حكومة تونسية بلا أحزاب..هل تنجح في كسب التحديات؟
٢ سبتمبر ٢٠٢٠منح النواب التونسيون اليوم الأربعاء (الثاني من سبتمبر/أيلول 2020) الثقة لحكومة تكنوقراط برئاسة هشام المشيشي، في خطوة جنّبت البلاد خيار حلّ مجلس النواب والذهاب لانتخابات تشريعية مبكرة.
ونال الفريق الحكومي، الذي شكّله وزير الداخلية السابق هشام المشيشي (46 عاماً) من قضاة وأكاديميين وموظفين من القطاعين العام والخاص، ثقة 134 نائباً من أصل 217، لتصبح بذلك ثاني حكومة تحصل على ثقة مجلس النواب في غضون ستّة أشهر.
وعلى الرغم من أن حزبي النهضة و"قلب تونس" كانا من الداعمين الأساسين لحكومة المشيشي حتى نالت ثقة البرلمان التونسي، إلا أن الحزبين عبرا عن تحفظهما قبل التصويت بخصوص الفريق الوزاري ويأملان في تعديل وزاري وشيك.
وفي كلمة أمام البرلمان قال المشيشي "تشكيل الحكومة يأتي في ظل عدم استقرار سياسي بينما قدرة الشعب على الصبر بلغت حدودها". وحدد المشيشي أولويات عمل حكومته في معالجة الوضع الاقتصادي والاجتماعي ووقف نزيف المالية العمومية وبدء محادثات مع المانحين والشروع في برامج إصلاح من بينها إصلاح الشركات العامة وبرنامج الدعم.
التحدي الاقتصادي هو الأصعب
وتعاني تونس من وضعية اقتصادية صعبة مع بلوغ الدين العام 80 مليار دينار تونسي، بينها مبلغ 7,5 مليار دينار (حوالى 2,5 مليار يورو) يجب سدادها في 2020 إلى جانب ارتفاع معدّل البطالة الذي بلغ 18% خاصة في ظل جائحة كورونا التي تضرب العالم في الوقت الراهن.
لذلك يبدو أن التحدي الاقتصادي سيكون الأصعب على حكومة المشيشي في ظل وجود مطالب اجتماعية كبيرة تؤرق كاهل الدولة منها انقطاع تزويد البترول والغاز في الجنوب التونسي والديون المستحقة لشركة سوناطراك الجزائرية بخصوص توليد الكهرباء في تونس. وتزداد هذه المشاكل تعقيدا، حسب الخبير الاقتصادي أشرف العيادي، بسبب غياب رؤية واضحة لمستقبل الاقتصاد التونسي "فلا ندري كيف ستكون ملامح قانون الميزانية للسنة المقبلة خاصة وأن الاختلالات في الموازنة الحالية كبيرة جدا. ومن غير الواضح من أين يمكن للحكومة التونسية أن تسدد جزء من المديونية التي على عاتق الدولة".
ويضيف العيادي أن الدولة التونسية تأخرت كثيرا في تطبيق العديد من الإصلاحات التي تشمل المؤسسات العمومية والدين العام وترشيد النفقات العمومية من أجل إنعاش الاقتصاد.
وتراقب الجهات المانحة الدولية عن كثب الوضع السياسي في البلاد. ويُفترض أن تستأنف تونس، المحادثات مع صندوق النقد الدولي الذي انتهت مدة برنامجه الممتد على أربع سنوات في الربيع الماضي.
صراع نفوذ بين سعيد والمشيشي؟
وإلى جانب التحديات الاقتصادية هناك أيضا تجاذبات سياسية قد تعرقل عمل الحكومة الجديدة. فقد ظهرت أوجه عدم الانسجام بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة الجديد هشام المشيشي حول أسماء بعض الوزراء، أنذرت بتوتر بين الرئيس ورئيس حكومته.
