خسائر فادحة للسياحة السورية وانتعاشها مؤجل لإشعار آخر
٣ يوليو ٢٠١١عادة ما يكتظ شارع "حي الأميركان" وشارع "ابراهيم هنانو" وسط مدينة اللاذقية السورية بالسياح السوريين والأجانب في مثل هذه الأيام من كل عام، غير أن غيابهم واضح هذه الأيام في المدينة التي تشكل السياحة أحد أهم مصادر دخلها، وفي شوارعها تبدو الحركة خفيفة، وفي المقاهي والمحال التجارية عدد قليل من الزبائن. وفي أحد مكاتب الحجز السياحي الهامة في وسط المدينة يجلس موظف المبيعات فواز ج. بشكل يدل على الضجر وهو يتسلى بحل الكلمات المتقاطعة. "السياحة شبه متوقفة حاليا لأن معظم الحجوزات السياحية ألغيت، لم يسبق لي المعاناة من القلق والضجر كما عانيت خلال الأشهر الثلاثة الماضية"، يقول فواز. ويضيف الموظف لدويتشه فيله "عادة لم أكن أنعم بالهدوء والراحة خلال الموسم السياحي بسبب كثرة طلبات الحجز على فنادق المدينة، أما اليوم فتمر ساعات على ورود مكالمة هاتفية بقصد الاستعلام عن فرص قضاء عطلة في أحد الفنادق أو على الشاطئ الذي هجره غالبية السياح إلى إشعار آخر".
وفي مطعم سياحي قريب من المكتب يبدو عدد قليل من الزبائن في الصالة المطلة على البحر. "هذا الوضع مستمر منذ ثلاثة أشهر، أي منذ بدء الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالحريات والمناهضة للنظام في سوريا، ورغم بوادر تحسن هنا وهناك خلال الأيام القليلة، الماضية فإن أعداد الضيوف لا تزال دون المستوى الذي يمكن المؤسسات من الاستمرار لفترة طويلة"، يقول موظف الصالة الذي رأى بأن تراجع الزبائن يهدد أماكن عمل عدد من عمال المطعم وموظفيه.
وإذا كانت بعض المؤسسات السياحية لا تزال تحتفظ بموظفيها رغم تراجع السياحة في المدينة فإن بعضها الآخر اضطر إلى تخفيض دوام بعض موظفيه أو تسريح بعضهم الآخر بسبب الخسائر الناتجة عن قلة الزبائن. ويخص بالذكر منها الفنادق التي تعاني من إلغاء الحجوزات لاسيما السياحية العربية والأجنبية منها. وهذا ما يؤكده فادي قصبجي، العامل في أحد الفنادق بمدينة اللاذقية إذ يقول: "اضطر مالك الفندق الذي أعمل فيه إلى تسريح عدد من عماله وتخفيض رواتب آخرين لأن المجموعات السياحية الأوروبية ألغت رحلاتها إلى سوريا"، على ضوء استمرار الاحتجاجات الشعبية وتحذير الدول الغربية لرعاياها من السفر إليها.
الخوف من هجرة الكفاءات
وتكمن المشكلة أيضا بالنسبة للذين يفقدون عملهم في صعوبة إيجاد فرص عمل خارج القطاع السياحي الذي تأثر بشكل سلبي. في هذا السياق تقول زميلته راميا ن.: "من الصعب علينا كمؤهلين في مجال الفنادق والسياحة إيجاد عمل في مؤسسات سياحية موجودة في المحافظات السورية الأخرى لأنها تعاني من الأزمة ذاتها". ويبدو القطاع السياحي الأكثر تأثرا بالأزمة الحالية إذ يقدر التراجع، الذي شهده خلال أشهر آذار/ مارس ونيسان/ أبريل وأيار/ مايو، 12 و 28 و 32 بالمائة. وهو أمر يؤثر مع استمرار هذا التراجع بشكل سلبي للغاية على دخل وحياة مئات الآلاف إذا عرفنا أن مساهمة القطاع المذكور في الناتج المحلي الإجمالي تزيد على 12 بالمائة وأنه يشغل أكثر من 11 بالمائة من اليد العاملة. وخلال العام الماضي 2010 بلغت عائدات السياحة السورية أكثر من 5.6 مليار دولار أمريكي، أي أكثر من 20 بالمائة من إيرادات سوريا من العملات الصعبة.
ويخشى رئيس اتحاد غرف السياحة السورية محمد رامي مارتيني من توجه العمالة السياحية السورية الماهرة للعمل في دول الخليج في حال عدم قدرة المؤسسات السياحية على الاحتفاظ بها في ظل استمرار الاحتجاجات ومعها الأزمة السياسية في البلاد لفترة طويلة. ويشير مارتيني إلى أن نسبة إلغاء الحجوزات السياحية بلغت أكثر من 75 بالمائة خلال الفترة الممتدة من نيسان/ أبريل ولغاية آب/ أغسطس. وبالنسبة لحجوزات الخريف فلا تزال في حدود معقولة، حسب مارتيني الذي يعلق عليها تفاؤله. ونظرا إلى أن القطاع السياحي يعد في مقدمة القطاعات الأكثر تأثرا بالاحتجاجات في سوريا، طالب مارتيني الجهات المعنية من القطاعين الخاص والعام بالتحرك السريع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
حوافز سياحية يصعب تقدير مفعولها
وفي محاولة لتخفيف خسائرها قامت الفنادق والمطاعم السياحية بتخفيض أسعارها إلى نسب تصل إلى 50 بالمائة. ويروي سمير م. بأنه دفع أقل من 130 دولارا على المبيت في فندق خمسة نجوم بدلا من ضعف المبلغ الذي دفعه خلال الصيف الماضي. وبهدف إيجاد مزيد من الحوافز السياحية قامت مؤسسة الطيران السورية بتخفيض أسعار تذاكرها وافتتاح خطوط داخلية جديدة، ويأمل صهيب البب، الموظف في منتجع الشاطئ الأزرق التابع لسلسلة "فنادق الشام"، التي تعد السلسلة الأكبر من نوعها في سوريا، بأن تساعد الحوافز الجديدة بشكل خاص على تحفيز السياحة الداخلية وسياحة المغتربين السوريين الذين يقدر عددهم بالملايين لاسيما في أمريكا اللاتينية وبلدان الخليج.
ويضيف صهيب في هذا السياق: "العام الماضي زار تركيا أكثر من 850 ألف سائح سوري لمدة أسبوع، من خلال التخفيضات نأمل باستقطاب عدد كبير من هؤلاء". أما فادي سفلو مدير مكتب شمرا للطيران فيرى بأن التسهيلات، التي لم يسبق لها مثيل، لم تشمل فقط تخفيض تكاليف فنادق ومطاعم الخمس نجوم إلى النصف، بل أيضا تقديم عروض مجانية لمدة ثلاثة أيام مرتبطة بحجز لمدة معينة. ويرى سفلو أن أكثر شهر عانت منه السياحة هو شهر نيسان/ أبريل الماضي " في حين أن حركة السياحة بدأت تنشط في شهر أيار/ مايو وما بعده، لاسيما بعد انتهاء فترة الامتحانات في شهر حزيران/ يونيو. غير أن وتيرة النشاط ستكون مرتبطة بكيفية تطور الوضع الأمني والاحتجاجات الشعبية وآفاق التطورات السياسية التي تشهدها سوريا هذه الأيام.
عفراء محمد ـ اللاذقية
مراجعة: أحمد حسو