كلمة يوخن فيغنر عن منح رائف بدوي جائزة "حرية التعبير"
٢٣ يونيو ٢٠١٥السيدات المحترمات، السادة المحترمون،
ربما تكون جائزة "حرية التعبير" التي مُنِحت لرائف بدوي، هي أهم جائزة منحتها لجنة مسابقة "البوبز" على الإطلاق، ولكن من المؤكد أن تسليم هذه الجائزة هي إحدى أكثر اللحظات حزناً حتى الآن. فرائف بدوي ليس بإمكانه أن يكون بيننا اليوم ليتسلم الجائزة بنفسه، ببساطة لأنه يقبع في المعتقلات السعودية منذ ثلاث سنوات، ليس لشيء إلا لأنه كان يدير موقعاً على الإنترنت "يخالف فيه التعاليم الإسلامية ويروج للأفكار الليبرالية"، حسب معتقليه.
وبعد تأكيد الحكم الصادر بحقه، عليه الآن تحمل ألف جلدة، الأمر الذي قد يودي بحياته تحت التعذيب.
كما أن زوجته إنصاف حيدر، هذه المرأة التي تجابه هذه المحنة برباطة جأش وقوة فريدتين، لم تتمكن هي الأخرى ـ كما كان مخططاً ـ أن تكون بيننا اليوم، لأنها تكمل رسالة زوجها بالحفاظ على صغارهما الثلاث في بلد المنفى بكندا، وعليها أولاً أن تستعيد قواها لتحمل هذه الظروف.
نعم، هذه الجائزة ربما تكون أهم جائزة مُنِحت في تاريخ مسابقة "البوبز" على الإطلاق، إنها مهمة لرائف بدوي وأسرته التي تحتاج الآن كل دعم يمكن أن نقدمه لها.
مشهد يستحق كل التقدير، فحتى هذا اليوم ضرب رائف بدوي وزوجته مثلاً بتقديمهما المصلحة العامة على مصلحتهم الشخصية من خلال الدفاع عن حق بديهي لكل إنسان على وجه هذه الأرض ـ الحق في التعبير عن الرأي بكل حرية وأمان.
رائف بدوي لا يطالب بحرية التعبير فقط، وإنما بإبقاء الدين بعيدا عن إدارة شؤون الحكم والدولة، هذا الرأي الذي عبر عنه رائف علانية وبكل شجاعة رغم اختلافه عن رأي غالبية السعوديين.
مُنع رائف من العمل الصحافي فوجد ضالته في الإنترنت حيث واصل الكتابة والتعبير عن آرائه، وقام عام 2008 بتأسيس موقع "الليبراليون السعوديون"، حيث أراد أن يتيح المجال للآخرين ليعبروا عن رأيهم بحرية.
وفي نفس العام اعتقل لأول مرة، وتم التحقيق معه بشبهة "الردة"، والردة في الإسلام عقوبتها الإعدام. صحيح أنه تم إطلاق سراحه فيما بعد، لكن بعد بضعة أشهر منعته السلطات من مغادرة البلاد وجمدت كل حساباته.
وواصل رائف بدوي الكتابة، ولعلمه أن هذه الطريق شائكة ومليئة بالمخاطر وبعد تهديد زوجته هاتفياً طلب منها أن تلجأ مع أطفالهما إلى كندا. هنا تجدر الإشارة إلى أن مدينة كيبك الكندية منحت أسرته حق اللجوء، وقبل فترة عرضت اللجوء على رائف بدوي أيضا بشكل علني. إنه لفخر لكندا أن تقوم بهذا العمل.
أتمنى من كل الدول الأوروبية التي لا تتوانى عن الحديث عن قضايا اللجوء في اجتماعاتها وأدبياتها أن تقدم مثالاً مشرقاً وأن تتنافس مع كندا في عرض حق اللجوء لرائف وأمثاله، لا أن تتنافس مع غيرها من الدول في تصدير الأسلحة لشريكتنا المملكة العربية السعودية.
وإضافة إلى ذلك أتمنى ألا تجعل ألمانيا من نفسها مأموراً لحكومات مثيرة للجدل، وتعتقل من أجلها الصحفيين، كما حدث مؤخراً مع الزميل المحترم أحمد منصور، الذي أُطلق سراحه لحسن الحظ.
رائف بدوي في السجن، رائف يكتب ويكتب حتى اليوم.
من سجنه أملى على زوجته مقدمة كتابه الذي يتضمن مختارات من تدويناته والذي تم نشره مؤخراً في ألمانيا.
يكتب بدوي عن دوافعه: "لقد حاولت هدم جدران الجهل، وتحطيم قداسة رجال الدين، ونشر شيء من التعددية واحترام قيم مثل حرية التعبير وحقوق المرأة وحقوق الأقليات والمعدمين في العربية السعودية".
