رخيصة ونظيفة.. ماذا يعيق استغلال حرارة الأرض لتوليد الطاقة؟
١٦ يناير ٢٠٢٣تصل درجة الحرارة عند النواة الداخلية للأرض إلى 6 آلاف درجة مئوية في معدل يقترب من درجة حرارة سطح الشمس. وتصل درجة الحرارة على عمق ما بين ألفين إلى خمسة آلاف متر من سطح الأرض إلى ما بين 60 إلى 200 درجة مئوية فيما تصل درجة حرارة السطح في المناطق البركانية إلى 400 درجة مئوية.
ويزخر هذا الكم الكبير من الحرارة بكونه مصدرا محتملا للطاقة، وهو الأمر الذي استغله الإنسان منذ زمن بعيد. إذ قام الرومان ممن كانوا يعيشون في مدن غرب ألمانيا مثل آخن وفيسبادن خلال القرن الأول الميلادي بتدفئة منازلهم وحماماتهم عن طريق مياه الينابيع الحارة.
وفي نيوزيلندا، استخدم شعب الماوري حرارة جوف الأرض لطهي الطعام، وحتى في عام 1904 جرى استغلال الطاقة الحرارية الجوفية لتوليد الكهرباء في قرية لارديريلو بوسط إيطاليا.
وفي الوقت الحالي، هناك قرابة 400 محطة في ثلاثين دولة تنتج قدرات كهربائية تبلغ 16 غيغاواط باستخدام البخار الناجم عن حرارة باطن الأرض. وتعد هذه الطريقة هامة لتوليد الكهرباء خاصة في المناطق البركانية على طول منطقة الحزام الناري في المحيط الهادئ بما في ذلك الولايات المتحدة والمكسيك والسلفادور وآيسلندا وتركيا وكينيا وإندونيسيا والفلبين ونيوزيلندا. وتمثل الكهرباء الناجمة عن الطاقة الحرارية الجوفية نسبة لا تتجاوز 0,5 بالمائة من نسبة توليد الكهرباء على مستوى العالم.
توافر الطاقة الحرارية الجوفية
وفي سائر بلدان العالم، يجرى استخدام الطاقة الحرارية الجوفيةبشكل أساسي من أجل تدفئة حمامات السباحة والمباني والمدافئ الزراعية وأنظمة التدفئة في المدن والمناطق الحضرية.
يشار إلى درجة حرارة مياه الآبار على عمق أكثر من خمسة آلاف متر تبلغ قرابة 200 درجة مئوية، فيما يتم بعد ذلك استخراج الحرارة ومن ثم ضخ المياه الباردة مرة أخرى إلى باطن الأرض من خلال حفرة أخرى.
وقد أفاد تقرير الحالة العالمية لمصادر الطاقة المتجدّدة بأن القدرة المركبة لمحطات الطاقة الحرارية الجوفية تصل في الوقت الحالي إلى 38 غيغاواط في جميع أنحاء العالم أي أكثر من ضعف قدرة محطات الطاقة الحرارية الجوفية التي تولد الكهرباء.
وتعد الصين وتركيا وآيسلندا واليابان من البلدان الرائدة في توليد الكهرباء من الطاقة الحرارية الجوفية إذ تنتج 14 غيغاواط و3 غيغاواط و2 غيغاواط و 2 غيغاواط على التوالي.
وفي ألمانيا، تستخدم مدينة ميونيخ الطاقة الحرارية الجوفية في التدفئة، حيث تضع سلطات المدينة هذا المصدر من الطاقة غير المكلف ضمن خطواتها للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2035. وبشكل عام، تسعى الحكومة الألمانية إلى تطوير استغلال الطاقة الحرارية الجوفية من أجل الوصول إلى الحياد الكربوني على مستوى البلاد بحلول عام 2045.
وقد ذكرت دراسات عديدة أنه يمكن أن تولد الطاقة الحرارية الجوفية حوالي 300 تيرا وات ساعة من الحرارة سنويا من قدرة مركبة تبلغ 70 غيغاواط أي ما يعادل نصف الطلب الذي تحتاجه المنازل في المستقبل للتدفئة.
المضخات الحرارية لتوليد الطاقة من جوف الأرض
يشار إلى أنه يجرى استغلال الطاقة الحرارية الجوفية بشكل متزايد من مصادر قريبة من سطح الأرض عن طريق مضخات حرارية. وبشكل مبسط، فإنه في الآبار على عمق ما بين 50 إلى 400 متر، تحمل منظومة أنابيب مغلقة المياه من السطح إلى جوف الأرض ثم تعود مرة أخرى لتتم عملية تسخين إلى ما بين 10 إلى 20 درجة مئوية. وبعد ذلك، تقوم المضخة الحرارية بسحب المياه التي تبلغ درجة حرارتها ما بين 30 إلى 70 درجة مئوية من أجل تدفئة المباني.
ويعتقد الباحثون في ألمانيا أن استخدام هذه التقنية يمكن أن توفر إمكانات للتدفئة مماثلة لما يُنتج عن الطاقة الحرارية الجوفية، ما يعني إمكانية أن تلبي هاتان التقنيتان الطلب المستقبلي على تدفئة المباني بشكل كامل.
