"ربيع" سياحي في البلدان العربية بعد "خريف" ثوراتها؟
١٤ يوليو ٢٠١٧تشكل السياحة في العديد من الدول العربية قطاعاً هاماً يرفد اقتصاداتها، لاسيما تلك الدول التي لا تمتلك موارد طبيعية كبيرة. ولسنوات عديدة كانت حركة السياحة العالمية عامة، والألمانية خاصة، حثيثة على هذه الدول، لاسيما مصر وتونس والمغرب. إلا أن الثورات العربية وحالة انعدام الاستقرار التي يمرّ بها العالم العربي منذ 2011 أثرت بشكل كبير على تدفق السياح.
إلى ذلك، فإن تنامي خطر الإرهاب بعد ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وفروعه في عدة دول أضاف إلى حالة التراجع التي يشهدها القطاع السياحي العربي منذ نحو سبع سنوات، ربما باستثناء دولتين خليجيتين هما الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عٌمان، اللتان لم تشهدا حتى اللحظة اعتداءات إرهابية.
لذلك، يحاول بعض هذه الدول تفادي أن يصل الوضع إلى حد انقطاع تام للسياحة عن طريق حملات لتشجيع السياحة، سواءاً الدولية أو العربية، وذلك إما من خلال طرح عروض مغرية بأسعار منافسة أو من خلال عرض جهود السلطات في ضمان الأمن والأمان، خاصة في المناطق السياحية.
ألمانيا والسياحة في الدول العربية
يعتبر الألمان أكثر الشعوب التي تسافر في إجازات على مستوى العالم، إذ وفقاً لمجمع أبحاث السياحة والسفر في ألمانيا، أنفق الألمان نحو 87 مليار يورو عام 2016 على الإجازات. كما أنهم لا يلتزمون بمناطق معينة في سفرهم. إذاً، لا عجب أن يجد المسافر سائحاً ألمانياً على الأقل في أي بقعة حول العالم، وهو ما يفسر أيضاً المصادفات المؤسفة التي توقع ضحايا ألمان في معظم الاعتداءات الإرهابية التي تطال مزارات سياحية حول العالم.
الدول العربية، وخمس منها تحديداً، كانت – وما زالت إلى حد ما – تلقى إقبالاً من الألمان عليها، لما تتمتع به من شواطئ ومناطق طبيعية وحُسن ضيافة سكانها، بالإضافة إلى تكلفة السفر والإقامة المنخفضة بسبب فارق العملات.
لكن انعدام الاستقرار الأمني والسياسي في تلك الدول أدى إلى تراجع السياحة الألمانية في تلك الدول، لاسيما بعد أن أرفقت وزارة الخارجية الألمانية عدداً من تحذيرات السفر إلى تلك الدول بداعي التهديدات الإرهابية والقلاقل السياسية والاجتماعية أو ارتفعال معدلات الجريمة تجاه الأجانب.
نمو السياحة الألمانية في مصر
يقول أحمد الخطيب، مدير إحدى الشركات السياحية المصرية التي تعمل على استقطاب السياح الألمان، لـDW عربية إن السياحة الألمانية باتت أكثر أهمية من ذي قبل بالنسبة لمصر، خاصة بعد تراجع السياح الروس والبريطانيين – الذين كانوا الأكثر توافداً على مصر – في أعقاب كارثة تحطم طائرة روسية خارج مدينة شرم الشيخ في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، والتي راح ضحيتها 224 شخصاً.
ويتابع الخطيب بالقول: "السوق الألماني يمثل حالياً نسبة 70 في المائة من الإشغال فى الفنادق مقارنة بموسم 2016. كما تضاعف عدد الطائرات القادمة من ألمانيا إلى مدينتي الغردقه ومرسى علم، ومن المتوقع زيادة هذا الرقم مرة أخرى بحلول شهر نوفمبر/ تشرين الثاني".
هذا ويلفت ريمون صموئيل نجيب، مدير دائرة المبيعات بمصر لسلسلة فنادق عالمية، النظر إلى سبب آخر مسكوت عنه ولكنه يساهم في عودة السياح الألمان إلى مصر، ألا وهو "ترسخ عقيدة قلة الأمان في دول العالم بعدما انتشرت العمليات الإرهابية في أنحائه، وآخرها فرنسا. كما أن الاعتداءات الإرهابية طالت ألمانيا أيضاً مؤخراً".
