حقيقة التغير المناخي.. حر وجفاف وفيضانات تجتاح العالم
١ أغسطس ٢٠٢٢تعصف بالكثير من بلدان العالم ظواهر طقس متطرفة، فعلى سبيل المثال: الجفاف الشديد الذي حل بمنطقة مونتيري التي تعد عاصمة المكسيك الصناعية، وسقوط ضحايا إثر انهيار جليدي في نهر مارمولادا الجليدي في جبال الألب بشمال إيطاليا، وحاليا الموجة الحارة التي تجتاح أوروبا.
ولا يقتصر الأمر على هذه الظواهر، إذ تضم القائمة الكثير. فيما يؤكد نشطاء المناح أن هذا يقدم دليلا قاطعا على ارتفاع معدل الاحترار العالمي بوتيرة سريعة.
ورغم أن مثل هذه الظواهر المناخية المتطرفة باتت جلية، إلا أن بعض الناس في جميع أنحاء العالم لا يزالون ينكرون مخاطر ظاهرة التغير المناخي أو حتى ينكرون حدوثها أصلا. فقد ذكرت دراسة أجراها معهد "يوغوف" العام الجاري وشملت 2059 شخصا من ألمانيا أن 5 بالمائة ممن شملهم الاستطلاع لا يعتقدون بوجود ظاهرة الاحتباس الحراري.
أما في الولايات المتحدة، فقد أشارت دراسة أجراها المعهد في يونيو/ حزيران الماضي باستطلاع أراء 1487 شخصا، إلى أن 9 بالمائة لا يصدقون وجود ظاهرة التغير المناخي فيما قال 23 بالمائة إنهم غير متأكدين من وجودها.
وفي يوليو/ تموز العام الماضي، كشف استطلاع للرأي أن 6 بالمائة فقط من 1496 شخصا شاركوا في الاستطلاع، ينكرون وجود ظاهرة التغير المناخي فيما قال 15 بالمائة إنهم غير متأكدين من وجودها.
وفي مقابلة مع DW، قال كلاوس أوبيراور، أستاذ النفس المعرفي بجامعة زيورخ، إن قضية إنكار أو تصديق وجود ظاهرة التغير المناخي لا تعتمد على مستوى التعليم، مشيرا إلى أن إنكار ظاهرة تغير المناخ يأتي في إطار "إستراتيجية سياسية متطورة".
ورغم ذلك، فإن مسألة وجود ظاهرة التغير المناخي أو إنكارها لا ترتبط بالمشاعر أو الأراء، إذ أن حسم هذه القضية يعود إلى الحقائق. وهذا التقرير يتحرى بعض المزاعم والرد عليها:
ظاهرة الاحتباس الحراري "غير موجودة"!
كتب أحد مستخدمي موقع تويتر "لا يوجد احتباس حراري ولا تغير مناخي" حيث نشر مقابلة أجرتها شبكة "سي إن إن" الأمريكية مع عالم الأرصاد الجوية جون كولمان، المؤسس المشارك لقناة "ويزر" أو "الطقس" الأمريكية حيث أنكر وجود ظاهرة الاحتباس الحراري.
تحقيق DW: هذا الزعم خاطئ وعارٍ من الصحة
يعود هذا المقطع لعام 2014، فيما نأت قناة "ويزر" بنفسها عن تصريحات كولمان الذي توفي عام 2018. ورغم ذلك، فإن منكري ظاهرة التغير المناخي دائما ما يشيرون إليه باعتباره عالم أرصاد لا يزال حيا. الزعم الذي حملته التغريدة عارٍ من الصحة لأنه يتناقض مع النتائج العلمية.
هل تم إثبات ظاهرة تغير المناخ علميا؟
تحقيق DW: نعم لقد جرى إثبات ظاهرة الاحترار العالمي وتغير المناخ علميا منذ عقود.
وجد الباحثون أن ظاهرة التغير المناخي بدأت منذ أكثر من 180 عاما، وتحديدا مع بداية الثورة الصناعية. فقد ذكر علماء من 195 دولة في تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، أن هناك تزايدا في الأدلة على حدوث ظواهر جوية متطرفة مثل موجات الحر الشديدة والأمطار الغزيرة والجفاف والأعاصير المدارية. كذلك، وجد العلماء أدلة على ضلوع البشر في التسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري.
على مدار أعوام، قام الخبراء بتحليل عشرات الآلاف من الدراسات المناخية؛ فيما ذكرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في عام 1995 أن "الأدلة تثبت وجود تأثير بشري ملموس على المناخ على مستوى العالم".
وقد ذكر الاتحاد الألماني للمناخ أن كافة مكونات النظام المناخي كالمحيطات والجليد والأرض والغلاف الجوي، قد ارتفعت درجة حرارتها بشكل كبير خلال العقود الأخيرة فيما ارتفعت درجة حرارة الأرض بأكثر من درجة مئوية مما كان عليه في فترة ما قبل الثورة الصناعية.
