"داعش" ليس وحده من يقض مضاجع الدول المغاربية
١٢ مارس ٢٠١٥منذ عقدين، ظلت الحدود الجزائرية المغربية مغلقة، بسبب الخلاف حول نزاع الصحراء الغربية المزمن وملفات ثنائية أخرى، لكن في الآونة الأخيرة حَدَثَ تحرك دبلوماسي غير مسبوق، حيث بادرت الرباط والجزائر، باحتضان جولات من الحوار الليبي برعاية الأمم المتحدة. ورغم أن الحدث يبدو- كما ذهبت إليه عدد من التحليلات- وكأنه لا يشذ عن التنافس التقليدي بين دبلوماسية البلدين المغاربيين الكبيرين، إلا أن المراقبين لتطورات الأوضاع في المنطقة المغاربية يرصدون تقاربا ملحوظا في نظرة مسؤولي البلدين للتحديات السياسية والأمنية التي تواجه المنطقة، وفي مقدمتها الخطر القادم من ليبيا جراء تنامي دور الفرع الليبي لتنظيم" الدولة الإسلامية".
لكن خبراء ونشطاء من المجتمع المدني، يخشون أن يكون هذا التقارب مجرد صيحة فزع من "الوحش داعش" قد تحمل معها مخاطر تزايد القبضة الأمنية والنهج الاستبدادي وبالتالي التراجع عن مجالات الحرية والديمقراطية التي كافحت حركات سياسية وهيئات المجتمع المدني طيلة عقود لتحقيقها.
الدكتور محمد الغيلاني منسق المنتدى المغاربي الذي ينظمه سنويا مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية (مدى) في الدار البيضاء، يحذر في حوار مع DWمن "دفع المنطقة المغاربية ثمنا باهضا بسبب المخاوف الأمنية" ويرى بأن هنالك "علاقة جدلية بين التطرف والاستبداد" وبأن الظاهرتين تتغذيان من بعضهما البعض على حساب الديمقراطية والتنمية.
"داعش" الخطر المحدق
حالة الفوضى المتواصلة في ليبيا منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، وتصاعد دور الفرع الليبي لتنظيم"الدولة الإسلامية"، ليست وحدها المؤشرات على ظاهرة التطرف في المنطقة المغاربية، ففي تونس التي تشهد عملية انتقال ديمقراطي نموذجية قياسا لباقي بلدان الربيع العربي، يواجه البلد تحديات أمنية جراء العمليات الإرهابية التي تقوم بها جماعة "أنصار الشريعة" السلفية المحظورة. وتعتبر تونس ثالث بلد مصدر للجهاديين الذين يلتحقون بتنظيم" الدولة الإسلامية"، بعد السعودية وليبيا. وحسب رضا صفر وزير الدولة التونسي في شؤون الأمن، هنالك حوالي 2800 مقاتل تونسي في صفوف "داعش" في سوريا والعراق. وما يزيد من الأعباء على الديمقراطية الناشئة في تونس أن جيشها يعد من أقل جيوش المنطقة استعدادا لمواجهة حرب عصابات محتملة على حدوده يخوضها التنظيم الإرهابي، على النحو الذي قام بها في الشرق الأوسط أو في مالي.
بخلاف الجزائر التي خرجت مؤسستها الأمنية والعسكرية بخبرة كبيرة من "العشرية السوداء" (عقد التسعينيات من القرن الماضي)، ناهيك عن توظيف فائض من عائدات النفط والغاز، في تسليح الجيش وقوات الأمن.
الخبير الجزائري صالح الزياني، يرصد في حوار مع DW، تراجعا في ظاهرة انخراط الشبان الجزائريين في الجماعات المتطرفة، وذلك بفضل "برامج اجتماعية واقتصادية لمساعدة الشباب والفئات الفقيرة في الجزائر، عبر قروض التشغيل وتوفير فرص السكن، والقضاء على دور الصفيح في الأحياء الهامشية وتنمية المناطق الريفية الفقيرة". ورغم قلة عدد الجزائريين الذين ينضمون إلى صفوف "داعش"، ما يزال الجزائريون يشكلون النواة الصلبة لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" في جنوب الجزائر ومالي ودول جنوب الصحراء الأفريقية.
وحتى المغرب الذي يعتبر أكثر البلدان المغاربية استقرارا فهو ليس بمنأى عن خطر التطرف والإرهاب، وقد عبر مسؤولون مغاربة عن خشيتهم من عودة مئات الجهاديين المغاربة من ساحات القتال في سوريا والعراق، بخبرة قتالية قد يوظفونها في أي وقت لزعزعة استقراره. ويرى محمد الغيلاني أن"البطء الشديد في عملية الانتقال الديمقراطي في البلد يعرضه لمخاطر التطرف الذي يمكن أن يستفيد من الفراغ السياسي وهيمنة الدولة على المجتمع نتيجة الخوف من الديمقراطية".
القبضة الأمنية
وفي تحليله لأسباب عودة القبضة الأمنية في معظم دول الربيع العربي بعد ظهور بوادر تحرر من الدكتاتوريات، يرى الخبير المغربي أن عملية إسقاط الأنظمة ليس بالضرورة تحولا نحو الديمقراطية، بل يكون "تحولا نحو المجهول عندما لا يكون المجتمع مهيئا ثقافيا لممارسة الديمقراطية"، وهو ما حدث في معظم دول الربيع العربي، حيث فشلت النخب السياسية والفكرية في قيادة مجتمعاتها لإرساء الديمقراطية وتحقيق التنمية. ويوضح الغيلاني "أن الحزب والمؤسسات السياسية باتت اليوم صورة مصغرة للإستبداد القائم على مستوى الدولة".
ويعتقد الخبير المغربي أن التطرف والإرهاب يشكل بالفعل خطرا على المنطقة لكنه "يُتخذ في كثير من الحالات كذريعة لتكريس الحكم الاستبدادي" عبر إحكام الأجهزة الأمنية والعسكرية قبضتها على الدولة والمجتمع، وهو ما يؤدي إلى ضرب الاستقرار والتنمية والحرية.
ومن جهته يعتقد صالح الزياني، أستاذ علم الاجتماع بجامعة باتنة الجزائرية، أن الحلول الأمنية لا يمكنها وحدها القضاء على التطرف والإرهاب، بل يتعين "الاعتماد على برامج تنمية اجتماعية واقتصادية وخطة مصالحة سياسية وعملية ديمقراطية" لإدماج الشباب. ويرى الخبير الجزائري أن هذه المقاربة تنطبق أيضا على علاقات البلدان المغاربية، موضحا أن التعاون الأمني وحده لا يكفي لمواجهة الإرهاب، بل يتعين التفكير في صيغ اندماج اقتصادي إقليمي بين البلدان المغاربية وتنمية المناطق الحدودية الفقيرة التي تستشري فيها ظواهر التهريب والجريمة المنظمة، وتستفيد الجماعات المتطرفة من هذه الأوضاع، مشيرا في هذا الصدد مثلا لمنطقة جبل الشعانبي التونسية الحدودية مع الجزائر والتي تنشط فيها جماعات إرهابية.
منصف السليمي