ويوضح المحلل السياسي التونسي صلاح الدين الجورشي هذا الأمر بالقول "أراد رئيس الجمهورية من وراء تعيين المشيشي أن يكون رئيس الحكومة متعاونا معه وأن يقبل تدخل رئيس الدولة والقصر الرئاسي في تشكيل الحكومة وفي اختيار الوزارء. وهنا بدأ يحدث خلاف بين الطرفين مما جعل رئيس الجمهورية يعيد النظر في عملية الاختيار ويدخل في إشكالات ذات طابع سياسي بينه وبين رئيس حكومته الجديد. وهذا ما خلق علاقة ستكون معقدة وصعبة بين الحكومة ورئاسة الجمهورية".
إضافة إلى ذلك يطرح التساؤل حول كيف يمكن لرئيس حكومة أن يحافظ على استقلالية قراره وسياسته في ظل العلاقة الجديدة التي فرضت عليه والتي جعلت أحزابا سياسية، توجد في صراع مع الرئيس، هي التي منحته الثقة ومكنته من أن يصبح رئيسا للحكومة، يضيف صلاح الدين الجورشي.
إذ تأتي حكومة المشيشي بعد سقوط حكومة سلفه إلياس الفخفاخ الذي إختاره رئيس الجمهورية، لكنه اضطر للإستقالة بضغط من البرلمان بعد شبهة فساد وتضارب مصالح اتهم بها الفخفاخ. وأدى الفخفاخ ثمن تحديه لسلطة البرلمان، ودخوله في لعبة صراع نفوذ معقدة بين رئيسي الجمهورية والبرلمان. ويمنح الدستور للرئيس سلطة محدودة على الحكومة لكن الانقسامات الشديدة بين الأحزاب وانعكاساتها على فعالية أداء البرلمان، جعلت نفوذ الرئيس في الأشهر الأخيرة يتزايد.
كسب ثقة الشعب
ورغم كل هذه التحديات الصعبة التي تواجهها الحكومة التونسية الجديدة إلا أن هناك تفاؤلا بخصوص نجاحها في مهمتها. تفاؤل حذر عبّر عنه أيضا رئيس مجلس نواب الشعب، الذي يدعم حزبه "النهضة" رئيس الحكومة الجديد، بالقول "هذه الحكومة يمكن أن تحل المشاكل الاقتصادية والصحية والأمنية وأنا واثق من نجاحها". لكن الغنوشي لمّح في كلمته خلال جلسة منح الثقة للحكومة الجديدة بأن البرلمان الذي منح الثقة لحكومات سابقة سحب ويمكنه أن يسحب منها الثقة.
فيما يبدو الخبير الاقتصادي أشرف العيادي،متشائما ويرى أن حكومة المشيشي لم تأت من البرلمان وليست مدعومة ذاتيا وهيكليا من طرف الأحزاب الأساسية، وهذا سيسبب لها ضعفا في قدرتها على القيام بالتصويت على قوانين مهمة. "لأن القيام بقرارات هيكيلة تصب في إصلاح مؤسسات الدولة بحاجة إلى دعم سياسي كبير لأنها غالبا ما تلقى مجابهة ورفض من بعض المكونات الاجتماعية مثل الاتحاد التونسي للشغل".
وعلى صعيد آخر يبدو أن التحدي الأصعب الذي تواجهه الحكومة التونسية الجديدة هو أن الشعب لم يعد يثق كثيرا في النخبة السياسية ولم يعد له حماس كبير اتجاه الأحزاب. ولعل النسبة الضعيفة التي تم تسجليها في الانتخابات الجزئية التي شهدتها بعض البلديات التونسية مؤخرا، خير دليل على ذلك.
لذلك يرى الخبير العيادي أن نجاح حكومة المشيشي في القرارات الأساسية منذ الأيام الأولى لوجودها سيمثل عاملا في زيادة ثقة الشعب فيها، ويضيف "لكن إذا أخطأت حكومة المشيشي وانتظرت شهورا قبل أن نرى أشياء واقعية وملموسة فإن الشعب لن يستطيع أن يمنحها ثقته الشعبية. والتراكمات الاجتماعية والاقتصادية التي نراها هذه الأيام قد تدفع التونسيين للخروج إلى الشارع مجددا".
هشام الدريوش