خسائر حفتر.. هل تدفع مصر للتدخل عسكرياً في ليبيا؟
١٢ يونيو ٢٠٢٠خسائر متلاحقة لقوات ما يسمى بــ "الجيش الوطني الليبي" تحت قيادة المشير المتقاعد خليفة حفتر من قاعدة الوطية إلى مدينة ترهونة إلى مطار طرابلس، نتج عنها أن أصبح الغرب الليبي خاضعاً بأكمله لحكومة الوفاق التي انفتحت شهيتها للسيطرة على الشرق.
هزائم أقلقت حلفاءه في المنطقة العربية وأوروبا، لتتصاعد دعوات تطالب حكومة الوفاق بالعودة إلى طاولة المفاوضات بعد أن تغيرت موازين القوى على الأرض في ليبيا في أعقاب التدخل التركي، فيما أصدرت مصر "إعلان القاهرة" ما عده البعض محاولة لوقف نزيف الأراضي من بين يدي حفتر.
أيضاً تصاعدت الدعوات لمصر - الحليف القوي المشير المتقاعد – بالتدخل عسكرياً على غرار تركيا لوقف هزائم معسكر حفتر كان منها دعوات إماراتية:
وأخرى كويتية
ما حقيقية التحركات المصرية على الحدود؟
بعد اقتراب قوات حكومة الوفاق المعترف بها دولياً من منطقة سرت ذات الأهمية الاستراتيجية، انتشرت أنباء غير مؤكدة عن تحركات لحشود من الجيش المصري على الحدود الليبية، وكان موقع ديفينس بلوغ المعني بالشؤون الأمنية أحد مصادر تلك الأخبار، إذ قال إن الحشود شملت دبابات قتالية من طراز M1A2 أبرامز ونحو ست مروحيات هجومية من طراز Mi-24.
وتشكل سرت غرفة عمليات رئيسية لقوات حفتر، وتقع بين طرابلس وبنغازي وتفتح الطريق تجاه منطقة الهلال النفطي شرقي ليبيا والتي تحتوي على 80 يالمئة تقريباً من الثروة النفطية الليبية، كما تضم قاعدتي القرضابية والجفرة الجويتين الاستراتيجيتين.
لكن وبنبرة حاسمة وكلمات قاطعة، نفى اللواء محمود خلف الخبير الأمني والمستشار بأكاديمية ناصر للعلوم العسكرية بالقاهرة تلك الأنباء.
وفي اتصال مع DW عربية قال الخبير العسكري المصري إن ما يشاع عن مثل تلك التحركات ما هو إلا "كلام إعلامي"، مشدداً على أنه "لا توجد أي تحركات من أي نوع وأن أوضاع القوات المسلحة وكلام الرئيس يشير إلى أن القوات في حالتها المعتادة على الاتجاهات الاستراتيجية الأربع ولا تغيير في ذلك عما هو معلن"، مضيفاً أنه "ليس هناك أي تدخل عسكري مصري سيحدث في ليبيا وأن أي تحركات في أي من هذه المحاور الأربعة من المحال أن يعرف عنها أحد أي شيء إن حدثت".
قلق مصري؟
الأمر نفسه أكدته كلاوديا غازيني الباحثة وخبيرة الشئوون الليبية في مجموعة الأزمات الدولية، إذ قالت في حوار مع DW عربية إنها شاهدت هذه الفيديوهات وعلقت قائلة: "في الحقيقة لا يمكن أبداً القطع بصحتها أو التاكد من مصدرها"، وأضافت: "شخصياً أرى أن هذه الفيديوهات لا تبدو حقيقية بالنسبة لي، وقد علمت من قبل بانتشار أخبار وفيديوهات من هذا القبيل مثل مقتل أو أسر جنود مصريين في ليبيا إلا أنه لم يوجد حتى اللحظة أي تأكيد على ذلك".
وأضافت الخبيرة في الشؤون الليبية أنها لا تعتقد بأن الموقف الحالي يوجد فيه ما يستدعي حدوث تدخل مصري "وحتي اللحظة يكفي التدخل الروسي العسكري غير الرسمي، فيما تقوم مصر بالعمل السياسي والدبلوماسي"، مشيرة إلى أن "مصر لديها قلق شديد من اتخاذ أي خطوة خارج القانون الدولي والشرعية الدولية ولذلك فهي حذرة للغاية من أن تتورط في أي تدخل عسكري في الداخل الليبي دون وجود غطاء شرعي لها".
