داعش والخريطة السياسية في سوريا
٢١ نوفمبر ٢٠١٣تشير الحقائق الى إن "داعش" تقوم على ركيزة التماسك داخل التنظيم لكي تتجنب الاختراقات والانشقاقات ويعود ذلك بسبب اعتمادها على الركيزة الإستخبارية قبل القدرة العسكرية.
هي تتبع مبدأ إثارة الرعب داخل المجتمعات التي تسيطر عليها، وعنصر المفاجأة في عملياتها العسكرية، وتتمتع بالتمويل. وهذا ما يميزها عن بقية التنظيمات والمجموعات المسلحة، يشكل منها تنظيما أوسع واكبر من حجمها الحقيقي. وتضم في صفوفها ما يقارب ستة آلاف مقاتل. ويعني ذلك أنها أصغر بكثير من جماعات متمردة أخرى، مثل الجماعة السلفية الجهادية "الجبهة الإسلامية السورية"، التي تضم خمسة عشر ألف إلى عشرين ألف مقاتل، وفقا إلى دراسة معهد واشنطن.
من هم جنود "داعش"
جنود "داعش" أغلبهم شباب في أول العمر، أكثرهم من العراق ومن ليبيا ومنالمملكة السعودية ومن المغرب العربي وكذلك من مصر وأوربا والقوقاز وغربآسيا. معظمهم غير متعلم لكن لدى بعضهم تحصيل علمي وهناك بعضالسوريين الذين يعتبر معظمهم من الجدد في التنظيم. وأكثر الإمراء هم من العراقيين ثم الليبيين.
تناول تقرير الشيخ محمد امين، احد مشايخ الجماعات الإسلامية في سوريا والتي نشرته بعض المنتديات الجهادية، ذكر يأن مقاتلي "داعش" ملتزمين جدا لدرجة التشدد ولديهم طاعة مطلقة للأمير. وهملا يقبلون النقاش مع أحد مهما بلغ علمه وفضله حول "ألإمارة" وفي معتقدهم أو أفكارهمالجهادية. ويتشبثون بالنصوص دون الأخذ بحكمتها وغايتها الكلية. وموضوعإعلان"الدولة الإسلامية" لديهم محسوم. ولديهم قناعة راسخة إن باقي الناس يجب أن يبايعوا أميرهمالبغدادي، وإلا كان آثما ومتخلفا عن واجب عظيم من واجبات الاسلام.
ونتيجة التوسع العسكري السريع لداعش فقد أصبحت تسيطر على مساحات شاسعة، مما جعلها تعاني من نقص بشري لم تستطع تعويضه منالعراق، فبدأت تجند من سوريا وتقبل أي شخص بعد إعلان ألتوبة، وتدفع مرتبات تصل إلى خمسين ألف ليرة، وبذلك جندت الكثير في الرقة وفي ريفحلب ومناطق اخرى.
تقدم داعش على باقي المجموعات
اعتادت داعش إتهام بعض الكتائب والألوية لتبرير الاستيلاء على ممتلكاتها وأسلحتها. يشار إلى ان أبو أيمن العراقي "أمير داعش" في ألرقة، سبق له قبل أشهر أن قتل أبو بصير كمال حماميالقيادي في الجيش الحر بسلاحه الشخصي. تتواجد "داعش" في عدد من البلدات الحدوديةمع تركيا في شمال البلاد خاصة في الرقة وريف دير الزور وبعض أحياء مدينةحلب مثل بستان القصير، ريف حلب الشمالي والغربي، ريف اللاذقية الشمالي، وبعضقرى درعا وريف دمشق وهي موجودة أيضاً في منطقة ريف إدلب في مدن سرمدا والدانا و حزانو وغيرها، حيث أعلنت مدينة الدانا إمارة إسلامية و بدأتبتطبيق الشريعة فيها و لتتوسع إلى باب الهوى والسلامة على الحدود السورية التركية. وتنتشر في ريف حلب الشمالي وتل رفعت وجرابلس والتمدد الى إدلب واللاذقية، بشكل مخطط. رغم إن خارطة الموقف العسكري ميدانيا غير ثابتة ومتغيرة، لذا لا يمكن دائما الاعتماد عليها.
يأتي مقاتلي "داعش" للقرية بحجة الدعوة، فينصبون خيمة دعوية ويقيمون دورات تحفيظقرآن ودروس وعظ، فيرحب بهم السكان، ثم ينتقلون إلى مرحلة إقامة مقر، ثمحواجز على مداخل القرية وبعد ذلك يتم السيطرة عليها وقتال من لم ينخرط معهم اومن يخالفهم. وضمن إستراتيجيتها هي السيطرة على المعابر الحدودية للسيطرة على ما يصل من دعم لوجستي وسلاح إلى بقية التنظيمات. أما بلدة اليعربية فتقع على معبر أساسي على الحدود العراقية السورية، وتسمح لقوات تنظيمداعشبتأمين خط آمن نوعاً ما لعبور المسلحين نحو الداخل السوري وتدعيم صفوفهابالذخيرة والمقاتلين وترى "داعش" فيها نقطة وصل مع غرب العراق .
