ذعر وملاجئ ومعضلة إجلاء.. الحرب تقلب حياة عرب أوكرانيا!
٢٥ فبراير ٢٠٢٢"لا أدري ماذا أقول! فمهما قلت لك، لن أستطيع أن أعبر عن حالنا! نعيش حالة حرب بكل ما فيها!"، هكذا تقول أم عامر لـDWعربية، وهي تتحدث عن الأوضاع في العاصمة الأوكرانية كييف التي تقيم فيها منذ سنوات. وتضيف الأم الأردنية: "هناك صفارات إنذار وأصوات قصف وحظر تجول"، وتتابع: "العرب الذين استطاعوا المغادرة توجهوا، مثل الكثير من الأوكرانيين، إلى الحدود البولندية، أما الذين لم يستطيعوا المغادرة فيمكثون في الملاجئ".
ويسود الخوف في كييف مع توقع توغل القوات الروسية في العاصمة، وذلك بعد "هجمات صاروخية روسية مروعة" على المدينة التي يبلغ عدد سكانها قرابة ثلاثة ملايين نسمة، كما أعلنت الحكومة الأوكرانية. وقالت وزارة الدفاع الروسية إن قواتها سيطرت على مطار هوستوميل الاستراتيجي خارج العاصمة الأوكرانية كييف وقامت بإنزال مظليين في المنطقة.
ويلجأ المدنيون للاحتماء في محطات المترو تحت الأرض أو في الملاجئ، ومنهم وائل العلامي، مدير مركز "الرائد" الإعلامي في كييف، والذي قال لـDWعربية: "لا أعرف ماذا أقول! وضعنا صعب، فهناك قصف، والآن خرجت من البيت متجهاً إلى الملجأ ولذلك لا أستطيع التحدث أكثر"، وذلك عبر رسالة صوتية على تطبيق واتساب، ويبدو من صوته أنه كان يجري لاهثاً.
ويفر عشرات الآلاف من مدن رئيسية تهزها انفجارات وأصداء قصف، مثل مدينة خاركيف في شرق أوكرانيا، وهي ثاني أكبر مدن البلاد، والتي حث رئيس بلديتها الناس على الاحتماء بمحطات المترو والمخابئ المضادة للقنابل والأقبية، مع دخول القوات الروسية إلى المدينة.
يقول مؤمن العراقي، وهم مقيم في خاركوف، إنهم استيقظوا على وقع القصف الروسي، ويضيف لـDWعربية: "اضطررنا إلى الخروج من المدينة إلى منطقة قريبة". ويقيم مؤمن (28 عاماً) في أوكرانيا منذ عشر سنوات، ويعيش مع زوجته الأوكرانية وطفليه. يقول مؤمن: "طفلتي ياسمين (6 أعوام) اعتقدت في البداية أن القصف عروض للألعاب النارية، فهي لا تعرف ما هي الحرب!"، ويتابع: "كثيرون هربوا إلى الحدود البولندية، لكننا لم نتمكن من ذلك، بانتظار الفرصة المناسبة لذلك عندما يهدأ الوضع".
"حركة نزوح كبيرة جداً"
وينشغل الطبيب السوري عبد الستار شاهين أيضاً مع عائلته وعائلات سورية أخرى للخروج من خاركوف إلى الحدود البولندية. ويقول الطبيب الذي يعمل في مستشفى خاركوف الحكومي لـDWعربية: "الأوضاع سيئة وتصبح أسوأ". وحتى في بعض المدن الواقعة وسط أوكرانيا، مثل دنيبرو، ثالث أكبر مدينة في البلاد، "هناك حركة نزوح كبيرة جداً إلى الحدود البولندية"، كما يقول الطالب السوري جعفر الحسين لـDWعربية، وهو في طريقه من دنيبرو إلى مدينة لفوف الأوكرانية على الحدود البولندية، مع ثلاثة من أصدقائه.
يقول الحسين، الذي يدرس الطب في أوكرانيا: "امتحاني الأخير بعد ثلاثة أشهر، لكن اندلعت الحرب واضطررت أن أخرج". وكان الحسين قد وصل إلى أوكرانيا عام 2016 وحصل على حق الحماية، لكنه لم يكن يدري أنه سيضطر للجوء إلى بلد آخر مجدداً. ويوضح الحسين: "لم نكن نعتقد أن بوتين سيشن الحرب بالفعل، بل كنا نظن أن التهديدات الروسية مجرد تخويف، وحتى في أسوأ السيناريوهات كنا نتوقع أن تقتصر الحرب على مناطق الانفصاليين"، ويتابع: "لكنه الآن دخل من كل الجهات ويحاول غزو أوكرانيا كلها".
فرَّ من حرب فوقع في أخرى
ولم يكن يتوقع الطبيب السوري سليمان أيضاً أن تشن روسيا الحرب ضد أوكرانيا، ويضيف لـDW عربية: "لكن بعد سيطرة الروس على مطار عسكري قريب منا، هربنا من المدينة التي كنا نقيم فيها في شرق أوكرانيا وأتينا إلى مدينة في وسط أوكرانيا هادئة نسبياً". ويشير سليمان إلى صعوبات يواجهونها، حتى في تلك المدن "الهادئة نسبياً"، ويوضح: "هنا لا يحق للناس سحب سوى مبلغ 200 يورو في اليوم، وأحياناً يبقون لساعات طويلة أمام ماكينات الصرف الآلي".
