داعش تبيد وتهجّر الشبك والتركمان في الموصل
١٨ يوليو ٢٠١٤ما جرى يومي 9 و10 حزيران 2014 بدخول داعش إلى مناطق الموصل وصلاح الدين والأنبار وديالى سجل منعطفا تاريخيا في العراق والمنطقة. داعش لا تخفي أنها تستهدف إبادة الشيعة وتصفهم بالرافضة، وقد سمع العالم وشاهد على صفحات التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنيت أفلاما عن جرائمها بحق هذا المكون.
مجلة العراق اليوم من DW حاورت الناشط الحقوقي في قضايا الشبك والتركمان إسماعيل خليل، وهو مدير مدرسة يسكن في قرية تبعد 8 كيلومترات عن الموصل . روى الناشط تفاصيل رأى بعضها، وعاش بعضها، وسمع ببعضها، ولا ندّعي هنا أنّ ما يقوله هذا الشاهد على الأحداث هو كل الحقيقة، لكننا نعرض بأمانة كل الحوار صوتيا، ونعرض كتابة أهم محطاته وللقارئ أن يقرر ما يريد بشأنه.
الشبك والتركمان.. ديموغرافيا قلقة منوعة
الشبك هم مكون عراقي صغير، وحسب الموسوعة الشعبية "ويكيبيديا" فإنهم يسكنون في نحو 35 قرية بمنطقة سهل نينوى. هم في الأصل أكراد ولغتهم الكردية باللهجة الباجلانية، يُعتقد أنهم نزحوا من إيران إلى العراق في القرن السابع عشر، وهم مسلمون رغم ما يشاع عن عبادة بعضهم لآلهة الأيزيدية، لكن بعضهم اختلف عن الكرد عموما في أنّ انتماءه المذهبي شيعي وليس سنيا كما حال اغلب الكرد، وفي هذا السياق أشار الناشط إسماعيل خليل إلى أن سنّة الشبك وشيعتهم لم يشهدوا صراعا بينهم أيام الصراع الطائفي الذي اجتاح العراق منذ 2005 .
اعترف الحكم الملكي في العراق بهوية هذا المكون باعتباره جزءا من النسيج العراقي، وقد كشف الناشط إسماعيل خليل أن نظام صدام حسين سعى إلى تعريب هذا المكون، وصحح العدد الشائع بشأن مناطق سكناهم مؤكدا أنهم يقطنون في 54 قرية تتوزع في أنحاء سهل نينوى، يمتهنون الزراعة وتربية المواشي بشكل أساس.
أما التركمان فهم مكون عراقي دخل من تركيا في العصر السلجوقي، وبعدها دخلت موجات منهم مع الجيش العثماني لاسيما في عهد السلطان سليمان القانوني. اغلب التركمان كما كشف الناشط اسماعيل خليل ينتمون مذهبيا إلى الشيعة، لكن جزءا ليس صغير منهم يدين بالمذهب السني، ويسكنون مناطق تلعفر واربيل وتازة وطوز خورماتو وسليمان بيك في كركوك وداقوق والسعدية وجلولاء ومناطق أخرى تتوزع بين ديالى وشمال العراق. وقد امتد الصراع الطائفي منذ عام 2005 إليهم فدبت حرب بين سنتهم وشيعتهم متأثرة في الغالب بمناطق سكناهم.
ماذا جرى في هجوم داعش على مدن الشبك والتركمان
روى الناشط إسماعيل خليل وقائع ما جرى في مناطق الشيخان والرشيدية والقبة الملاصقة لمدينة الموصل من الضقة اليسرى لنهر دجلة مبينا أن "أغلبية سكان هذه القرى هم من الشبك الشيعة وفيهم بعض السنة، ولم يحدث أي قتال في مناطقهم، فقد استيقظوا صباحا ليجدوا داعش في قراهم وأمام بيوتهم. وفي اليوم الأول والثاني بذل مسلحو داعش الأمان للناس وأكدوا لهم أنهم لا يفرقون بين سني وشيعي، ولكن بعض الأسر شمّت خطر هذه المجاميع، فهجرت المدن هاربة تحت جنح الظلام، فيما صدّق أفراد كثير من الأسر الأخرى وعود داعش، فمكثوا في بيوتهم ".
ومضى الناشط إسماعيل خليل في شرح وقائع حرب داعش على المكونات الصغرى فقال"ابتداء من اليوم الثالث لسقوط الموصل ( 11.06.2014) ، طوّق عناصر داعش مناطق وقرى الشبك، وجمعوا كل السكان، وطلبوا أن يقف الشيعة منهم في جانب، وأن يقف السنة في جانب آخر، وكان معهم وشاة ملثمون من سكان المنطقة يخبرونهم بحقيقة أي شيعي يحاول أن يخفي نفسه. وبعد أن عُزل كل الشيعة في جانب، طلبوا من السنة أن يعودوا إلى بيوتهم، ونقلوا الرجال الشيعة إلى مكان مجهول، وسمعنا أقاويل عن نقلهم إلى حسينية (مسجد شيعي) في قرية القبة، ونسفهم الحسينية بالمتفجرات مع الأسرى الشيعة الذين فيها، ويقدر عددهم من 70 إلى 100 رجل. ثم عاد عناصر داعش إلى بيوتهم، ونهبوا ما فيها، وجاءوا بأغراب مجهولين وأسكنوهم فيها، وما بقي خاليا منها، نسفوه بالكامل. وقد بلغ مجموع القرى التي سيطر عليها تنظيم داعش 11 قرية، ومنها بكجلي وبازوايه وعمر كان، وسطيح علي راشد وشنّب" على حد وصف الناشط إسماعيل خليل.
