حقوق الفلسطينيين ـ جرح قديم يقسم اللبنانيين مجددا
١٩ يونيو ٢٠١٠"في لبنان ثمة من يخرج في رحلات بحرية لفك الحصار عن الفلسطينيين في غزة، ولكن قد يأتي يوم نرى فيه العالم يتوجه إلى لبنان لفك الحصار عن الفلسطينيين المقيمين فيه"، هذا ما قاله رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في جلسة عاصفة عقدها مجلس النواب اللبناني حول الحقوق المدنية للفلسطينيين في لبنان. فقد قلبت هذه الجلسة كل التوقعات وأعادت خلط الأوراق لينتهي المشهد إلى "اصطفاف خطير أعاد التذكير بالحرب الأهلية في عام 1975 وخط تماس جديد قسم قاعة المجلس إلى جبهتين طائفيتين"، حسب تعبير صحيفة السفير اللبنانية.
وبالرغم من أن حكومة الوحدة الوطنية اللبنانية (الحالية) أقرت في برنامجها منح الحقوق المدنية للفلسطينيين فإنها كادت تنهار في أول اختبار عملي يتعلق بهذا الملف. فما أن تقدم الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بأربعة اقتراحات بصفة المعجل المكرر (أي دون المرور في اللجان النيابية) ترمي إلى منح الفلسطينيين حقوقا مدنية: كالحق في العمل والتملك والضمان الصحي، حتى قامت الدنيا ولم تقعد. إذ انضم نواب التيار العوني إلى خصومهم في كتلتي الكتائب والقوات اللبنانية، مع بعض مسيحيي تيار المستقبل، في رفض هذه الاقتراحات وبحجج مختلفة.
"كل الحكومات اللبنانية تجاهلت حقوق الفلسطينيين"
وتبدي الناشطة الفلسطينية المقيمة في برلين فادية فودة دهشتها من موقف التيار العوني من هذه القضية؛ فهي كانت تتوقع حدوث "نقلة سياسية لديه في السنوات الأخيرة"، وذلك في إشارة إلى تحالفه مع حزب الله والجماعات المؤيدة لسوريا في لبنان. وتقول فودة، في حوار مع دويتشه فيله، بأنّ ملف الحقوق المدنية للفلسطينيين قديم يعود إلى أيام "النكبة". وتضيف بأن "كل الحكومات اللبنانية المتعاقبة، في العقود الستة الماضية، تجاهلت أوضاع الفلسطينيين في لبنان وبأعذار سياسية مختلفة".
وحين تُسأل فادية فودة، المساهمة في كتاب صدر باللغة الألمانية عن وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، عن الحقوق المدنية والإنسانية التي يجب منحها للفلسطينيين في لبنان تفضل الحديث عما هو ممنوع عليهم. وحسب الناشطة المتخصصة في قضايا اللاجئين والمهاجرين فإن المنع يبدأ بالتوسع العمراني في المخيمات الفلسطينية رغم أنها بنيت عام 1948. كما يمنع على فلسطينيي لبنان العمل في أكثر من سبعين مهنة. ويشمل المنع أيضا الاستفادة من الضمان الصحي اللبناني بالإضافة إلى الحرمان من حق التملك والدراسة في الكليات التطبيقية في الجامعات اللبنانية.
حقوق الفلسطينيين ومخاوف المسيحيين
ويقدم الباحث اللبناني المقيم في ألمانيا رالف غضبان قراءة مختلفة للانقسام الحاصل في لبنان بين المسلمين والمسيحيين حول الحقوق المدنية للفلسطينيين. ويرى غضبان بأن جميع القوى السياسية في لبنان "اشتركت في حصار الفلسطينيين وعدم منحهم حقوقهم المشروعة". ويقول غضبان، في حوار مع دويتشه فيله، بأن "الطرف المسلم يحاول المزايدة في هذه القضية مستغلا الظروف التي أحاطت بأسطول الحرية ومحاولات فك الحصار عن غزة". ويضيف غضبان بأن تصويت النواب المسيحيين، ومن مختلف الكتل، ضد هذه الاقتراحات ليس له علاقة باليمين أو اليسار "كما حاول جنبلاط تصوير ذلك حين اتهم اليمين اللبناني بالغباء". فجوهر المسألة، حسب غضبان، يتعلق بتوطين الفلسطينيين في لبنان وهو ما يخشاه الجانب المسيحي أكثر، لأن "الغالبية الساحقة من الفلسطينيين مسلمون سنة والتوطين يعني تقوية موقف السنة تجاه الطوائف الأخرى". ونظرا لخصوصية الوضع الطائفي في لبنان فإن "المسألة الديمغرافية تلعب دورا كبيرا".
وبدوره يقر نديم حوري، المتحدث باسم منظمة هيومان رايتس ووتش لحقوق الإنسان، بوجود مخاوف لدى مسيحيي لبنان من أن يشكل منح الحقوق المدنية للفلسطينيين ذريعة لتوطينهم في لبنان رغم أن الدستور اللبناني الحالي ينص صراحة على رفض التوطين.
نزع سلاح المخيمات وطمأنة المسيحيين
ويقول حوري، في حوار مع دويتشه فيله، بأن هناك "تطورا إيجابيا حدث في لبنان منذ سنة ونصف باتجاه منح الحقوق المدنية للفلسطينيين". فحتى الأحزاب التي تسمى "اليمين المسيحي" باتت تعترف بأن "الوضع الحالي لا يحتمل ولا بد من إيجاد حل لهذه المشكلة المزمنة". والحل يجب أن يكون بطمأنة "المسيحيين وعدم طرح القضية بطريقة استفزازية"، كما يقول رالف غضبان الباحث المتخصص بمسيحيي الشرق. ويربط غضبان بين منح الحقوق المدنية للفلسطينيين ونزع سلاح المخيمات الفلسطينية وضرورة فرض الدولة اللبنانية سيطرتها عليها.
إلا أن نديم حوري يرفض الربط بين ملف سلاح المخيمات والحقوق المدنية لسكان المخيمات؛ فالحقوق يجب أن "تعطى ولا تفاوض عليها". ويبدي حوري تفاؤله بأن يحصل الفلسطينيون هذه المرة على حقوقهم المدنية "أسوة بدول الجوار اللبناني". ويرى حوري في الجلسة العامة، التي سيعقدها البرلمان اللبناني في منتصف الشهر القادم لبحث هذا الملف من جديد، فرصة حقيقية لحل هذه القضية مطالبا لبنان بـ"إنهاء التمييز ضد الفلسطينيين".
الكاتب: أحمد حسو
مراجعة: عبده جميل المخلافي