حوار ألماني مغربي حول أوضاع حقوق الانسان في المغرب
٢٩ سبتمبر ٢٠١٢كيف هي وضعية حقوق الإنسان بعد الاصلاحات الدستورية نتيجة الربيع المغربي لعام 2011؟ وهل ستكون كافية لتحقيق التوازن أمام نزوع أكثر نحو توجه محافظ للمجتمع والذي يهدد من حين إلى آخر، بفرض قيود على الحريات الشخصية؟ هل بالفعل نجحت ثورة المغرب الناعمة في رسم خارطة طريق لدولة الحقوق والمؤسسات، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد التفاف حتى تمر العاصفة التي غيرت معالم المنطقة العربية؟
هي جملة من الأسئلة التي هيمنت على اللقاء الذي جمع إدريس اليزمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الانسان في المغرب وكريستوف شتريزر٬ عضو البرلمان الألماني والمتحدث الرسمي باسم الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي لحقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية. اللقاء احتضنته مؤسسة فريدريتش ايبرت الألمانية في برلين الجمعة 28 سبتمبر أيلول، تحت عنوان "حقوق الانسان في الدستور المغربي الجديد".
المغرب ورياح الربيع العربي
برأي كريستوف شتريزر٬ عضو البوندستاغ فان المؤشرات تدل على أن مسلسل الإصلاحات بالمغرب يسير في الاتجاه الصحيح. مشيدا بالدستور المغربي الجديد الذي جاء بتعديلات هامة خاصة في ما يتعلق بالمساواة بين الجنسين وفي مجال حقوق الإنسان مشددا على أن أوروبا قطعت أشواطا طويلة لتحقيق هذه المعادلة. غير أنه يرى أن بعض القضايا المتعلقة بالنساء مازالت في حاجة إلى معالجة خاصة بالنسبة لزواج القاصرات. إضافة إلى أن "الوضع، حسب ما تتناقله التقارير الصحفية، في الصحراء الغربية خاصة في مجال حقوق الانسان وحرية الرأي يشوش على المجهودات التي قام بها المغرب" في نظر شتريزر.
لقد اختار المغرب منذ تسعينيات القرن الماضي مسلسل تعزيز دولة الحقوق والقانون والمؤسسات، ضمنها تسوية ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان عبر إحداث هيئة الانصاف والمصالحة كما تم إعتماد مدونة للأسرة التي تعتبر في نظر اليزمي الأكثر جرأة في العالم العربي منذ الخطوة التي أقدم عليها الرئيس الحبيب بورقيبة في تونس في العام 1956، بالاضافة إلى اصلاحات هيكلية أخرى، كل هذه الخطوات جاءت في نظر رئيس المجلس المغربي لحقوق الانسان سابقة عن الربيع العربي، وشكلت أرضية لتعديل الدستور الذي أفرد ثلث مواده الـ 180 لحقوق الانسان والتعددية الثقافية. وأضاف أن الدستور الجديد لم يكتفي بالمساواة بين الجنسين فقط، بل أقر مبدأ المناصفة.
وحول مدى تأثير تطورات الربيع العربي على أوضاع حقوق الانسان في المغرب، يرى هايو لانس أن الربيع المغربي كسر العديد من التابوهات في المغرب وأدى إلى اتساع مساحة حرية التعبير. وقد ساهمت الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في توثيق خروقات حقوق الانسان. مما أدى إلى تقوية معارضة الشارع وجمعيات المجتمع المدني.
حقوق الانسان في الصحراء الغربية
وفي إطار رده على سؤال لـ DW حول قضايا حقوق الانسان التي تثير الانشغال في المغرب، قال هايو لانس رئيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمؤسسة إيبرت:"ينبغي الانكباب على قضايا حرية الرأي والصحافة بطريقة نقدية. ولابد أيضا من طرح النقاش حول العنف الممارس ضد تضاهرات 20 فبراير. وردا على هذه الانتقادات يرى اليزمي في تصريح لـ DW:"أن حق الاحتجاج السلمي مضمون دستوريا وقانونيا. كما أن التظاهر في المغرب لا يتطلب ترخيصا بل فقط إعلان لاخبار السلطات. ويجب القول في هذا الصدد أن حوالي 95 في المائة من التظاهرات في المغرب لا تحترم المسطرة القانونية. ويرى اليزمي أن "التحدي المطروح أمامنا هو تنمية الوعي بتطبيق المسطرة القانونية البحتة. مما يعني قدرة المتظاهرين على تطبيق القانون وتقوية النقاش مع السلطات العمومية على المستوى المحلي وليس على المستوى المركزي فقط لتفريق التظاهرات في إطار احترام كامل للقانون".
أما في ما يتعلق بالانتقادات الخاصة بالصحراء، فقد أشار اليزمي إلى الزيارة التي قام بها خوان مينديز المقرر الأممي الخاص المعني بمسألة التعذيب مؤخرا إلى لمغرب، والاستنتاج منها أن "جل الانتهاكات التي تتوصل بها المجالس الجهوية في المنطقة تهم شكايات للمسجونين. ولكنها نفس الملاحظات التي نتوصل بها من سجون أخرى في المملكة".
وفي رد على الانتقادات الموجهة بصدد التعذيب، قال اليزمي"إن اعتماد الطريقة الحقوقية التي قام بها مينديز هي الطريق الصحيحة. وذلك بالابتعاد عن التعميم والحديث على حالات بعينها، وهي الحالات التي سيضعها على طاولة الحكومة المغربية وينتظر توضيحات بخصوصها". وأضا قائلا"يجب الاقرار بأن المعركة من أجل حقوق الانسان معركة طويلة الأمد ومستمرة. واعتقد أنه الأساس هو التربية على ثقافة حقوق الانسان عند الجميع. وهذا هو رهاننا الحقيقي."
اهتمام أوروبي وألماني بتحسين أوضاع حقوق الانسان
استنتج اليزمي من خلال لقاءاته المكثفة مع المسؤولين الألمان أن هناك استعدادا كبيرا من طرف ألمانيا على مساعدة المغرب في مسلسله الاصلاحي. و"سننظر لاحقا في آليات تفعيل هذا التعاون وتبادل الخبرات خصوصا في ميدان التكوين." يضيف قائلا. وأشار اليزمي أن المجلس الأوربي فتح مكتبا في الرباط وذلك "من أجل المساهمة في استلهام التجارب الدولية في تنزيل مقتضيات الدستور".
وستجتمع بعد أسبوعين لجنة حقوق الانسان في إطار الوضع المتقدم الذي يربط المغرب بالاتحاد الأوروبي، والذي يضم برامج عدة في مجال حقوق الانسان. ويواصل قائلا: "علينا العمل والتفكير على هذه المستويات الثلاث. هناك عامل آخر يفتح آفاق العمل مع ألمانيا يتجلى في الطابع الفدرالي ليس فقط لاستلهامها ولكن أيضا لفتح علاقات أخرى للتعاون سواء مع هذه الولاية أو تلك."
وفي نفس السياق يذهب هايو لانس حين قال:"إن لكل المنظمات الدولية لحقوق الانسان فروعا في المغرب. كما أن البلد يتفاعل بشكل إيجابي مع الخبرات الدولية ويسطر شراكات في مجال التكوين. أما فيما يخص المؤسسات الألمانية في عين المكان. فإنها تهتم في الوقت الراهن بمسلسل الاصلاح. وتعمل مؤسسة فريدريتش إيبرت على مساعدة جميعات المجتمع المدني على المساهمة في هذا المسلسل ونقل مخاوفها وتوجساتها إلى المؤسسات الجديدة."