حكم الإعدام بحق صدام ينذر بتأجيج الانقسامات في العراق
٦ نوفمبر ٢٠٠٦حاولت الحكومتان العراقية والاميركية إظهار حكم الإعدام بحق صدام حسين كخطوة إلى الإمام يقوم بها "العراق الجديد". لكن الخبراء يخشون تأجيجا للتوتر بين الاتجاهات المتشددة داخل الغالبية الشيعية والأقلية السنية. ففي معرض تعليقه على التطورات الأخيرة قال جوست هيلترمان، مدير شؤون الشرق الأوسط في مجموعة "انترناشونال كرايزس غروب": "حكم الإعدام عزز السلطة الرمزية لصدام بحيث بات اليوم شهيدا حيا". وأضاف أن صدام "لا يزال لديه تأثير على المتمردين السنة، واعتقد أن هذا التأثير سيزول سريعا بعد موته، لكن إعدامه سيؤدي إلى رد فعل أكثر عنفا". وانطلقت تظاهرات راوحت بين تأييد الحكم على صدام ورفضه في مختلف مدن العراق، وعمدت وسائل الإعلام المحلية والإقليمية الى التركيز عليها مظهرة اتساع الهوة بين العراقيين بعد اكثر من ثلاثة أعوام على الإطاحة بالنظام العراقي السابق. وابتهج الشيعة العراقيون الذين يشكلون غالبية بصدور الحكم في بغداد، وخصوصا انهم تعرضوا لقمع الديكتاتور السابق.
وفي المقابل، بدا الاستياء واضحا في صفوف السنة الذين ينتمي اليهم صدام، حيث أشار عضو البرلمان ورئيس جبهة الحوار الوطني السنية صالح المطلك، إلى ان الانقسامات ستتواصل وكذلك أعمال العنف، محملا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والحكومة مسؤولية هذا الأمر. ولم يسجل موقف موحد من حكم الاعدام داخل حكومة الوحدة الوطنية العراقية. فرئيس الوزراء نوري المالكي اعتبر ان الحكم هو حكم على "حقبة مظلمة"، فيما رفض الرئيس العراقي جلال طالباني الذي يزور فرنسا التعليق عليه. اما الحزب الإسلامي العراقي السني فدعا الى عدم استثمار محاكمة صدام حسين "سياسيا لالهاء الشعب"، وتساءل ما اذا كان "النظام الجديد قدم نموذجا متميزا أفضل" من النظام السابق.
ومن أجل سحب جنودها الـ150 الفا، تحاول الولايات المتحدة تشكيل أجهزة أمنية عراقية صلبة، لكن هذه الأجهزة ليست في منأى عن الانقسام, بدليل ان الشرطة العراقية تجاهلت اليوم الاحد خرق العراقيين لحظر التجول. وفي هذا الاطار، خرج الالاف من سكان مدينة الصدر الشيعية معقل التيار الصدري الذي يتزعمه مقتدى الصدر الى الشوارع وتجمعوا امام مكتب الصدر في الحي الواقع شرق بغداد، ترحيبا بالحكم. اما في مدينة سامراء السنية فانضم شرطيون الى مجموعة من مئتي شخص رفعوا صورة ضخمة لصدام حسين تحية له. وامل النائب الكردي محمود عثمان الا يؤدي حكم الإعدام الى مزيد من الانقسام في صفوف العراقيين والا يترجم ذلك مشاكل امنية اضافية. وأكد ان العراقيين عانوا مشاكل خطيرة، معربا عن أمله في ألا يتسبب الحكم بالإعدام بمزيد منها.