مسموح له بالاتصال هاتفياً بزوجته مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعياً، وستخبره عن هذه الجائزة. كم هو ملهم لنا ونحن نشاركه مصيره، كما أن دعمنا مهم له بالطبع ولكنه مهم لنا أيضاً.
فمن ناحية، أزال رائف بدوي جزءا من الغشاوة عن أعيننا. قصته الغريبة وضَّحت لنا ظروف الحياة غير المعقولة في السعودية، كما لم يحدث من قبل، وكذلك الظروف غير المعقولة في أماكن أخرى من العالم.
منذ سنوات والعربية السعودية تتمتع بصفة الحليف الاستراتيجي المهم للغرب. لكن هناك انتهاكات لحقوق الإنسان وازدياد في عدد الضحايا، وهناك الشرطة الدينية، وأحكام الشريعة، وتمويل ضخم للتطرف الذي يُصدّر لبلاد أخرى، ويشكل دعامة مهمة لتنظيم "الدولة الإسلامية".
نادراً ما أصبح فُصَام العربية السعودية واضحاً بهذا الشكل كما حدث في التاسع من يناير/ كانون الثاني حين تم تنفيذ الخمسين جلدة الأولى من عقوبة رائف بدوي لنشره الأفكار الليبرالية في الإنترنت.
قبل جلده بيومين قام معتدون يدّعون الإسلام بقتل العديد من محرري صحيفة شارلي إيبدو لنشرها رسومات كاريكاتورية ليبرالية. وبعد يومين من الجلد شارك ممثلو الحكومة السعودية في شوارع باريس في مظاهرة من أجل حرية التعبير. نادراً ما كان فُصَام العربية السعودية أوضح من ذلك.
"يكفي مزاحاً" هكذا كتبت إحدى الصحف الألمانية حول الوضع في العربية السعودية. فالوجه المعلن لحليفنا الاستراتيجي كان خادعاً لفترة طويلة، أما نظام الحكم الذي يخفيه تحته فقديم ومليء بالأخطاء، ويجب تجديده.
رائف بدوي مهم بالنسبة إلينا، لأنه من ناحية أوضح لنا الفُصَام الموجود في بلده؛ ومن ناحية أخرى مهم لأنه يعتبر قدوة لنا جميعاً.
أنا لست شارلي.
ولست رائف بدوي أيضاً.
يمكن القول، إن رائف بدوي خاطر مع كل تدوينة أكثر مما خاطره أغلب الصحافيين الغربيين طوال حياتهم المهنية. لكنني سأحاول أن أجعل الشجاعة التي أظهرها رائف بدوي مثالاً لي. أتمنى أن يحاكي الكثير من الصحافيين والنشطاء هذا المثال وألا يكفوا عن الدفاع عن حق حرية التعبير.
في التاسع من يناير/ كانون الثاني تم تنفيذ أول 50 جلدة بشكل علني في ساحة أمام مسجد الجفالي في جدة. تنفيذ باقي الجلدات تم تأجيله حتى الآن بسبب سوء الحالة الصحية لرائف بدوي. ونأمل أن يساهم الاهتمام العالمي الكبير في إلغاء باقي العقوبة.
هناك الكثير من الذين يدعمون رائف بدوي، ففي ألمانيا وفرنسا وروسيا وتونس وهولندا والولايات المتحدة يتظاهر الناس من أجله. وقد كتب 130 نائباً في البرلمان الأوروبي رسالة للعاهل السعودي الملك سلمان، وكذلك يدعمه 18 من حاملي جائزة نوبل والكثير من رؤساء الدول والحكومات والمستشارة أنغيلا ميركل أيضاً.
خصوصاً في حالة رائف بدوي، هذا الدعم مهم، حيث هناك في السعودية كثيرون يؤيدون عقوبته هذه ومن بينهم والده أيضاً. وعائلة زوجته قدمت طلباً إلزامياً بتطليقها منه لاتهامه بالردة. لقد صاح المتفرجون "الله أكبر" حين تم جلده وخارت قواه.
وحده الملك سلمان يستطيع منح رائف بدوي العفو، ونتمنى أن يظهر هذه الرحمة.
أحب أن أختم بالتدوينة الأخيرة لرائف بدوي، وهو اقتباس من ألبير كامو:
"الطريقة الوحيدة للتعامل مع عالم غير حر هي أن تصبح حراً تماماً مما يجعل وجودك فعل تمرد".
السيدات المحترمات، السادة المحترمون، هذه أهم جائزة منحتها لجنة "البوبز" حتى الآن.
رائف بدوي، إنه لشرف لي أن أمنحك جائزة "حرية التعبير".
وآمل أن تحملها في يديك قريباً جداً.
يوخن فيغنر، رئيس تحرير موقع تسايت أونلاين