وفي خضم الحرب، وبالعودة إلى كييف، ينشغل البعض بمحاولة مساعدة الجاليات العربية على الخروج بسلام، كما يفعل سفيان المطوسي، رئيس جمعية دار التونسي في العاصمة الأوكرانية. يقول المطوسي لـDWعربية: "هناك جزء من الجالية التونسية، التي تتراوح بين 1200 إلى 1400 شخص، عاد قبل اندلاع الحرب"، مشيراً إلى محاولتهم التنسيق مع الصليب الأحمر لإجلاء البقية ممن يريد العودة.
الجاليات العربية بين "التزام المنزل" واحتمال الإجلاء!
تشترك الجاليات العربية في معاناتها مع أوضاع الحرب، لكن تتفاوت درجة المعاناة وتكتسي تعقيدات إضافية مثلما هو حال التونسيين بأوكرانيا. يوم أمس الخميس، أكد الرئيس التونسي قيس سعيّد، أنه يتم الآن إجلاء عدد من مواطنيه المقيمين في أوكرانيا عبر الحدود البرية إلى بولندا. لكن وبسبب "عدم وجود ممثلية دبلوماسية لتونس في كييف"، كما يقول الناشط في المجتمع المدني معز يونس، فإن "الحكومة التونسية لا تستطيع التنسيق مع أفراد الجالية وخصوصاً الطلبة"، على حد تعبيره، مشيراً إلى أن الطلبة التونسيين(مثل باقي أفراد جاليتهم) كانوا سابقاً يتبعون للسفارة التونسية في روسيا "الدولة المعادية لأوكرانيا"! ويبدو أن هذا هو السبب في لجوء الحكومة التونسية إلى جمعيات مثل جمعية "دار التونسي"، في محاولة للتنسيق مع أفراد الجالية.
وفي ظل إغلاق المجال الجوي لأوكرانيا، أصدرت عدة دول عربية توجيهات لرعاياها المقيمين في أوكرانيا، انقسمت بين الدعوة إلى البقاء بالمنازل والإجلاء المحتمل.
السفارة المصرية في كييف فقد طالبت أفراد الجالية، بـ"الاستمرار في التواجد بالمنازل لحين هدوء الأوضاع"، داعية إياهم إلى تسجيل بياناتهم على البريد الإلكتروني للسفارة "مع توضيح الاسم ورقم الهاتف والعنوان حتى يتسنى حصر الأعداد بدقة وأماكن تواجدهم". ويقدر عدد افراد الجالية المصرية في أوكرانيا بـ 6 آلاف غالبيتهم من الطلاب.
ولمواجهة الطوارئ أحدث المغرب الذي توجد لديه جالية كبيرة ضمنها ما يناهز عشرة آلاف طالب، خلية أزمة لمتابعة أوضاع رعاياه الذين دعت السفارة المغربية من "أختار منهم البقاء في أوكرانيا" إلى إلتزام التوجيهات التي تصدرها السلطات الأوكرانية وتدابير السلامة، والتواصل مع حلية الأزمة التي شكلتها السفارة لهذا الغرض. وكان المغرب قد نظم رحلات طيران لإجلاء أعداد من أفراد الجالية الذين رغبوا بمغادرة أوكرانيا قبل بدء الحرب. وتتواصل محاولات إجلاء مغاربة عبر الحدود البرية بين أوكرانيا وبولندا، بحسب بيان للسفارة المغربية في كييف.
كما دعت سفارة السعودية في كييف، في بيان، "رعايا بلادها الذين لم يتواصلوا معها في فترة الإجلاء إلى سرعة التواصل مع السفارة في أقرب وقت ممكن، نظرا للمستجدات في أوكرانيا حاليا، وحرصا على سلامتهم".
ودعت سفارة الجزائرية في كييف، رعايا بلادها عبر بيان، إلى "الالتزام بالتعليمات التي تسديها السلطات الأوكرانية، لا سيما تلك المتعلقة بالمكوث بالبيت وعدم التنقل إلا للضرورة القصوى".
وفي ذات السياق دعت وزارة الخارجية الليبية في بيان، رعاياها في أوكرانيا، إلى "تجنب السفر في الوقت الحالي والبقاء في المنازل وفي أماكن آمنة وعدم الخروج إلا للضرورة"، داعية مواطنيها إلى "التواصل مع سفارة بلادها في كييف".
أما السفارة العراقية في أوكرانيا فحثت جميع رعايا بلادها إلى "توخي الحيطة والحذر وعدم زيارة المناطق الخطرة في شرق أوكرانيا"، داعية إياهم إلى "التواصل في حال احتياجهم لأية مساعدة عبر خطوط هاتفية ساخنة" حددتها السفارة. بدوره أكد الأردن انعقاد خلية أزمة للمتابعة "ستبحث أشكال الدعم للرعايا، وخيارات سبل الإخلاء المتاحة، ولاسيما الإخلاء البري من جهة الدول المحاذية للمناطق الحدودية الغربية لأوكرانيا".
تقول أم عامر إنها على علم بالمحاولات الأردنية لإجلاء رعايا المملكة في أوكرانيا، لكنها تقول: "لا أستطيع الخروج فعائلاتنا وأولادنا هنا"، وتضيف: "زوجات أبنائي أوكرانيات وأحفادي أيضاً، ولذلك فأنا متمسكة بأوكرانيا، لكنني آمل أن تنتهي الحرب قريباً".
محيي الدين حسين