غاريني أضافت أن "مصر أيضاً لديها الكثير من المشكلات الاقتصادية، ما يجعل من الصعب عليها أن تغامر بخوض حرب في هذا التوقيت.. وما السبب وما الذي قد يدفعها إلى ذلك؟ هي فقط تحتاج إلى تأمين حدودها الغربية".
وتساءلت غازيني عن الكيفية التي يمكن أن تحصل بها مصر على اعتراف ودعم شرعي من البرلمان للتدخل عسكرياً في ليبيا "وهو البرلمان الذي كان أكبر عدد من النواب قد حضر جلساته لم يزد عن 50 نائباً من إجمالي 150 نائباً، بعكس التدخل التركي الذي جاء استجابة لطلب رسمي من حكومة تعترف بها الأمم المتحدة، ما جعل لدى تركيا غطاء شرعي إلى حد ما، بعكس أي تدخل عسكري قد يحدث من جانب المحور الموالي لحفتر".
الأمر نفسه أكد عليه مصطفى المجعي الناطق باسم عملية بركان الغضب، إذ قال إنه "لم يظهر لحكومة الوفاق أي تحركات مصرية يمكن اعتبارها عدائية تجاه قواتنا ولم تصلنا أي رسائل واضحة بوجود خطر حقيقي".
واضاف المجعي في حوار مع DW عربية أن "التدخل المصري موجود أصلاً منذ فترة طويلة وهو مثبت عندنا وسجلنا اعتراضاتنا عليه مثل مد حفتر بسلاح وذخائر، بل وتنفيذ غارات جوية في العمق الليبي لمساندة عدوان حفتر وهو ما وثقته بعثة الأمم المتحدة في ليبيا"، مستبعداً أن تتورط مصر في تحركات أو مناورات داخل الأراضي الليبية، "فهو أمر لا أعتقد أن مصر قد تفعله وإلا فإنها ستكون في مواجهة مباشرة مع الليبيين".
كانت مصر قد نفذت عدة غارات في العمق الليبي عام 2015 على مواقع لتنظيم "داعش" الإرهابي في كل من سرت ودرنة في أعقاب قتل التنظيم لعدد من المصريين الأقباط، كما نفذت غارات أخرى عام 2017 على درنة وقالت القاهرة وقتها إن الضربة استهدفت مجلس شورى مجاهدي درنة، متهمة التنظيم بالضلوع في قتل عشرات الأقباط خلال استقلالهم لحافلة في محافظة المنيا جنوبي البلاد.
ويرى كامل المرعاش الخبير والمحلل السياسي الليبي أن التدخل المصري ربما لايكون مباشراً، "وإنما قد يأتي في شكل دعم لوجستي أكبر للجيش الوطني الليبي وتوفير المعدات العسكرية المتطورة له وقد ترسل القاهرة مستشارين عسكريين بما يسمح بعودة ميزان القوى العسكرية إلى الساحة الليبية إلى الاعتدال".
محددات التحرك العسكري المصري
تشهد الساحة الليبية تدخلات من قوى إقليمية ودولية لكل منها أهداف ومصالح في ليبيا التي مزقتها الحرب بعد سقوط نظام القذافي. فهناك محور تركي قطري يدعم علناً حكومة الوفاق في الغرب وآخر مصري إماراتي روسي وفرنسي -على استحياء- يدعم حفتر وقواته في الشرق.
وفي خضم تلك المصالح التي قد تبدو متضاربة تتصاعد مخاوف النظام المصري من أن تتمكن حكومة الوفاق من بسط سيطرتها على كامل الأراضي الليبية، إذ تعتقد مصر أن تلك الحكومة المدعومة دولياً تضم في مكوناتها عناصر من جماعة الإخوان المسلمين وقيادات إسلامية متشددة، ووجود حكومة بهذا التكوين على رأس دولة تجاور مصر، بخلاف امتداد النفوذ التركي ليصل إلى الحدود المصرية، هما أمران ترى القاهرة أنهما يهددان أمنها القومي بشدة.