يضاف إلى هذا كله الجهود التي تبذلها الحكومة المصرية لترويج السياحة، سواءاً بالمشاركة في المعارض الدولية المختصة بالقطاع السياحي، أو الاستعانة بنجوم رياضيين وممثلين عالميين في إعلانات تشجيع السياحة، أو حتى دعوة قادة عالميين إلى مصر والاجتماع بهم في منتجعات ومناطق سياحية، مثل زيارة المستشارة أنغيلا ميركل الأخيرة وزيارة بابا الكنيسة الكاثوليكية فرنسيس.
كما أن العامل الاقتصادي يلعب دوراً هاماً في عودة السياح إلى مصر، لاسيما بعد انخفاض الجنيه المصري أمام بقية العملات الدولية، وخاصة اليورو، في الأشهر الماضية، ما ساهم في تخفيض أسعار الرحلات والعروض السياحية إلى مصر بشكل كبير ومغر للسائح الألماني.
تونس: مدّ وجزر السياحة العالمية
من مصر إلى تونس، هذا البلد العربي الصغير ولكنه يتمتع بأهمية خاصة في السوق السياحية الألمانية، إذ يسمح موقعه الجغرافي القريب من القارة الأوروبية، بالإضافة إلى مجتمعه المتحرر وبنيته السياحية التحتية المتطورة، باستقدام أعداد كبيرة من السياح الأجانب سنوياً، ما أكسب قطاع السياحة في تونس مكانة هامة انعكست في تشكيله نحو سبعة في المائة من صافي الناتج القومي للبلاد.
لكن تونس تعرضت في الآونة الماضية إلى سلسلة اعتداءات إرهابية جعلت السياحة الأجنبية تجفل وتقلع عن المجيء، مثل الهجوم على متحف باردو عام 2015، والذي أوقع 21 قتيلاً من السياح الأجانب، تلاه هجوم إرهابي على فندق بمنطقة سوسة السياحية في نفس العام خلّف 40 قتيلاً.
هذه الهجمات المتتابعة أثرت بشكل كبير على قطاع السياحة في تونس، وكادت السياحة أن تنقطع تماماً عن هذا البلد ذي الموارد المتواضعة، لولا أن فاجأ السياح الروس تونس بتدفق قوي في العام الذي تلا الهجمات، إذ ازداد عددهم من 40 ألفاً عام 2015 إلى 620 ألفاً عام 2016.
الألمان وتونس: علاقة سياحية قديمة
سبق للكثير من الألمان وأن قاموا بقضاء إجازاتهم في تونس لمرة واحدة على الأقل. ولهذا فإن لتونس مكانة خاصة بالنسبة للألمان. ويفيد المتحدث الإعلامي لوزارة السياحة التونسية، زبير الجبابلي، لـDW عربية بأن عدد السياح الألمان وحدهم وصل إلى نصف مليون سائح قبل ثورة الياسمين عام 2011. لكن هذا العدد انخفض بمقدار النصف بعد الثورة، وبشكل أكبر بعد هجومي باردو وسوسة عام 2015.
غير أن الجبابلي أكد أن "عدد السياح الألمان بلغ خلال النصف الأول من العام الحالي 60 ألف سائح فقط. لكنه سجل ارتفاعاً مقارنة بنفس الفترة من عام 2016، حيث بلغ 44 ألفاً".
أما رضوان بن صالح، رئيس اتحاد النزل (الفنادق) التونسي، فيعتقد في حديثه مع DW عربية أن الوضع السياحي لن يعود إلى ما كان عليه سابقاً في المستقبل القريب على الأقل، مشيراً إلى أن وكالات السياحة والسفر الألمانية ما تزال تتجنب تسيير رحلات كبيرة إلى تونس بسبب استمرار المخاوف من الوضع الأمني ومن عودة الإرهاب. لكنه أعرب عن تفاؤله بأن "اتفاق السماوات المفتوحة مع الاتحاد الأوروبي في مطلع عام 2018 قد يحل جزءاً كبيراً من معضلة الرحلات المنتظمة والمكثفة نحو تونس، ما يعود بالنفع على القطاع السياحي ويقدم خيارات أوسع للسياح بما فيهم الألمان".
الأردن والمغرب
الدول الثلاث الأخرى التي يُقبل عليها السياح الألمان هي الأردن والمغرب والإمارات. لم تعان المغرب أو الإمارات – وخصوصاً دبي – من تراجع في أعداد السياح الأجانب والألمان، بل في حقيقة الأمر، استفاد المغرب من تراجع السياحة في دول مثل مصر وتونس، ذلك أن السياح انتقلوا إلى المغرب كوجهة بديلة، وذلك بسبب التشابه في المناخ والبنية التحتية للسياحة وطبائع السكان.
