا إذا انحرفت عن مسار القواعد الأوروبية. "لا نعرف بالضبط ما تنوي ميلوني فعله، إنها فقط قالت انتهت اللعبة. من الصعب التكهن بحساباتها" حسب رأي أندريا كارلو مارتينيز المحلل في المعهد التاريخي الألماني في روما.
استمرار نفس النهج تجاه روسيا
لا يتوقع المراقبون أن يكون هناك تغيير في السياسة الخارجية الإيطالية القادمة فيما يتعلق بالقضايا الهامة، فزعيمة تحالف اليمين جورجيا ميلوني أدانت بشكل واضح غزو روسيا لأوكرانيا وتؤيد العقوبات المفروضة على موسكو وتدعم مساعدة أوكرانيا. لكن الأمر ليس واضحا بهذا الشكل لدى شركاء ميلوني الآخرين في الائتلاف الحكومي المرتقب، حسب رأي الاشتراكي الديمقراطي إنريكو لاتا، الذي خسر حزبه الانتخابات، وقال خلال حملته الانتخابية "إذا فاز اليمينيون، سيكون حاكم روسيا بوتين أول المحتفلين". وأضاف لاتا "اليمينيون ليسوا واضحين في هذه القضية. وهذا سلبي جدا بالنسبة لإيطاليا، لأننا سنضعف أوروبا". وصحيح أن رئيس حزب الرابطة، ماتيو سالفيني ورئيس حزب فورزا إيطاليا سيلفيو بيرلوسكوني، كانت لهما علاقات جيدة مع فلاديمير بوتين، لكن بعد غزو أوكرانيا نأى كل منهما بنفسه عن بوتين بشكل أو آخر.
"تلقينا طلبا ونحن جاهزون" أطلقت ميلوني ذلك شعارا للائتلاف الحكومي اليميني المرتقب برئاستها، والتيستكون أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة في تاريخ إيطاليا. ويكتب معلقو الصحف الإيطالية أنه يمكن الجدل والنقاش حول السياسة الخارجية والكثير من القضايا الداخلية والاقتصادية. وبالتأكيد سيكون هناك جدل وخلاف داخل الائتلاف الحكومي، إذ أن سالفيني وبيرلوسكوني سيطالبان ثمنا لدخولهما في ائتلاف مع ميلوني.
وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة القادمة لن تكون أول حكومة يمينية في إيطاليا، ففي عامي 2001 و2008 كانت هناك حكومة ائتلافية يمينية بقيادة بيرلسكوني. لكن الحكومة اليمينة القادمة ستكون أكثر تشددا، إذ لن يوجه الائتلاف ويقوده العجوز بيرلسكوني وإنما تلميذته ميلوني، حيث ضمها إلى حكومته عام 2008 كوزيرة شابة ودعم موهبتها السياسية. والآن سيكون عضوا في مجلس الشيوخ ولن يتولى أي حقيبة وزارية.
الأزمة الحكومية التالية قادمة بالتأكيد!
على الأرجح لن يكون لدى جورجيا ميلوني الكثير من الوقت لتنفذ برنامجها السياسي اليميني، على غرار ما فعله دونالد ترامب. فمتوسط عمر أي حكومة إيطالية في ظل عدم الاستقرار السياسي الذي تعانيه البلاد، يتراوح ما بين 15 و18 شهرا. ولا توجد مشكلة لدى الناخبين المحبطين، في التغيير الجذري إذا لم تعجبهم سياسة الحكومة. فقبل أربع سنوات فاز اليسار الشعبوي "حركة خمسة نجوم" بنتائج أفضل مما حققته ميلوني في هذه الانتخابات، التي حصلت الحركة فيها على نصف أصوات الانتخابات السابقة. وحتى اليميني الشعبوي ماتيو سالفيني مع حزبه الرابطة حصل على نصف أصوات الانتخابات السابقة عام 2018. إذن، تنتظر أوروبا وإيطاليا أوقات مثيرة للاهتمام سياسيا وربما مضطربة أيضا.
بيرند ريغيت/ عارف جابو