في هذا السياق يقول كامل المرعاش المحلل السياسي الليبي إن مصر أطلقت مبادرة سياسية لحل الأزمة في ليبيا وربما تكون هي الأخيرة. وأضاف موضحاً أن "المبادرة تحمل في طياتها بعداً عسكرياً وهو أنه إذا تمادت تركيا في مزيد من إرسال القوات العسكرية والعتاد والمرتزقة لحكومة الوفاق فإنها لن تقف صامتة أمام ما يمثله هذا من تهديد مباشر للأمن القومي المصري، "خصوصاً أن هناك تنظيمات إرهابية وإخوان مسلمين يعملون في ليبيا، ما يشكل خطراً على أمن مصر".
ربما يدعم ما قاله المرعاش تلك النبرة الموكدة في خطاب الرئيس المصري واستخدامه لكلمة "أكرر" حين حذر من استمرار أي طرف في البحث عن حل عسكري للأزمة الليبية:
لكن الاقتراح المصري رفضته كل من تركيا وحكومة الوفاق، إذ وصفه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بأنه "محاولة لإنقاذ حفتر بعد الخسائر التي مني بها في أرض المعركة، وأن مسعى وقف إطلاق النار في القاهرة مات في المهد، وإذا كان سيجري التوقيع على وقف لإطلاق النار، فإنه ينبغي أن يكون عبر منصة تجمع كل الأطراف معاً".
كر وفر
وبحسب خبراء، فإن ما يحدث من تطورات على الأراضي اللبيبية لا يشكل تهديداً قوياً لمصر بما قد يستدعي تحركها عسكرياً، خاصة وأن طرابلس تبعد عن مصر بأكثر من ألفي كيلومتر.
ويشير اللواء محمود خلف الخبير الأمني المصري والمستشار بأكاديمية ناصر للعلوم العسكرية إلى أن ليبيا مكونة من ثلاثة ولايات رئيسية هي طرابلس فزان وبرقة، "وطرابلس مساحتها كلها لاتمثل أكثر من 11 بالمئة من مساحة ليبيا البالغة 2 مليون كيلومتر مربع، وبالتالي فإن أي أحداث أياً كان شكلها في هذه المساحة الصغيرة لن تقدم أو تؤخر في أي شيء سوى الخسائر البشرية فقط، خاصة وان الحرب الدائرة هناك الآن "حرب غير نمطية" أي أنه لا يوجد هناك أهداف محددة ولا انتصارات واضحة وكلها عمليات كر وفر".
وشدد الخبير العسكري المصري على أن قوات الوفاق لن تتمكن من عبور سرت لأن خلف سرت يوجد الهلال النفطي الليبي وبه شركات لدول عظمى "فهناك شركة ايني الايطالية وتوتال اكسون وشلمبرغير الفرنسيتان وبريتيش بتروليم البريطانية واوكسيدنتال بتروليوم الأمريكية وغاز بروم وتات نفت الروسيتان، فهذه منطقة مغلقة تماماً ولا يمكن لأحد في العالم أن يضع فيها قدماً دون إذن هذه الدول وربما يفسر ذلك الأخبار المتواترة عن تحليق مقاتلات رافال فرنسية فوق سرت وماحولها فيما يشبه الرسالة إلى القوات التي تحاول إسقاط سرت والاستيلاء عليها".
وتعتقد كلاوديا غازيني خبيرة الشؤون الليبية في مجموعة الأزمات الدولية أن مصر ستحاول الحصول على أكبر قدر ممكن من الدعم السياسي والدبلوماسي الدولي لوقف تقدم قوات حكومة الوفاق التي رفضت المبادرة، وأن مصر تأمل في ممارسة ضغوط دولية على حكومة السراج لتوافق على الدخول في مسار سياسي للحد من تمدد نفوذ حكومة الوفاق ومن خلفها تركيا.
واختتمت الباحثة السياسية والخبيرة في الشأن الليبيي كلماتها بأن "الدول الداعمة لحفتر سواء مصر أو الإمارات أو حتى فرنسا أصيبوا بخيبة أمل كبيرة للغاية من الخسائر المتلاحقة التي منيت بها قوات حفتر التي فشلت في دخول طرابلس بل وخسرت الكثير من الأراضي رغم كل الكلمات والتهديدات والوعود التي اطلقها حتفر على مدار الفترة الماضية ما قد يجعلها تفكر ملياً في تقديم مزيد من الدعم لحفتر مستقبلاً".
محمود حسين