وتنص اتفاقية باريس لعام 2015 على إبقاء الاحترار العالمي أقل من مستوى 1,5 درجة مئوية بحلول عام 2100 وإلا فإن تداعيات ظاهرة التغير المناخي سوف تتفاقم، ما سيلحق المزيد من الضرر بالبشر وبكوكب الأرض خاصة مع استمرار ارتفاع مستوى سطح البحر.
وفي مقابلة مع DW، قال كلاس تيشمان، أحد علماء "مركز خدمة المناخ" في ألمانيا، إن ارتفاع معدل الاحتباس الحراري سيعني ارتفاع الاحترار العالمي بمعدل درجة ونصف في المتوسط، إذ سيكون الاحترار فوق اليابسة أكثر من فوق المحيطات التي تمتلك تأثير تبريد معين بسبب التبخر". وسوف يؤدي ذلك إلى ارتفاع معدل الاحترار العالمي بأكثر من 1,5 درجة مئوية.
هل تسبب البشر في تفاقم ظاهرة التغير المناخي؟
خلصت مئات المراكز البحثية في جميع أنحاء العالم إلى أن النشاط البشري سبب تفاقم ظاهرة التغير المناخي. حيث قامت دراسة أمريكية بتحليل أكثر من 88 ألف دراسة مناخية، لتخرج بنتيجة مفادها أن 99 بالمائة من الدراسات تتفق على أن البشر يلعبون دورا كبيرا في تفاقم ظاهرة تغير المناخ.
ويمكن إثبات ذلك عن طريق الاعتماد على نماذج محاكاة تُظهر التغيرات المناخية، دون التدخل البشري وكيف تفاقمت مع التدخل البشري.
وكانت وكالة ناسا قد نشرت دراسة عام 2021 استخدم فيها الباحثون صور الأقمار الصناعية لمقدار الإشعاع الأرضي من أجل إثبات أن التغير المناخي السريع الحالي ليس طبيعيا وإنما ناجم عن نشاط البشر.
فعلى سبيل المثال، عندما يُحرق الوقود الأحفوري مثل الفحم أو النفط أو الغاز، فإنه سيطلق غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يعد مسؤولا عن أكثر من 65 بالمائة من الاحترار الناجم عن الغازات الدفيئة، ما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض.
وقد ذكر الاتحاد الألماني للمناخ "أنه في عام 2020 بلغ المتوسط السنوي لتركيز ثاني أوكسيد الكربون أعلى بنسبة 50 بالمائة تقريبا مما كان عليه قبل الثورة الصناعية".
وقد بلغ تركيز ثاني أوكسيد الكربون في يوليو/ تموز الجاري 417 جزءا في المليون (ppm) التي تعد وحدة قياس لتحديد مستوى التلوث في الهواء؛ فيما كانت آخر مرة حدث فيها ارتفاع مستويات ثاني أوكسيد الكربون بشكل كبير كان قبل حوالي 3 ملايين عام عندما ارتفع مستوى البحر إلى 30 مترا قبل وجود البشر على الأرض.
أي كوارث طبيعية حدثت مؤخرا بسبب ظاهرة التغير المناخي؟
وفي مقابلة مع DW، قال أندرياس بيكر، رئيس قسم مراقبة المناخ في خدمة الطقس في ألمانيا، إنه لا يمكن "استنتاج أن هناك تغييرا عالميا طويل المدى في المناخ استنادا على حدث فردي وذلك لأسباب إحصائية. لكن يمكن حساب ذلك بالاحتمالات".
وقالت ماري لويز بيك، مديرة اتحاد المناخ في ألمانياـ، إن ظاهرة التغير المناخي "تؤدي إلى تغير الظواهر المتطرفة من حيث تكرار حدوثها وضراوتها؛ ما يعني تكرار الظواهر الجوية المتطرفة فضلا عن زيادة قوتها".
وقد أفادت دراسة دولية بتزايد احتمالية هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات كالتي شهدتها ألمانيا وبلجيكا العام الماضي، بمقدار من 1,2 إلى تسعة فيما يقول بيكر إنه بدون تفاقم ظاهرة التغير المناخي "لكان هطول هكذا أمطار غزيرة (فيضانات) يحدث كل 20 ألف عام فقط".
وقالت الدراسة إن قوة وتكرار "هطول الأمطار الشديدة قد تزايدت بنسبة ما بين 3 و 19بالمائة جراء الاحترار العالمي الذي يسببه الإنسان".
وفي مقابلة مع DW، قال جيفري بيرارديلي، رئيس قسم الأرصاد الجوية والمتخصص في شؤون المناخ في قناة WFLA News الأمريكية، إن موجات الحرارة الشديدة التي اجتاحت الهند وباكستان في الربيع "أصبحت أكثر احتمالا 30 مرة بسبب تغير المناخ".
خلاصة القول:
ثمة إجماع علمي بنسبة 100 بالمائة تقريبا على وجود ظاهرة التغير المناخي وتحمل البشر مسؤوليتها. وهذا التغير المناخي هو سبب زيادة ظواهر الطقس المتطرفة التي تهدد حياة البشر والكوكب بأسره.
كاثرين ويسولوفسكي/ م ع
شارك في إعداد التقرير تيتيانا كلوغ