دراما رمضان ـ تخمة في العرض وجنوح نحو القيم المحافظة
٢٨ أغسطس ٢٠١٠قبل أن تكشف محطات التلفزة عن عروضها لشهر رمضان هذا العام كان المخرج نجدت أنزور يعد مشاهديه بمفاجأة كبيرة. ولم يكن أنزور يقصد بالمفاجأة مسلسله "ذاكرة الجسد" المأخوذ عن رواية الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي التي تحمل الاسم نفسه، لأن الرواية معروفة على نطاق واسع، بل كان يقصد مسلسله الآخر، الذي يحمل عنوان "وما ملكت أيمانكم". فهذا المسلسل الذي يستند، حسب أنزور، وبشكل كامل "على مذكرات شخصية لأحد الجهاديين"، تعرض لانتقادات شديدة بحيث بات الجمهور، وخصوصا السوري، منقسما على نفسه حول استمرار عرض المسلسل أو منعه.
الانتقادات جاءت من الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي أحد أهم رجال الدين في سوريا وعلمائها. فقد حذر البوطي من الاستمرار في بث حلقات مسلسل " وما ملكت أيمانكم"، معتبرا أن القصد منه "السخرية بالله وبدين الله" وبأنه يفيض "بالهزء من المتدينين من عباد الله". وقد دافع أنزور عن مسلسله مؤكدا بأنه لم يشأ الإساءة إلى أحد وأن مسلسله "يعكس واقع المجتمع". وكشف أنزور بأن غضب البوطي مصدره عنوان المسلسل لأن الأخير يعتقد أن فيه سخرية من الإسلام لأنه مقتبس من القرآن.
سوق عكاظ ـ "تخمة في عدد مسلسلات رمضان"
هذا السجال بين الشيخ والمخرج في سوريا يكشف المكانة التي وصلت إليها دراما رمضان في العالم العربي وأهميتها ودورها في تكوين الرأي العام وتوجيهه. فالمخرج كان يعتقد بأن مسلسله سيحقق "مفاجأة كبيرة" لأنه يعرض "نماذج مختلفة من المجتمع الإسلامي كما هي في الواقع، بجمالية فنية ودرامية خاصة دون أن يدينها"، لكن النتيجة أن أحد علماء الدين يطالب بوقف عرضه فورا. كما أن المشاهدة العالية للمسلسلات التلفزيونية في شهر رمضان تجعلها في بؤرة الاهتمام.
من ناحية أخرى أصبح شهر رمضان للدراما التلفزيونية كما كان "سوق عكاظ للشعر في غابر الأزمان"، برأي المخرج السوري سامر البرقاوي. ويكشف البرقاوي، الذي يعرض مسلسله "بعد السقوط" على قناة "سوريا دراما"، في حوار مع دويتشه فيله، بأن "سوق العرض الرمضاني فرض منطقه على المخرجين والمنتجين ليكيفوا أعمالهم معه؛ بمعنى أن تكون عدد الحلقات بعدد أيام رمضان وأن يختاروا أفضل ما لديهم لعرضه في هذه الفترة ذات المشاهدة العالية جدا بحكم طقوس الشهر الفضيل".
إلا أن الكاتب والصحافي معن البياري يرى أن هناك "تخمة مهولة في عدد المسلسلات التي تعرض في رمضان ونوعيتها". ويضيف البياري، في حوار مع دويتشه فيله، بأن "هذه التخمة تربك الجميع، تربك المشاهدين والممثلين وحتى المنتجين"، مطالبا بتنظيم عرض المسلسلات. ويقترح البياري إحداث ثلاثة مواسم في العام بدلا من "موسم واحد"، أي موسم رمضان. ويتساءل البياري كيف يمكن لأكثر من "مائة مسلسل أن تأخذ حقها من المشاهدة والمتابعة والنقد في شهر واحد؟".
المال الخليجي والقيم المحافظة
أما الكاتب والناقد الفلسطيني رياض أبو عواد فيرى أن عدد المسلسلات يتناسب مع عدد الفضائيات العربية التي تزداد باضطراد. وهذا الكم من المسلسلات "يتيح للمشاهد أن يختار ما يناسبه ويراه قريبا من ذوقه"، رافضا فكرة إحداث مواسم موازية لشهر رمضان. ويضيف أبو عواد، في حوار مع دويتشه فيله، بأن من "الخطأ الاعتقاد بأن الكم يقف وراء التسطيح والجنوح إلى القيم المحافظة في دراما رمضان". فالفن انعكاس للواقع الاجتماعي، والواقع العربي "يجنح نحو المحافظة بالإضافة إلى أن رأس المال المنتج أصبح محافظا فمعظم الأعمال ممولة بتمويل خليجي".
ليس هذا فحسب، بل يرى أبو عواد، مدير مكتب وكالة الأنباء الفرنسية في القاهرة، أن "بعض المسلسلات تشهد ردة على مستويات كثيرة وهناك تقديس لزمن مضى دون مبرر وتقديمه بطريقة محافظة ورجعية جدا" مذكرا بالجزء الخامس من المسلسل السوري "باب الحارة" الذي ينتمي إلى ما بات يعرف بدراما البيئة الشامية ويتناول فترة الاحتلال الفرنسي لسوريا. فالمسلسل يقدم "مظاهر اجتماعية لفظتها المجتمعات العربية منذ عقود ويقدمها بطريقة جذابة جدا ومرغوب فيها كظاهرة تعدد الزوجات". كما يشير أبو عواد إلى بعض المسلسلات البدوية "الممولة تمويلا جيدا" متسائلا عن "جدوى عرض هذه المسلسلات غير الواقعية إلا إذا كانت نوعا من الحنين إلى مرحلة البداوة في المجتمعات العربية".
وبالرغم من هذه الظواهر "السلبية" فإن أبو عواد يرصد نقطة إيجابية جدا في دراما رمضان لهذا العام والمتمثلة بالأعمال العربية ذات الإنتاج المشترك. ففي حين شهد الوسطان الثقافي السوري والمصري معارك في العام الماضي حول ما وصفه بعض الممثلين المصريين بـ"غزو الدراما السورية" للأعمال المصرية من خلال مشاركة بعض النجوم السوريين في الدراما المصرية، نجد في هذا الموسم أعمالا مشتركة تتخطى سوريا ومصر إذ يشترك فيها فنانون من الخليج والمغرب العربي أيضا. وهذه الأعمال، حسب أبو عواد، "في غاية الجمال والروعة من كل النواحي وكأن هناك منافسة بين الفنانين العرب، لكن على أرضية التعاون".
أحمد حسو
مراجعة: عبده جميل المخلافي