حجاب القاصرات في سوريا - صون للشرف أم اضطهاد للأنوثة؟
٢ سبتمبر ٢٠١٠على بعد أمتار من معهد الأسد لتحفيظ القرآن وسط العاصمة دمشق، تعبر الشارع ابنة صغيرة في السن لا تتجاوز الثامنة مرتدية جلبابا أبيض وحجابا من اللون ذاته، وبينما تحمل الفتاة القرآن بيدها اليمنى، يمسك يدها اليسرى رجل ذو لحية سوداء. ولعل الملفت في الأمر أنها تمشي مطأطئة الرأس بوجه عبوس وجدي يميل إلى الحزن. منظر الصغيرة هذا أثار شفقة إحدى المارات التي همست لسيدة ترافقها، " مسكينة، ما تزال صغيرة على الحجاب، يبدو والدها متزمت، هذا شيء يجب منعه".
هذه الفتاة ليست الوحيدة التي ينبغي عليها ارتداء الحجاب في سن مبكرة. فالكثيرات من أمثالها ينبغي عليهن ارتداء الحجاب اعتبارا من سن السابعة. وعندها تبدأ مرحلة جديدة في حياتهن كفتيات قاصرات "ما أن بدأن ينظرن لجمال الحياة حولهن حتى يتم تكبيلهن بحجاب وبأفكار مغلوطة." على حد تعبيرناديا أبو عصى، مرشدة نفسية.
"علّموني بأن الحجاب يقرّب إلى الله"
وفي الواقع فإن الجدل حول ظاهرة حجاب أو تحجيب القاصرات أو الفتيات دون سن الثامنة عشرة لم يتوقف في سوريا طوال العقود الماضية. غير أنه ومع ازدياد هذه الظاهرة، لاسيما في بعض أحياء دمشق العاصمة ومدن حلب والرقة ودير الزور، تتعالى الأصوات المطالبة بضرورة سن قانون يمنعها ويترك للفتيات حرية اختيار الحجاب في سن الثامنة عشرة. لكن حتى لآن لم يظهر ما هو ملموس بهذا الخصوص في وقت ما يزال فيه مصير الفتاة رهن قرار أهلها. "ألبسوني الحجاب في سن صغيرة جداً على عكس قناعتي، وها هي النتيجة إذ أخلعه شهرا وأرتديه أسبوعا" على حد تعبير دارين ع، مدرسة لغة عربية في مدينة حلب السورية. وإذا كان عمل دارين خارج مدينتها دمشق سهّل عليها الإقدام على خلع الحجاب سراً عن أهلها، فإن على طالباتها اللواتي تتراوح أعمارهن بين التاسعة والحادية عشرة الالتزام به رغم إحباطهن منه ومن تقييده لحريتهن.
"التزمت بالحجاب منذ سن السابعة، ولا يمكنني الذهاب مع أصدقائي ولا حتى خوض أحاديث طويلة مع الذكور من جيلي لأن ذلك من قواعد عملية التحجب الصحيحة كما علموني أهلي" على حد تعبير خولة غ، الطالبة في الصف السادس الأبتدائي. وتضيف خولة بأن من جملة ما تعلمته في البيت أيضا أن الكلام مع الرجال يثير شهوتهم ويدفع إلى ارتكاب المعاصي، أما الحجاب فإنه يقرّبها إلى الله ويحقق لها ما تشتهي من أنعام.
"الحجاب يصون شرف الفتاة"
ومن أبرز أسباب تحجيب الأهالي لبناتهم في سن مبكرة هي الحفاظ على كرامة العائلة، بحيث لا يتم تدنيس الشرف من قبل العابثين على حد تعبير البعض أمثال الحاج عمر خ، "الحجاب يحمي الفتاة من الاغتصاب كونها تخفي شعرها الذي يعتبر من أكثر ما يفتن الرجل" على حد قوله. ويرى الحاج عمر أنه من الأفضل تهيئة الفتاة في سن مبكرة لتقبل الحجاب بحيث تتعايش معه مع تقدم عمرها، "نعم للحجاب لحماية عذرية الفتاة"، كما يضيف عمر.
