حرية الإعلام ضرورة عالمية للشفافية والتنمية
يبدأ اليوم المؤتمر الدولي حول عمل الصحافة والإعلام أعماله في العاصمة الكينية نيروبي. ويتوقع ممثلو المعهد الدولي للصحافة وهو الهيئة المنظمة له، مشاركة عدد كبير من المختصين في دراسة وتحليل التطورات التي يشهدها هذا المجال، علاوة على عدد كبير من العاملين في حقل الإعلام من شتى أنحاء المعمورة. ويأتي هذا المؤتمر في ظل التقييد المتزايد لحرية الصحافة ومحاولات صانعي القرار السياسي الـتأثير المباشر عليها أو تطويعها كأداة لخدمة أهدافهم السياسية وهو ما ظهر جلياً أثناء الحرب على العراق.
نشاطات المعهد الدولي للصحافة
يمثل المعهد الدولي للصحافة، الذي يتخذ من العاصمة النمساوية فيينا مقراً له، شبكة عالمية من رؤساء التحرير والصحفيين والمديرين التنفيذيين في وسائل الأعلام. وتقوم هذه الهيئة الإعلامية الدولية بتوثيق الانتهاكات التي يتعرض لها الصحافيون خلال ممارستهم لعملهم، غضافة إلى تحليل التطورات المهمة والجديدة في حقل الإعلام في مناطق مختلفة من العالم ومقارنتها بالأعوام الماضية. كما تشارك في تنظيم لقاءت على الصعيد الإقليمي، فعلى سبيل المثال شارك مديره جوهان فريتنز في مؤتمر إقليمي- عربي بعنوان "الإعلام والحكم الصالح" مطلع العام الماضي بدعوة من مركز حماية وحرية الصحفيين في المملكة الأردنية الهاشمية. وإلى جانب ذلك يمنح المعهد الدولي للصحافة جائزة ريادة الإعلام الحر سنويا للأشخاص أو المنظمات المناضلة من أجل إعلام يتمتع بقدر أكبر من الحرية والاستقلالية في بلادهم.
منبر للدفاع عن رسالة الصحافة
ولا تقتصر نشاطات المعهد على المجال الأكاديمي وبرجه العاجي فقط، بل إنها التزمت منذ ولادته بالدفاع عن حرية ورسالة العمل الإعلامي النقدي والجدي. فهو انتقد في أكثر من مناسبة، أسلوب تعامل القوات الأمريكية مع الحقوق الأساسية للصحافة في العراق وهاجم موقفها من حرية التعبير ومعاملتها للصحفيين، الأجانب والعراقيين منهم على حد سواء. وفي قرار له صدر في الاجتماع السنوي لجمعيته العمومية أن الإجراءات التي اتخذت ضد محطات تلفزيونية ناطقة بال عربية أمور تثير بواعث قلق جدية بخصوص مدى فهم واحترام التحالف الحاكم في عراق ما بعد صدام لحقوق الأعلام.
وفي مثال آخر، انتقد المعهد أيضا طلب الجيش الأمريكي من عدة وسائل إعلامية عدم إذاعة صور الانتهاكات التي تعرض لها السجناء في العراق، والتي أثارت غضبا دولياً عارماً ودعوات إلى استقالة وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد. وعلاوة على ذلك فقد حذرت تقارير شارك المعهد الدولي للصحافة في صياغة محتواها من "استمرار محاولات السلطة التنفيذية في الدول الغربية الخروج عن الالتـزامات الدولية المتفق عليها، وهو ما يشكل أحد السمات الأساسية لمنهج الإدارة الأمريكية في سياق "الحرب على الإرهاب".
حرية الإعلام وضرورة تغليب سلطة القانون
وفي حديث مع البروفيسور كاي حافظ، الباحث المختص في دراسة وتحليل توجهات وسائل الإعلام في جامعة "إيرفورت" الألمانية والمطلع على تطورات الصحافة والإعلام في العالم العربي، أشار فيه إلى الدور الريادي لوسائل الإعلام العربية الجديدة مثل القنوات الفضائية في خلق فرص تعبير جديدة تتميز بالجرأة والاستقلالية مقارنة مع وسائل الإعلام الرسمية غير النقدية وذات المستوى المهني الرديء. وفي السياق ذاته حذر حافظ "من تحميل وسائل الإعلام الجديدة أكثر من طاقتها فيما يتعلق بفرص تحقيق تحول ديمقراطي شامل ("الدمقرطة") في العالم العربي". فوسائل الإعلام، المسموعة منها والمرئية على حد سواء، تبقي مجرد وسيط يلعب دوراً مهماً بين المجتمع ومؤسساته، ولكنها لا تستطيع أن تشارك بصورة مباشرة في عملية اتخاذ القرار السياسي في ظل غياب بديل عقلاني وسطي للنخب العربية الحاكمة في المرحلة الحالية، على حد قوله.
تفعيل "السلطة الرابعة" ضرورة تنموية
يعد توفير الحماية القانونية للعاملين في حقل الصحافة والإعلام جزءاً لا يتجزأ من مفهوم الحكم الصالح في الدول النامية. ويستند مفهوم هذا الحكم، الذي يُعًرف معايير محددة لقواعد التنمية والديمقراطية على مبادئ أساسية أهمها تغليب سلطة القانون على سلطة الأمن. وهنا يجب التشديد على أهمية أن يكون الإعلام حراً، ومهنياً، وتعددياً، لأن تفعيله كـ"سلطة رابعة" تعمل كأداة لنشر الشفافية ضروري من أجل تحقيق نجاح في محاربة الفساد الذي يبدد موارد الشعوب من خلال سوء استخدام السلطة. ويجدر الإشارة في السياق ذاته إلى أن فلسفة المعهد الدولي للصحافة تقوم على دعم الديمقراطية كونها المنظومة الأفضل لإنعاش وتنمية مجتمعات دول "العالم الثالث" التي يُفتقد فيها غالبا احترام حقوق المواطنة الأساسية.
لؤي المدهون