جهاز متطور يسبر أغوار الكون ويحل محل العلماء
١٨ مايو ٢٠١١أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا مكوك الفضاء إنديفور يوم الإثنين (16 مايو/أيار) من مركز كنيدي للفضاء في ولاية فلوريدا إلى المحطة الفضائية الدولية، ليبدأ رحلته الأخيرة التي تهدف إلى نقل جهاز عالي التقنية لرصد الجسيمات المادية، وهي الرحلة قبل الأخيرة في برنامج إرسال المكوكات الفضائية الأمريكي إلى الفضاء وستستمر لأكثر من أسبوعين، وسيُحال المكوك إنديفور بعدها إلى التقاعد بعد إحالة المكوك ديسكفري إلى التقاعد من قبل وسيصل عدد المكوكات المتقاعدة إلى ثلاثة بعد إنهاء المكوك الثالث أتلانتس رحلته الأخيرة قريبا في العام الجاري، وبذلك نتهي مرحلة من مراحل البرنامج الأمريكي استغرقت ثلاثين عاما تم فيها إطلاق مكوكات فضائية مئة وثلاثين مرة إلى خارج الغلاف الجويّ.
أجهزة متطورة لرصد الأشعة الكونية
ويحمل المكوك إنديفور في رحلته الأخيرة معدات ثقيلة تملؤه بالكامل يبلغ وزنها أكثر من سبعة أطنان وخمسمئة كيلوغرام إلى المحطة الدولية المدارية القابعة في الفضاء والتي أسهمت في بنائها دول عديدة. والجزء الرئيسي من هذه المعدات عبارة عن جهاز لقياس الأشعة الكونية المنتشرة في الفضاء والقادمة إلى الأرض. واسم الجهاز مقياس طيف ألفا المغناطيسي. وقد تبين أننا معشر البشر لم نفهم بعد خمسة وثمانين في المئة من الظاهر الكونية، كما يقول مايك فينك أحد روّاد الفضاء الستة على متن المكوك إنديفور والذي يوضح الفائدة من الجهاز في حوار مع دويتشه فيله قائلاً: "نحن لا نعرف مثلا لماذا تبقى كل مجرة متماسكة ولماذا لا تتجزأ إلى أقسام صغيرة. إنها مسألة لا يزال العلماء في حيرة من أمرها. ومن خلال هذا الجهاز لدينا فرصة فريدة مع فريق من علماء العالم لمعرفة ماذا يحدث بالضبط في الكون. نحن مجرد موفدين إلى الفضاء ولكننا نعرف جيدا كيف نحافظ على هذا الجهاز الذي كلف ملياري دولار، والذي سيتم تركيبه في الفضاء ليطلعنا على خفايا الكون ويمنحنا معارف جديدة".
وتشارك في هذه التجربة العلمية أكثر من اثني عشر بلدا، بما في ذلك ألمانيا. وقد تم بناء مقياس طيف ألفا المغناطيسي في جنيف بسويسرا في المركز الأوروبي المشترك للأبحاث النووية. والعلماء يبحثون عبر هذا الجهاز عن مواد منتشرة في الفضاء تبقـّت بعد حدوث ما يسمى الانفجار العظيم الذي تقول نظريات علمية إن الكون نشأ بعد حدوثه قبل مليارات السنين. ولكن من النادر أن يتم التنبؤ بدقة بما ستكشف عنه نتائج مثل هذه التجارب التي سيجريها العلماء في الفضاء أو بمقدار نجاحها.
وسينقل المكوك الفضائي المتوجه إلى الفضاء على متنه أيضا جهاز استشعار وإصلاح، وهو عبارة عن ذراع طولها خمسة عشر مترا سيقوم المكوك الفضائي عن طريقها بتفقد وإصلاح المحطة الفضائية من الخارج أوتوماتيكيا، وسيبقى هذا الجهاز على متن محطة الفضاء الدولية السابحة وفق مدار معين في الفضاء بغرض تفقدها وإصلاحها في المستقبل كما يقول كيرك شيرمان نائب رئيس برنامج محطة الفضاء الدولية ويضيف: "إذا كنتم تتذكرون، في أكتوبر من عام ألفين وسبعة كنا قد استخدمنا هذه الجهاز، الذي هو على شكل ذراع، لإصلاح إحدى اللوحات الحاملة لخلايا شمسية على المحطة الفضائية الدولية والتي تزود المحطة بالطاقة. ويسرنا في هذه المرة استخدام جهاز الإصلاح هذا داخل المحطة الفضائية الدولية نفسها".