ماذا عن التكلفة؟
لكن ماذا عن تكلفة استغلال وتوليد الطاقة من الطاقة الحرارية الجوفية؟ ذكرت ستة معاهد بحثية في ألمانيا أن توليد الحرارة أو التدفئة باستخدام الطاقة الحرارية الجوفية يكلف أقل من ثلاثة سنتات يورو للكيلو واط ساعي.
الجدير بالذكر أنه قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، كان استخدام الغاز الطبيعي للتدفئة في ألمانيا بسعر أرخص مقارنة بمناطق أخرى في أوروبا، وهو الأمر الذي جعل ضخ استثمارات في مجال بناء محطات طاقة حرارية جوفية بالأمر غير المستحسن.
بيد أنه عقب الحرب الروسية، ارتفع سعر الغاز إلى أكثر من 12 سنتا للكيلو واط ساعي، وهو الأمر الذي دفع إلى التركيز مجددا على استغلال الطاقة الحرارية الجوفية.
هل بمقدور الطاقة الحرارية الجوفية تدفئة المنازل؟
في ضوء هذه المعطيات، هل يمكن أن تعمل الطاقة الناجمة عن استغلال الطاقة الحرارية الجوفيةعلى تدفئة المنازل في جميع أنحاء العالم؟
قد تكون الإجابة على هذا التساؤل بـ "لا"، لكن يمكن تدفئة مباني العالم من خلال استغلال الإمكانات غير المحدودة للطاقة الحرارية الأرضية سواء من جوف الأرض أو من الطبقات القريبة من سطح الأرض.
بيد أن المجالات الصناعية تتطلب أحيانا درجات حرارة قد تصل إلى أكثر من 200 درجة مئوية، وهو الأمر الذي من غير المحتمل تلبيته باستخدام الطاقة الحرارية الأرضية، لذا فإن استخدام الكهرباء والغاز الحيوي والكتلة الحيوية والهيدروجين الأخضر تعد البدائل الصديقة للبيئة في هذه الحالة.
ماذا عن سرعة توليد الكهرباء من الطاقة الحرارية الجوفية؟
الجديد بالذكر أن صناعات النفط والغاز قد ساعدت في معرفة الكثير عن ما يزخر به باطن الأرض، فضلا عن تطوير تقنيات الحفر وتدريب الأفراد وغيره من خبرات ذات صلة.
بدوره، يرى البروفيسور رولف براك، رئيس معهد فراونهوفر للبنية التحتية للطاقة والطاقة الحرارية الأرضية، إمكانية تطوير مجال استغلال الطاقة الحرارية الجوفية بوتيرة سريعة في حالة "توجيه صناعات النفط والغاز الانتباه إلى هذا المجال".
وقال في مقابلة مع DWإنه "في حالة استمرار تركيز هذه الشركات على إنتاج النفط والغاز بسبب المكاسب المالية، فلن يكون هناك عدد كافٍ من الموظفين أو حتى تقنيات الحفر من أجل توسيع تسخير الطاقة الحرارية الجوفية". وأضاف بأن " تطوير مصادر الحرارة الجوفية يستغرق فترة تتراوح ما بين سنتين إلى ثلاث سنوات بعد الحصول على الضوء الأخضر، لكن الأمر قد يتجاوز ذلك في حالة ألمانيا نظرا للبيروقراطية."
لكن الحكومة الألمانية في الوقت الحالي ترغب في تسريع هذه العملية بهدف رفع إنتاج الطاقة الحرارية بمعدل عشرة أضعاف المعدل الحالي البالغ تيراواط واحد وذلك بحلول عام 2030.
هل هناك مخاطر؟
لكن ثمة تساؤلات حول ما إذا كان توسيع استغلال الطاقة الحرارية الجوفية قد يحمل في طياته مخاطر مثل حدوث هزات أرضية.
تأتي الإجابة على هذا التساؤل بنعم! خاصة في المناطق ذات النشاط الزلزالي. إذ يمكن أن يؤدي استغلال الطاقة الحرارية الأرضية إلى حدوث هزات أرضية صغيرة عندما يتم حقن المياه في باطن الأرض عند معدلات ضغط مرتفعة، حيث يمكن أن ينجم عن ذلك ضغط عامودي. وقد أدت بالفعل مثل هذه الهزات إلى تصدعات في بعض المباني. وهذا ما أدى إلى معارضة من السكان ضد تسخير الطاقة الحرارية الجوفية.
بيد أن البروفسور رولف براك يقول إنه لم ترد تقارير حيال حدوث هزات أرضية في مناطق لم تتعرض في السابق لإجهادات وضغوط أرضية، مضيفا أنه جرى تحسين تقنيات الطاقة الحرارية الأرضية.
لكنه يشدد على أنه بالنظر إلى المخاطر الناجمة عن استخراج النفط والغاز والفحم، فإن الطاقة الحرارية الجوفية تعد أقل خطورة بكثير وهو الأمر الذي دفعه إلى اعتبار الطاقة الحرارية الجوفية "المصدر الأكثر أمانا للطاقة على كوكبنا".
جيرو رويتر / م ع