أضف إلى ذلك التعاون الوثيق بين المغرب وعدد من الدول الأوروبية، ومن بينها ألمانيا، في مجالات تشجيع السياحة، وتوقيع عدد من الاتفاقيات مع شركات سياحية ألمانية كبيرة لتسيير رحلات إلى الوجهات المغربية المفضلة لدى الألمان، لاسيما مدينتي أغادير ومراكش.
يذكر أن نسبة السياح الألمان القادمين إلى المغرب ارتفع بنسبة 14 في المائة عام 2015، وربما يرتبط ذلك بالاعتداءات الإرهابية في تونس في ذات العام، والتي أدت إلى تراجع هائل في السياحة الأجنبية هناك.
وفيما يتعلق بالأردن، الوجهة المفاجئة التي باتت تحظى باهتمام السياح الألمان مؤخراً، فرغم أن عدد السياح الألمان القادمين إليها ما يزال منخفضاً نسبياً مقارنة بوجهات سياحية عربية أخرى، إلا أن الاستقرار النسبي والجو المعتدل صيفاً، بالإضافة إلى الآثار الفريدة من نوعها – كالبتراء – والمواقع الدينية الهامة للمسيحية تشكل عامل جذب للسياح الألمان.
لكن موقع الأردن بين عدد من مناطق الصراع الساخنة في الشرق الأوسط (العراق وسوريا وفلسطين) يزيد من صعوبة حملات تنشيط السياحة هناك، إضافة إلى كونه لا يتمتع بمنافذ بحرية كبيرة وشواطئ شاسعة كدول عربية أخرى تتصدره في القائمة. إلا أن المسؤولين الأردنيين يأملون في تزايد عدد السياح الأجانب، وخاصة الألمان، بفعل الاستقرار النسبي الذي تشهده المملكة مؤخراً، يُستثنى من ذلك المنطقتين الحدوديتين مع العراق وسوريا.
الإمارات – "رب ضارة نافعة"؟
تعتبر الإمارات العربية المتحدة من الوجهات الخليجية الأولى للسياح الأجانب والألمان على حد سواء، وخاصة مدينة دبي التي تحظى بشهرة عالمية حالياً، وذلك لأسباب لا تجهلها الغالبية. فبالإضافة إلى التطور العمراني والتكنولوجي الذي يضاهي عواصم غربية، تزخر مدن إماراتية مثل دبي وأبو ظبي والعين بالعديد من النشاطات السياحية، من شواطئ ورحلات تخييم في الصحراء، مروراً بأطول برج في العالم (برج خليفة) وعدد من المتنزهات المائية والحدائق والمتاحف ومراكز التسوق.
كل هذا يعززه استقرار سياسي وأمني مستمر منذ سنوات، الأمر الذي أدى إلى ازدياد أعداد السياح الألمان، لاسيما أولئك الذين يقومون برحلات سياحية بالسفن العملاقة في فصل الشتاء.
دبي تعدّ أيضاً من بين "الفائزين" بسباق السياحة في العالم العربي، لاسيما وأن الثورات العربية لم تطال الإمارات، ما عزز من ثقة السياح فيها ودفع بأرقام السائحين ونسب إشغال الفنادق فيها إلى الأعلى طوال السنوات الماضية.
المحصلة
مع التراجع الملحوظ الذي يشهده تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في كل من العراق وسوريا، وتباعد وتيرة الهجمات الانتحارية في بقية الدول العربية التي عانت من الإرهاب في السنوات القليلة الماضية، بدأ القائمون على قطاع السياحة في تلك الدول يشهدون انتعاشاً نسبياً في أعداد السياح الأجانب والألمان الذين يختارون العالم العربي هدفاً لإجازاتهم المقبلة.
كما أن الحملات الترويجية التي تنظمها دول عربية لإنعاش السياحة، مقرونة بالاهتمام الإعلامي الكبير التي تحظى به الدول العربية مؤخراً – للأسباب الخاطئة للأسف – أثار فضول الكثيرين لزيارة تلك الدول وتجربة الأجواء والثقافة ربما لأول مرة.
لذلك، ينصح خبراء في التنشيط السياحي بالانتظار ومراقبة التطورات السياسية في الدول العربية قبل إصدار أي أحكام مطلقة على القطاع السياحي العربي. أما بالنسبة لكثير من الألمان، فيبقى التوجّس والحذر سيد الموقف، والكثير منهم يفضل ألا يخاطر ويقضي الإجازة في دولة مستقبلها مهدد في أي لحظة.
ياسر أبو معيلق/ م.ه/ ط.ق