"ألسفيرة" تغير الموقف الميداني
لكن مع استرجاع "السفيرة "من قبل النظام في نوفمبر 2013، أصبحت حلب هي الأخرى مرشحة لتكون تحت سيطرة النظام،لأن السيطرة على السفيرة، يتيح إمكانية تطويقها شرقاً ويفتح طريق الإمداد الى الرقّة، أي إلىمناطق سيطرة تنظيم "داعش". إن استعادة النظام السوري مدينة السفيرة من أيدي المجموعات المسلحة والجيش الحر، سببت بتراجع إلى الجهات القتالية لصالح النظام خاصة شرق حلب، كونها تمثل محطة وطرق امداد عسكري للجيش الحر والجماعات المسلحة. ومن بين تداعيات السفيرة هو استقالت العقيد عبد الجبار العكيدي، إن استقالته ربما تمثل تداعيات إعلامية ونفسية أكثر من التعبوية.
تتحالف "داعش "مع ألوية تقاتل تحت مظلتها لتقوم بعد ذلك بابتلاع التنظيم بالقوة وان كلفها اعتقال وقتل قياداتها، كذلك لا تتردد من الضغط على المناطق التي تسيطر عليها بالقتال ضمن تنظيمها مقابل دفع بعض الأموال.
فهي تستقطب القيادات الى صفوفها وتهمش الألوية والكتائب التي كانت تتحالف معها. هذه المرحلة وفي إعقاب الاتفاق الروسي الأميركي حول الكيميائي في سوريا زادت المواجهات والخلافات مابين الجماعات المسلحة.
هذه المواجهات تصعدت أكثر في إعقاب إعلان محمد زهران الجبهة الإسلامية وهي تعكس حالة عدم الثقة. صدر في 29 سبتمبر 2013 البيان رقم واحد من قبل جبهة الجيشالإسلامي الجديد في سوريا بزعامة محمد زهران، دعت فيه كافة الفصائل والقوىالمقاتلة إلى التوحد تحت ما أسمته إطار إسلاموي واضح ، وأعلنت عدم شرعيةوتمثيل الائتلاف الوطني وألحكومة المؤقتة باعتبارها لا تمثل القوىالموقعة على البيان. وضم التشكيل الجديد الى ما يقارب خمسين لواء وكتيبة. هذا الجيش يسعى لإعادة تنظيم "الجهاديين"، مع إمتلاكه لمؤسسات
فاعلةعلى الأرض ، في وقت اعتبر فيه قائد في الجيش الحر، أن تشكيل “جيشالإسلام” يأتي في خطوة لتحسين صورة الإسلاميين التي تشوهت بفعل تشدد تنظيم "لدولة لإسلامية في العراق والشام." التحليلات أظهرت بأن النظام السوري إعادة بعض كتائب والوية الجيش الحر وبعض الألوية والكتائب الإسلامية لكنها أبقتها في مواقعها تقاتل مقابل التنسيق والدعم والمعلومات.
لجان الحماية الكردية
استطاعت قوات الحماية الكردية طرد الجهاديين من عشرين بلدة وقرية شمالشرقي سوريا، وبعد اسبوع واحد من تمكنهم من السيطرة على معبر اليعربيةالحدودية مع العراق، حيث تمكن مسلحو لجان الحماية الكردية في 5 نوفمبر 2013 من طرد عناصر"الدولة الإسلامية في العراق والشام" من بلدة رأس العين ذات الاغلبيةالكردية الواقعة شمالي سوريا قرب الحدود التركية.وسيطرت وحدات حماية الشعبالكردي سيطرت على منطقة المناجير، التي كانت قد سيطرت ومنطقة تل حلف ومنطقة أصفرنجار في ريف رأس العين، عقب اشتباكات عنيفة بين الطرفين، وبهذا تكون الدولة والنصرة والكتائب المقاتلة قد خسرت آخر مناطقتواجدها في ريف مدينة رأس العين أمام القوات الكردية.
ألخلاصة
إن قرار ابو بكر البغدادي بالتوسع على سوريا جاء ضمن إستراتيجية إنشاء إمارة العراق والشام، وربما يكون داعش منافس قويا الى التنظيم المركزي إن لم يكن قد تعداه. إن أخنيار داعش إلى جغرافية العراق وسوريا، وربما تمتد إلى لبنان شمالا ـ طرابلس ـ، جاءت إلى طموحات ابي مصعب الزرقاوي والتي عجز عن تحقيقها. طموحات البغدادي هي أن يكون "امير مؤمنين" جديدا لدولة إسلامية قائمة على الأرض وليس أيدلوجية متشظية مثل القاعدة المركزي. هذا الرأي ممكن ان يعززه إحتمالات ظهور ابو بكر البغدادي مستقبلا والإعلان عن نفسه.
* كاتب في قضايا الإرهاب والإستخبار