إيران: الإعدام هو "اقل ما يستحقه" صدام حسين
أما إيران، العدو اللدود لنظام صدام حسين، فأعلنت على لسان محمد علي حسيني، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية خلال مؤتمر صحافي أمس ان الاعدام هو "اقل ما يستحقه" الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وقال حسيني "الإعدام هو العقوبة الأدنى التي يمكن إصدارها بحق صدام حسين". كما أضاف "لكن هذا لا يعني انه لا يجب التحقيق حول الجرائم الأخرى لصدام، لا سيما الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب ضد إيران". وخلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، التي أسفرت عن مقتل نحو مليون شخص في الجانبين، استخدم الجيش العراقي أسلحة كيميائية ضد القوات الإيرانية وضد مدنيين في بعض المناطق في إيران وكردستان العراق. كما أضاف في السياق نفسه أن ايران رفعت شكوى ضد صدام حسين بسبب الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب. وأوضح "لقد وعدونا بالنظر في الشكوى لكن خلال محاكمة ثانية". ومنذ سقوط صدام حسين, تحسنت العلاقات بين طهران وبغداد بشكل ملحوظ. وإيران هي حليفة قريبة من الحكومة العراقية التي تسيطر عليها الأحزاب الشيعية.
الحكم على صدام يكشف الانقسامات الداخلية
ومن جانبه استنكر الحزب الإسلامي العراقي أكبر الأحزاب السنية المشاركة في العملية السياسية اليوم دعوات للتعبير عن الفرح لإعدام صدام. وقال الحزب في بيان له نشر أمس: "لا نعتقد أن من بين العراقيين من يختلف في محاكمة أي متهم ضالع في جرائم ضدهم أياها كان هذا الشخص صدام حسين ونظامه ام غيرهم." وأضاف "لكن الذي يريده العراقيون الا تهدف المحاكمة الى الانتقام واشفاء الغليل وان لا تستثمر سياسيا لإلهاء الشعب وصرف أنظاره عن مأساته اليومية التي يعانيها." وتساءل البيان "بماذا يفرح العراقيون كما دعاهم السيد رئيس الوزراء /نوري/ المالكي... ايفرحون بسقوط اكثر من ستمائة وخمسين الف شهيد...منهم رموز وطنية وشخصيات ذات ثقل في المجتمع العراقي طويت اوراق تحقيقهم دون اعلان نتائجها التي جرت بمعايير مزدوجة." وأضاف "أم يفرحون بتهجير عشرات الألوف من العوائل من بيوتهم أم بالفقر والفاقة والبطالة والقتل الطائفي وفقدان الامن وبالإرهاب وبالميليشيات التي تصول وتجول لتقتل وتخطف دون وازع او رادع من الحكومة". كما طالب الحزب، الذي يرأسه نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي من الحكومة العراقية ان تعالج "مأساة الشعب اليومية... وتوقف نزيف الدم وكل العمليات الاجرامية وممارسات فرق الموت والميليشيات وتسرع بالمصالحة الوطنية وتوقف نهجها في الإقصاء السياسي ثم بعد ذلك تشرع في محاكمة كافة المجرمين قبل سقوط النظام وبعده."
بوش. حكم الإعدام "نجاح كبير" للعراق
من جهته، رحب البيت الابيض بصدور حكم الاعدام وقال المتحدث باسم الرئاسة الاميركية توني سنو "أصبح لديكم الآن دليل دامغ على وجود نظام قضائي مستقل في العراق". وأشار سنو الى ان الحكم الذي ياتي قبل يومين من الانتخابات التشريعية الحاسمة في الولايات المتحدة يبرز الاختلاف بين الجمهوريين والمعارضة الديموقراطية التي يدعو معظم أفرادها إلى الانسحاب التدريجي للقوات الاميركية من العراق. وقد صور الجمهوريون استعداد الديمقراطيين لسحب القوات من العراق على انه مؤشر على ليونتهم في "الحرب على الارهاب"، لأنهم يعتبروه مؤشرا على الكيفية التي سيتعامل بها الديموقراطيون مع قضايا الدفاع والأمن في حال توليهم السلطة في الكونغرس، وهو الأمر الذي يرجح المراقبون حدوثه في انتخابات السابع من تشرين الثاني/نوفمبر. وعلاوة على ذلك قال سنو: "إن كون الأمر صعبا لا يعني عدم إنهائه"، مضيفا أنه "يجب أن تسألوا أنفسكم، هل يتعين على الولايات المتحدة ان تنهي المهمة، وهل ستنهي الولايات المتحدة المهمة".