خَرَف الأطفال.. موت مبكر بالتقسيط
١٦ يوليو ٢٠١٥الأطفال المصابون بالخَرَف تتراوح أعمارهم عادةً بين خمس وثماني سنوات، كما يقول الطبيب الألماني المتخصص فرانك شتير. في البداية لا تبدو عليهم أية أعراض ويظهر أنهم طبيعيون للغاية، ولكنهم فجأة يفقدون القدرة على الإبصار، فيذهب بهم آباؤهم وأمهاتهم إلى أخصائيي الأعصاب أو أطباء العيون كي يصفوا لأطفالهم المصابين بالخرف نظارات. لكن النظارات لا تنفع، فشبكية العين تكون قد تضررت ويصاب الطفل بالعمى في غضون سنة إلى ثلاث سنوات.
تدهور سريع
تشخيص الحالة قد يكون صعبا أو خاطئا. ويعاني الطفل من صعوبة في القراءة وعَدّ الأرقام لأن ذاكرته القصيرة المدى لا تعمل بالشكل الصحيح. يضمحلّ الطفل وينسى ما تعلمه للتو، ويذهب والداه به من طبيب إلى آخر ومن اختصاصي إلى آخر من دون جدوى. يحتاج الأطباء عادةً بين سنتين وأربع سنوات حتى يستطيعوا تفسير أعراض المرض الأولية بشكل صحيح.
يوهانّس طفل بلغ سن المراهقة، وبدأت أعراض الخرف المبكرة لديه وهو في عمر الخامسة حين ساء بصره وأصيب بنوبة صرع. حاول كل طبيب تفسير ذلك، كلٌّ في مجال اختصاصه. فحاول طبيب الأعصاب معرفة سبب النوبات العصبية، فيما حاول طبيب العيون معرفة سبب الضعف البصري، ولكن "لا أحد من الأطباء تمكن من اكتشاف العلاقة بين ضعف البصر والإصابة بالخرف"، كما تقول إلكه مولر والدة يوهانّس. ومصادفةً بعد ذلك قرأت مقالا يتحدث عن هذا المرض، ووجدت أنها تعرف جيدا الأعراض الموصوفة في المقال، وعلى الفور عرفت أن ابنها يوهانس يعاني من خرف الأطفال.
خلل جيني
يعتبر هذا المرض الوراثي من الأمراض النادرة. "وتشير التقديرات إلى وجود بين 400 و 700 حالة إصابة بهذا المرض في ألمانيا"، كما يقول الاختصاصي فرانك شتير. ويضيف أن "الجين المَرَضيّ يتكرر مرتين في خلايا الأطفال"، الذين يعانون من الخرف المبكر. وهذا يحدث حين يكون الأب لديه جين وراثي غير سليم والأم يكون عندها أيضا جين وراثي غير سليم في خلاياهما: ويكون احتمال الإصابة بالمرض لدى الطفل في هذه الحالة 25في المائة. علما بأن المرض لا يحدث عند وجود واحد سليم وآخر غير سليم، بل يُشترَط تكرار الجين غير السليم في الخلايا من أجل حدوث المرض، أي أن وجود جين وراثي واحد سليم يحجب المرض.
اضمحلال الجسم والعقل
هذا المرض لا يمكن شفاؤه بعد ولا توجد أدوية لتأخيره أو حتى لإيقافه حتى الآن، ويضطر الآباء والأمهات إلى التفرج على أطفالهم يموتون ببطء. تتدهور حالة الطفل ويتحول إلى حالة تتطلب رعاية تمريضية دائمة ولا يمكنه الحياة دون كرسي متحرك.
خلال أيام الأسبوع يقضي يوهانّس، البالغ من العمر 18 عاما والمصاب بالخرف، وقته في مدرسة داخلية للمكفوفين وضعاف البصر، وفي عطلة نهاية الأسبوع يمضي الوقت مع والدته. أصبح مرضه في مراحل متقدمة، وقد "كانت هناك أوقات عانى فيها من نوبات الصرع ومن ضعف البصر ولكن يوهانس كان حينها ما زال قادرا على التفكير والحركة بشكل جيد، غير أنه الآن فقد قدرته على الكلام بشكل كبير، وبات الغرباء لا يكادون يستطيعون فهمه".
أحيانا يشعر بالغضب، كما تقول والدته، ولا يعرف يوهانس لماذا يحدث له ذلك. ولكن هذا لم يكن كذلك في السابق، فــ "في مرحلة البلوغ كان بإمكانه فعل الكثير من الأشياء لوحده، ثم كان يلاحظ أنه لا يستطيع فعل أشياء أخرى. ولكن ليس بإمكانه اليوم الاعتماد على نفسه أثناء الوقوف، فيخطو خطوات قليلة ثم يحتاج إلى مساعدة، كما تقول والدته إلكه مولر، ويقعدون غالبا في الحديقة حين يسمح الطقس بذلك.
أصغر بكثير من أن يموت
أولاً تموت الخلايا المستقبلة للضوء في شبكية العين ثم تموت الخلايا العصبية تدريجيا في الدماغ. "ومع مرور الوقت يعاني المرضى من مشاكل في البلع، فيرفضون حتى تناول الطعام لأنهم يخافون من ابتلاعه بشكل غير صحيح"، كما يقول الطبيب فرانك شتير. ثم يواجه الآباء والأمهات اتخاذ قرار صعب للغاية ويتساءلون: "هل نترك أنبوب التغذية يستمر في تزويد طفلنا بالسوائل والمواد الغذائية أم نقرر نزعه كي لا تطول مرحلة المرض؟".
مطلوب باحثين علميين على وجه السرعة
الباحثون لا يعرفون آليات حدوث هذا المرض حتى الآن. في الوقت الراهن يوجد في جميع أنحاء العالم نحو 100 باحث علمي إلى 120 من الباحثين في هذا مجال. ويوجد مشروع بحثي في مدينة هامبورغ الألمانية يدرس علاقة خرف الأطفال بمرض الزهايمر، ولكن هذا البحث لا يكفي لأن معالجة المرض تقتصر على تحسين المهارات الحركية للأطفال المصابين. ويبقى الأمل في أن يتم اكتشاف دواء لهذا المرض ذات يوم، كي تتاح لهؤلاء الأطفال والمراهقين فرصة استكشاف الحياة التي لم يعرفوها بشكلها الحقيقي.
وبعد أن أثبت التشخيص أن ولدها يوهانّس مصاب بالخرف، تقول إلكه مولر: "حياة ابني قصيرة ومقيَّدة للغاية. لكن قراري هو أن أجعل هذه الحياة ممتعة قدر الإمكان لولدي، وأن ألبّي طلباته قدر الإمكان بحيث يعيش حياته القصيرة بشكل مكثف وفي خير".