رشا حلوة: الرقص ليس جريمة.. قمع النساء وأجسادهن هو الجريمة
١١ يوليو ٢٠١٨قبل أيام، اعتقلت السلطات الإيرانية الفتاة مائدة حجابري (19 عامًا)، بعد أن نشرت فيديوهات لنفسها وهي ترقص على أغانٍ إيرانية وغيرها، عبر حسابها الخاصّ على تطبيق "انستغرام". فورًا، لاقى اعتقالها ضجة كبيرة عبر منصات رقمية، وتضمنت الحملة التي سُميّت بـ "الرقص ليس جريمة"، وكذلك "ارقص كي نرقص" على فيديوهات رقص وتدوينات تضامن من إيرانيات وإيرانيين، إلى جانب نشاطات في العالم، منها في لندن، حيث قامت مجموعة من النساء بالرقص على أحد أرصفة الشوارع تضامنًا معها.
لم تكتفِ السلطات الإيرانية، التي تضع قيودًا حازمة على حضور النساء وأجسادهن في الفضاءات العامّة، خاصّة على الزيّ، بأن تعتقل مائدة حجابري، بل فرضت عليها الاعتراف بـ "جريمة الرقص" عبر قناة تلفاز إيرانية عامّة وهي تبكي وتقول بأنها "لم تكن تنوي نشر مقاطع لا أخلاقية".
في حديث مع ناشطة إيرانية في مجال حقوق النساء، مقيمة في برلين، عن قضية مائدة، قالت: "في حالة مائدة حجاري، نجد أكثر من أداء قمعي يومي ضد النساء، إنه فعل جريمة من قبل الحكومة. لو كانت رجلًا، لما حدث ذلك. تصنع الجمهورية الإسلامية من جسد المرأة ساحة معركة، تقمع النساء من أجل السيطرة على المجتمع، ودائمًا ما تربط الجمهورية أعمالها القمعية بالإسلام. لذلك نرى بوضوح أن المجتمع غير متوازن"، وتتابع: "منصات الإعلام الاجتماعي التي استخدمتها مائدة لمشاركة رقصها، الآن تُستخدم من قبل الكثير من الإيرانيات والإيرانيين للتعبير عن تضامنهم/ن معها، كواحدة من نساء كثيرات يحاربن على حقوقهن ويحاولن تحرير أجسادهن وعقولهن المعتقلة من قبل الحكومة. الناس تريد أن تتنفس!".
اعتقال نساء يرقصن أو راقصات، ليس احتكارًا على السلطات الإيرانية، فإن الاعتقالات وممارسة القمع حدثت وتحدث في دول عربية عديدة، على يد سلطات سياسية أو اجتماعية (متمثلة بالقمع العائلي والعقليات الذكورية). ففي مصر، كان قد ألقي القبض على الفنانة "شيما" بعد صدور أغنية "عندي ظروف" عام 2017 واتهامها "بإثاراتها الغرائز الجنسية"، وفي السعودية، كانت قد ألقت السلطات القبض على شاب وفتاة سعوديين في شباط/ فبراير 2018، بعد أن ظهرا في فيديو مصوّر وهما يرقصان في شارع عامّ.
هذا القمع تجاه المرأة وجسدها، والأجساد عمومًا، يتجسّد في محافل عديدة، فمن القصص الشبيهة والمتعددة التي حصلت في الدول العربية، ففي مصر، كانت قد تعرضت هبة (اسم مستعار)، وهي مدرّبة رقص شرقي، إلى تحقيق من قبل إدارة الجامعة التي تدرس فيها، وذلك بعد أن نشرت عبر فيسبوك إعلانًا عن ورشة علاج بالرقص الشرقي، وانتشر الإعلان بسرعة، فتم استدعائها للتحقيق، لأن "مضمون الإعلان مخالف للأعراف الجامعية". في حديث خاصّ مع هبة، قالت: "في الوصف، كنت قد كتبت جملة السماح للسيدات بالتعبير عن أجسادهن بحرية دون تهميش"، وتتابع: "أكثر ما فكرت به هو ماذا كان ليحصل لو أن رجلًا نظّم هذا النشاط وكان جمهور الهدف رجال فقط، لن يحصل شيئًا بالطبع".
في حديثها عن أهمية الرقص الشرقي، تقول هبة: "لأنه أوصلني بنفسي"، وعن محاربته من قبل سلطات سياسية واجتماعية أيضًا، تقول: "هي ليست حربًا ضد الرقص بقدر ما هي حربًا ضد كل ما هو متعلّق بأجساد النساء، كأن هذا الجسم متاح لنا فقط استخدامه بشكل خاصّ، لكن عندما يتصدّر للمجال العامّ، تشتعل الحرب".
مع وجود المنصات الرقمية بكثرة في حياتنا، واستخدامنا الخاص لها ومشاركتنا لأيامنا وتفاصيلها عبرها، وفي مجتمعات تحضر فيها ثقافة الرقص بقوة، سواء الرقص الشرقي أو غيره من أنواع الرقص الذي يتقنها الشباب والشابات اليوم بالتواصل مع أنواع موسيقية عديدة في العالم، تشارك نساء مقاطع مصوّرة لها وهي ترقص، وبالنسبة لي، عندما أشاهد هذه المقاطع، أرى ملامح قوة نسائية، أرى نساء يتصرفن بحرية مع أجسادهن وكما يشأن، بلا أن يتدخل بهذه المساحة أحد.
من هذه النساء، سماهر (اسم مستعار)، من السعودية، تحدثت معها عن قضية الفتاة الإيرانية، مائدة حجابري، وقالت: "القضية سخيفة، هزة خصر بنت تستفز أمن الدولة؟ يؤكد لي هذا النوع من القضايا المؤلمة، الفكر الضئيل والسخيف الذي تتبناه مجتمعاتنا الشرقية. الرقص بالنسبة لي هي وسيلة تعبيرية، بعض الفيديوهات كنت أبكي فيها، والبعض الآخر كنت سعيدة. أنا فقط أشارك أصدقائي وبعض أفراد الأسرة بهذه النسخة عني"، وفي إجابة عن السؤال حول هل من قلق أو خوف تعيشه إثر نشرها لفيديوهات وهي ترقص، تقول: "بالطبع هناك خوف، حسابي على الانستغرام هو خاص، وأظن أني بسلام طالما لم أثر رأي العامّة. أما بالنسبة للنقد، فأنا متهمة بالجنون والتهوّر، هذا ما يمكن لمن أعرفهم أن يصرحوا به في حضرتي".
إن تاريخ الرقص في الحضارة الفارسية يعود إلى آلاف السنين، هو فنّ كباقي الفنون، وكذلك ظاهرة اجتماعية تُمارس بشكل فردي أو جماعي، لا تختلف هذه الحقيقة عن حضور الرقص في الثقافات العربية أيضًا، كتعبير ذاتي أو كطقوس جماعية، منها دينية، بإمكان هذه الطقوس أن تكوني ترفيهية، وهذا مشروع تمامًا. السيطرة التي تُفرض على رقص النساء، هي منظومة قمع متواصلة ضدهن وضد وأجسادهن وحرياتهن، متمثلة بقوانين سياسية و/أو اجتماعية، تحصل في أشكال كثيرة، من اعتقالات إلى رقابة ذاتية تُمارسها المرأة على جسدها ورقصها خوفًا من عقليات مجتمعية وذكورية وأحكامها القاسية التي ترى بكل ما يتعلق بجسد المرأة عيبًا وعورة، وأنه ليس ملكها، وبهذه المعايير القامعة، تكمن الجريمة.
* الموضوع يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.