في حين إن رجل الدين خالد بكري يرى بأن على كل مسلم الاقتداء بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية حيث جاء في أحد الأحاديث، "أمروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر"، وبناء عليه يجب إجبار الأولاد على ممارسة كل ما من شأنه أن يقرّب من الله بما في ذلك الحجاب حسب رأيه. ورداً على سؤال حول قدرة ابنة السابعة على تقبل الحجاب في سن مبكرة يقول بكري: هذا انسب الأعمار كي تستوعب الفتاة الحجاب وتحبه وتلتزم به وتمشي على طريق أجدادها ممن سبقوها وتنعموا به".
الحجاب في سن مبكرة اضطهاد للأنوثة
غير أن هناك أوساطا دينية واجتماعية تعارض حجاب القاصرات، وقد بدأ الجدل حول ضرورة منعه يظهر على صفحات مواقع الانترنت السورية الشهيرة، وحتى في الجلسات العامة يتم التطرق للموضوع من باب ضرورة منعه،" الحجاب يشكل خطورة بالغة على نفسية الفتاة، إذ ترى العالم بعيون غامضة وتنظر للذكور على إنهم مجرد شهوانيين يحبون الجسد" على حد تعبير رجل الدين صالح لطيف. ورغم إن صالح ينحدر من عائلة متدينة، إلا إنه يرفض تحجيب بناته خوفاً من انزوائهن. ويرى لطيف بأن من شجع على ازدياد هذه الظاهرة هي المدرسة أيضا لأن المناهج التي كانت سائدة حتى قبل بضع سنوات كانت تنظر إلى ارتداء الحجاب بشكل إيجابي".
وفي السياق ذاته تنتقد رانيا الحاج وليد، خبيرة علم الشريعة من يستخدم القرآن لتقديم حجج حول تبرير الحجاب. "نزلت الآية التي تدعو إلى الحجاب من أجل التمييز بين الحرة من الخادمة في تلك الأزمنة" في زمن بداية نشر الدين الإسلامي الذي تغير الآن بشكل جذري. وتنظر رانيا إلى ضرورة إعطاء الأنثى كامل الحرية بأن تعيش حياتها كما تراها هي. ومن يخاف من العار عليه أن يرشد بناته ويقوم بتوعيتهن بدلا من تقييد حريتهن." كما تقول رانيا وتضيف: "تربى الفتاة على مرضية الله وإهمال الجوانب الأخرى في حياتها، وحتى عندما تشعر بغريزتها يتم تجاهلها، وهذا يسبب لها كره الحجاب أكثر من حبه كونها تعتبره يضطهد أنوثتها وينتهك حريتها الشخصية".
"لا للإكراه بالحجاب"
وترى السيدة رباب كزبري، رئيسة المنتدى الفكري بدمشق وعضو مؤسس في الرابطة السورية للأمم المتحدة، في حديث خاص لدويتشه فيله بأن سلوك الإنسان يجب أن يُقيّم على أساس أفعاله وليس على أساس لباسه ومنظره الخارجي. "اهتممنا بالشكل على حساب المضمون وهذا المحزن"، تقول كزبري وتضيف: " أنا ضد الإكراه بالحجاب، فالمحجبة سلوكها هو الذي يحكم عليها بالتقوى وليس شكلها الخارجي، لذا من الأفضل أن تصل الفتاة إلى سن الرشد أولا، بعدها فلتقرر ماذا تريد". وترى بأن سن قانون لمنع حجاب القاصرات لن يحل المشكلة لأن المسائل العقائدية يجب أن تحل من خلال الوعي والمعرفة.
وفي السياق ذاته ترى نادرة صناديقي، رئيسة الرابطة السورية لحماية الأمومة والطفولة بدمشق، بأن الإكراه بالحجاب يولد ردة فعل عند الإنسان، وقد تأتي فترة من الفترات ترفض المحجبة حجابها إذا كانت ارتدته عن كره، "الفتاة الصغيرة لا تعي الحجاب ولا يمكنها فهم مدلوله، غير أن الأهل يحجبوا بناتهم من أجل أن يكون عادة لديهم منذ الصغر"، تقول صناديقي وتضيف: "لست ضد الحجاب ولست معه ولا نهتم بمظهر الإنسان بل ما يهننا هو بماذا يفكر الإنسان وكيفية سلوكه تجاه الآخر ".
عفراء محمد - دمشق
مراجعة: هيثم عبد العظيم