"صادرت داعش المواشي وباعتها بسعر بخس للدعاية السياسية"
وتحدث إسماعيل خليل بالتفصيل عما جرى في بعض القرى ومنها "بكجلي، التي يحترف أهلها تربية العجول، وقد صادر الداعشيون عجول الأسر الشيعية في هذه القرية، وذبحوها وصاروا يبيعون كيلو اللحم بربع سعره بعد أن صادروا 1000 عجل باعوها في منطقة باب الطوب بالموصل بسعر بخس لكي يوسعوا من شعبيتهم بين الناس باعتبارهم وفروا لهم اللحوم بأرخص الأسعار"
وبينّ الناشط إسماعيل خليل، أن"باقي القرى (الأربع والخمسين) بقيت في آمان لأنها كانت واقعة تحت سلطة قوات البيشمركة (وحدات الجيش النظامي الكوردي)، وقد حموها ومنعوا دخول داعش إليها، لذا اغتنم (اسماعيل خليل) هذه الفرصة لشكر قوات البيشمركة لما قامت بعه ونشكر حكومة الإقليم لمواقفهم".
وروى الناشط الشبكي إسماعيل خليل تفاصيل عن الجرائم الوحشية التي ارتكبها عناصر داعش بحق المدنيين الشبك والتركمان في المناطق التي سيطروا عليه، مستغربا الغياب الكامل لمنظمات المجتمع المدني والدولي والمنظمات المعنية بالإغاثة وحقوق الإنسان عما جرى ويجري في مناطقهم، كما عاب على منظمات الإغاثة التي وصل بعضها لمساعدة المهجرين والنازحين صغر حجم المساعدات التي جاءت بها لدعم آلاف العوائل المنكوبة النازحة.
تلعفر: هروب جماعي نحو المجهول
تلعفر مدينة قديمة، هي أكبر قضاء عراقي، تقع على مسافة نحو 70 كيلومترا غرب الموصل، وتختلف الروايات عنها، ويعتبرها البعض إحدى مدن العصر الآشوري. واختلفت التقديرات بشأن عدد سكانها وأغلبهم من التركمان الشيعة، وجزء منهم من التركمان السنة، فقدره البعض ب 80 ألف نسمة، فيما اعتبر آخرون أن العدد الحقيقي هو عشرة أضعاف هذا العدد. هذه المدينة تشهد نزاعات طائفية شبه مستمرة بين الشيعة والسنة منذ عام 2003، وقد لقي آلاف الناس (أغلبهم من التركمان الشيعة) مصرعهم في تلك النزاعات.
أثناء هجوم داعش على الموصل وما حولها، تعرضت تلعفر (وتكتب أيضا تل عفر) إلى هجوم واسع من داعش يوم 10.06.2014 ، وقد دافعت عنها القوات المكلفة بحمايتها، ثم انسحبت منها، وقدر الناشط إسماعيل خليل "عديد القوات المدافعة لواء شرطة، معتبرا أن هذا اللواء قاتل ليوم وليلة ولم تصله إمدادات من الحكومة المركزية التي كانت منهمكة باستيعاب الصدمة التي سببها هجوم داعش، ثم انسحب من المدينة تاركا أهلها فريسة بيد داعش" على حد وصفه.
وأشار إسماعيل الى أن الأسر السنية التي تسكن تلعفر غادرتها منذ بدأت القوات الرسمية تعزز مواقعها استعدادا لصد هجوم داعش، فيما تعاونت الأسر الشيعية مع قوات الجيش لحماية المدينة من هجوم داعش، ونجحوا في اليوم الأول في صد هجوم داعش واعتقلوا عددا من مقاتليهم، بينهم شيشاني، وقطري، وتركي". وكشف إسماعيل أن من نقل إليه التفاصيل أفراد من سكان تلعفر، نزحوا عنها وسكنوا في مدرسة بالقرية التي يقيم فيها هو شخصيا .
إلام التي نست ابنتها الرضيعة أثناء فرارها
وروى الناشط الشبكي قصصا مؤثرة عن معاناة أهل تلعفر وما تعرضوا له من جرائم وحشية على يد عناصر داعش ومنها قصة أم شابة، تذكرت بعد هروبها امع لعجول من تلعفر أنها قد نسيت ابنتها الرضيعة في البيت، وأرادت ان تعود لاصطحابها، إلا أن أهلها ومن معهم منعوها خوفا عليها من عناصر داعش، فبقيت الرضيعة تواجه وحدها مصيرا مجهولا.
وتحدث الناشط الشبكي بالخصوص عن قصص المهجّرين والنازحين، أثناء هروبهم من المدينة المنكوبة، مبينا أنهم لجأوا في البداية إلى مدن وقرى سهل نينوى، وضاق بهم الحال لأن ما معهم من نقود قد نفذت (لأنهم هربوا من هجوم داعش بالملابس التي يرتدونها فقط حسب وصفه)، فاخذوا يغادرون هذه المناطق متجهين إلى مدينتي النجف وكربلاء جنوب العراق. وقدر عددهم بنحو 60 بالمائة من المهجرين والنازحين، فيما أكد إسماعيل خليل أن التركمان السنة من سكان تلعفر قد استقروا فيها .
في ختام حديثه لـ DW دعا الناشط في قضايا الشبك والتركمان إسماعيل خليل حكومة إقليم كردستان الى ضم مناطق الشبك والتركمان في سهل نينوى وغيره إلى سلطتها، لحمايتها من اعتداءات داعش المتوقعة في المستقبل.