موظفو برنامج الفضاء يفقدون أعمالهم
وسيبقى جهاز الإصلاح الأوتوماتيكي على متن المحطة الفضائية لأنه سيكون عليها في السنوات المقبلة التغلب على مشكلاتها وإصلاح أعطالها من خلاله دون الحاجة إلى إرسال مكوك فضائي إليها من الأرض، وبالتالي التخلي عن خدمة المكوكات الفضائية المسافرة إليها من الأرض. ولذلك يجلب مكوك الفضاء إنديفور في رحلته الأخيرة معدات إضافية يقوم طاقم المكوك المكوّن من ستة أفراد بتركيبها على المحطة الفضائية. أما على الأرض فيعني إنهاء عمل المكوك الفضائي إقالة آلاف الموظفين من أعمالهم كما يقول جون شانون رئيس البرنامج. وقد تم البدء بالفعل في خفض عدد وظائف العاملين في إطار المكوك الفضائي منذ ثلاث سنوات ويسهب جون شانون مضيفا:"في نهاية عام ألفين وستة كان لدينا أربعة عشر ألف موظف لكن عددهم أصبح الآن حوالي ستة آلاف موظف. وكان عدد موظفينا الحكوميين في ذلك الوقت ألف وثمانمئة موظف. لكنه صار الآن حوالي ألف موظف".
وبذلك فقدَ حوالي تسعة آلاف شخص أعمالهم وسيستمر تخفيض الوظائف في قطاع المكوكات الفضائي، ولكنّ هناك موظفين حكوميين في البرنامج الفضائي لن يفقدوا وظائفهم كما يعِد شانون رئيس البرنامج، لكن سيتم نقلهم إلى مواقع عمل أخرى، حيث سيتم الاستفادة منهم لإنهاء هبوط مكوك فضائي آخر، وهو المكوك أتلانتيس، على المحطة الفضائية الدولية في نهاية شهر يوليو المقبل من العام الجاري ألفين وأحد عشر. فالمكوك الفضائي أتلانتيس سيهبط هو الآخر للمرة الأخيرة ويحتاج لمن يسيِّر عمله إلى ذلك ذلك الحين. وبعد رحلة أتلانتس الأخيرة إلى الفضاء سيكون من غير الواضح كيف ستسير الأمور مع برنامج الفضاء الأمريكي.
تجهيزات متطورة تغني الباحثين عن السفر إلى الفضاء
وقد كانت حكومة الرئيس الأمريكي أوباما أوقفت العام الماضي برنامج إرسال العلماء إلى الفضاء الخارجي والتي كانت مهمتهم إجراء التجارب العلمية، رغم وصول برنامج البحث العلمي حينها إلى مرحلة متطورة جدا استهدفت استكشاف القمر بواسطة المكوكات الفضائية. أما الخطط الحالية فتقضي باستكشاف الكويكبات الصغيرة وصولاً إلى المريخ بواسطة الأجهزة المثبتة على محطة الفضاء الدولية. كما يقول جون شانون: "صحيح أننا سنقوم بإنهاء العمل ببرنامج إرسال المكوكات الفضائية والعلماء إلى الفضاء الخارجي. لكننا نعلن وقف البرنامج تماما كما أردنا وبرؤوس مرفوعة. لأننا سنستبدل هذا البرنامج ببرنامج آخر". فسيتم الاستعاضة عن إرسال العلماء بأجهزة معقدة ستعمل على محطة الفضاء الدولية وسترسل معلومات الفضاء إلى الأرض دون الحاجة إلى إرسال البشر إلى الفضاء.
ويضيف جون شانون في حواره مع دويتشه فيله قائلا :"ورغم وجود بعض من الريبة حول كيف ستسير الأمور، لكني على يقين من أن فريقنا الذي سنرسله لتركيب الأجهزة على محطة الفضاء الدولية يتمتع بمهارات كافية وأنه سيُبلي بلاءً حسنا في تركيب الأجهزة وأن ذلك سيؤدي إلى النجاح المأمول". ويتوقع مدير محطة الفضاء الدولية كيرك شيرمان أن التعاون الأمريكي مع وكالة الفضاء الأوروبية إيزا سيتواصل، مضيفاً: "أتوقع أن يستمر هذا التعاون على متن المحطة الفضائية الدولية حتى عام ألفين وعشرين على الأقل. كما أننا ما زلنا نعمل معا على مشاريع أخرى و لن يتغير هذا التعاون".
لكن إنهاء إرسال المكوكات الفضائية الأمريكية إلى الفضاء قد يعني نقطة تحول وخدشا لفخر الولايات المتحدة في مجال الأبحاث الفضائية. فقد يضطر رواد الفضاء الأمريكيين في المستقبل للركوب في مكوك الفضاء الروسي سويوز للوصول إلى محطة الفضاء الدولية. وعلى أية حال، سوف تستمر محطة الفضاء الدولية بالعمل كمحطة أبحاث إلى عام ألفين وعشرين على الأقل مستفيدةً من أجهزة البحث العلمي المتطورة وأجهزة الإصلاح الأوتوماتيكية على متنها دون الحاجة إلى إرسال مكوك فضائي محمّل بالخبراء إليها.
كريستينا بيرغمان / علي المخلافي
مراجعة: هيثم عبد العظيم