ذكرى اعتداءات لندن لا تزال حية بعد مرور عام على وقوعها
٦ يوليو ٢٠٠٦يقف سكان العاصمة البريطانية اليوم دقيقة صمت حداداً على ضحايا الاعتداءات الدامية، التي شهدتها لندن العام الماضي والتي أسفرت عن مقتل نحو 52 شخصاً وجرح المئات. وبالرغم من مرور عام على وقوع تلك الاعتداءات، إلا أن آثارها النفسية ما تزال حاضرة بقوة في أذهان سكان العاصمة البريطانية. ومن المنتظر أن تتسم مراسم إحياء الذكرى الأولى لاعتداءات لندن بالبساطة وقلة الخطابات الرسمية نزولا على طلب عائلات الضحايا. كما أنه من المقرر وضع باقتين من الزهور قبل الظهر في محطة، كينغز كروس، وساحة، تافيستوك سكوير، قبل أن تتوقف الحركة في كافة أرجاء البلاد لمدة دقيقتين، بعدها سيتجمع المواطنون في منتزه ريجنس بارك للمشاركة طوال النهار في صنع "فسيفساء" عملاقة من الأزهار.
صدمة اجتماعية أكثر منها أمنية
وبعد مرور سنة على هذا اليوم المأساوي الذي التي تعرضت فيه قطارات الأنفاق وحافلة بطبقين لتفجيرات نفذها أربعة انتحاريين بشكل متزامن لم يتم حتى الآن العثور على أي شريك للانتحاريين الأربعة ولم تسفر أي من الخيوط التي تمت ملاحقتها من قبل المحققين بصورة منهجية في الخارج، لا سيما في باكستان عن نتائج تذكر. وبات البريطانيون على يقين، على ضوء ثلاثة تقارير رسمية، بأن الإرهابيين الذين نفذوا التفجيرات كانوا أشخاصاً وشباناً عاديين مندمجين بصورة جيدة في المجتمع البريطاني واثنان منهم متزوجان ولديهما أولاد. والجدير بالذكر أن ثلاثة من الانتحاريين ينحدرون من أصل باكستاني، أما الانتحاري الرابع فينحدر من أصل جامايكي اعتنق الإسلام عام 2000. ولم تستبعد السلطات البريطانية عقب التحريات التي أجرتها وجود صلة بين منفذي الهجمات وتنظيم القاعدة رغم غياب أدلة دامغة تثبت ذلك. ولعل ما زاد من حيرة رجال الأمن وصدمة المجتمع البريطاني هو أن سلوك الانتحاريين لم يكن ينذر بتحول سلوكي يثير شبهات حول منفذي العملية.
لندن ما زالت مستهدفة
وبالرغم من تشديد الرقابة الأمنية داخل لندن إلا أن المدينة لا تزال في نظر الخبراء الأمنيين مستهدفة من قبل الإرهابيين. فقد استطاعت الأجهزة الأمنية البريطانية مؤخرا إحباط عملية إرهابية إثر عملية أمنية خاطفة. لكن المسئولين الأمنيين نفوا أن تكون لتلك العمليات أي صلة بسلسلة الاعتداءات التي تعرضت لها لندن العام الماضي. كما اعتبر المحققون أن أجهزة الاستخبارات لم يكن لها أن تحول دون وقوع التفجيرات معتبرين ان تلك الأجهزة تفتقر إلى الوسائل والتجهيزات اللازمة للقيام بمهامها بشكل جيد. و يذكر أن أجهزة الأمن كانت تقدر في تلك الفترة عدد المشتبه بهم" الإسلاميين بنحو 800 وقد أعطيت الأولوية في تلك الفترة لتحقيقات أخرى جارية، في حين أن الانتحاريين الأربعة لم يثيروا أي شبهات. ونفت لندن قطعا المعلومات التي وردت بان وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي ايه) حذرت الحكومة البريطانية في العام 2003 من نشاطات أحد الإرهابيين.
الهاجس الأمني يجتاح بريطانيا
ولا تزال ذكرى السابع من تموز/يوليو الأليمة بعد مضي عام حاضرة في ذهن الضحايا الناجين وأقارب أولئك اللذين ممن لقوا حتفهم. هذا ما دفع ببعض من أصيبوا في الاعتداءات إلى مغادرة لندن هذا الأسبوع هروبا من الأجواء التي تعيد إلى ذاكرتهم مشاعر الصدمة والهلع التي غمرتهم في ذلك اليوم. وقد تقبلت بريطانيا مرغمة الواقع الجديد الذي أفرزته تلك الأحداث، إذ أكد قائد الشرطة البريطانية سكتلنديارد، ايان بلير، على أن بريطانيا أضحت عرضة للإرهاب الإسلاموي الداخلي. وقال ايان بلير خلال محاضرة حول الإرهاب في 21 حزيران/يونيو 2006: "السماء قاتمة والخطر حقيقي ومختلف هنا في بريطانيا عنه في الولايات المتحدة، لأنه ظاهرة تطورت إلى حد بعيد في الداخل". كما أفاد أن السلطات أحبطت منذ السابع من تموز/يوليو 2005 ثلاثة اعتداءات.
قلق سياسي من نمو التطرف الإسلامي
ويعتبر كثير من المراقبين أن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير قد أخفق إلى حد ما في ادماج الجالية المسلمة داخل بريطانيا وعجز عن خلق حوار بناء لإجتثاث التطرف الإسلامي من المجتمع البريطاني، حيث أظهرت استطلاع للرأي أجرته مجلة تايمز، أن 13 في المائة من مسلمي بريطانيا البالغ عددهم 6،1 مليون نسمة يعتقدون ان الانتحاريين الأربعة الذين قتلوا 52 شخصا في لندن العام الماضي "شهداء". تلك النتائج المثيرة اعتبرت في نظر الكثير من المحللين بمثابة ضربة موجعة إلى الجهود التي بذلت حتى الآن من أجل دعم تغير مثل تلك المواقف. وهذا ما دفع رئيس الوزراء إلى حث القيادات المسلمة المعتدلة على بذل مزيد من الجهد للتصدي إلى التطرف. وقال بلير أمام لجنة برلمانية "الحكومة لا تستطيع استئصال آفة التطرف في هذه الجاليات... لست أنا من سيذهب إلى الجالية المسلمة ويشرح لأعضائها أن هذه النظرة المتطرفة لا تعبر عن الوجه الحقيقي للإسلام". من جانب آخر دافع رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، عن سجله في مكافحة التطرف في صفوف مسلمي بريطانيا، مؤكدا أن الإرهاب الناشئ في بريطانيا لا يزال يشكل تهديدا وأن الحكومة لا تستطيع هزيمة التطرف الإسلامي وحدها.