جسر كيرتش.. لماذا يهم روسيا وأوكرانيا على حد سواء؟
١٠ أكتوبر ٢٠٢٢ألحق الانفجار الذي استهدف جسر كيرتش يوم السبت (8 أكتوبر/ تشرين الأول 2022) أضرارا بالغة بالجسر الحيوي الذي يربط روسيا بشبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو عام 2014 خاصة مع تعطل حركة النقل.
وقال الجانب الروسي إن الحريق نجم عن انفجار شاحنة، فيما قال نائب رئيس مجلس الدوما الروسي إن الانفجار بمثابة "إعلان حرب". وأعلنت وزارة النقل الروسية استئناف حركة المرور على أحد مسارات الجسر في وقت لاحق في نفس اليوم.
في المقابل، لم يعلن الجانب الأوكراني مسؤوليته بشكل مباشر عن الانفجار، لكن مستشار الرئيس الأوكراني ميخائيل بودولياك قال إن الانفجار "مجرد بداية، فكل شيء غير شرعي يجب تدميره".
ما هي أهمية الجسر؟
قامت روسيا بتشييد الجسر ليكون حلقة الوصل بين شبه جزيرة القرم ومنطقة كراسنودار كراي الروسية في شمال القوقاز بتكلفة بلغت 3,6 مليار دولار وبطول يبلغ 19 كيلومترا بهدف دعم البنية التحتية في القرم وتعزيز ارتباطها بروسيا، فيما يعد الجسر الأطول قي أوروبا.
واتهمت الحكومة الأوكرانية روسيا بإلحاق الضرر بالبيئة فضلا عن عرقلة مرور السفن الكبيرة التي تمر في مضيق كيرتش الذي يربط بحر آزوف بالبحر الأسود من خلال إنشاء الجسر، الذي يعد مصدرا رئيسيا للإمدادات للقوات الروسية في منطقة خيرسون الأوكرانية، حيث ضمت روسيا مناطق خيرسون الجنوبية في سبتمبر/ أيلول الماضي فيما ترمي موسكو من خلال الجسر إلى ربط شبه جزيرة القرم بمنطقتي دونيتسك ولوهانسك. والجدير بالذكر أن حركات انفصالية مدعومة من روسيا متمركزة في دونيتسك ولوهانسك تشن تمردا ضد القوات الأوكرانية منذ عام 2014.
عزل القوات الروسية عن مصادر الإمداد
وفي مقابلة مع DW، قال مايك مارتن، الزميل في قسم دراسات الحرب في كلية "كينغز كوليدج " في لندن، إن الحريق الذي اندلع على جسر كيرتش جاء جراء هجوم أوكراني "بشكل شبه مؤكد". وأضاف أن تعطيل حركة المرور والنقل على جسر القرم يمثل أهمية استراتيجية ورمزية للجانب الأوكراني، مشيرا إلى أن هناك فقط خطين من خطوط السكك الحديدية يربطان روسيا بكل من القرم ومنطقة خيرسون. وقال "أحد هذين الخطين جرى إنشاؤه على الجسر الذي تعرضت أجزاء منه للتدمير كما رأينا"، مشددا على أن القوات الروسية تعتمد بشكل كبير على خطوط السكك الحديدية لإيصال الإمدادات العسكرية منذ بداية الحرب. ويقول مارتن في هذا السياق "يبدو من الواضح أن الجانب الأوكراني يرغب في عزل القوات الروسية عن مصادر الإمداد".
ويؤكد الباحث على أن أهمية الجسر لا تتوقف على النقل والإمدادات العسكرية فقط، وإنما يمثل أهمية رمزية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين خاصة مع انتشار لافتات تحمل اسمه على طول الجسر. وكان بوتين قد افتتح الجسر في عام 2018 خلال حفل صاخب، فيما جاء الانفجار بعد يوم واحد من الاحتفال بعيد ميلاد بوتين السبعين.
تخليد ذكرى الانفجار!
ويأتي الانفجار في وقت يواجه فيه الجيش الروسي وبوتين انتقادات من دوائر مقربة من الكرملين بشأن الخسائر العسكرية التي تكبدتها روسيا في أوكرانيا مؤخرا. وفي ذلك، يقول مارتن "رأينا خلال الأشهر الثلاثة أو الأربعة الماضية تفوق الأوكرانيين بشكل مستمر على الروس، حيث حققوا نجاحات عسكرية".
وفي ضوء أهمية الجسر للقوات الروسية، خرجت تأكيدات ضمنية من المسؤولين الروس بأن روسيا لا تزال قادرة على إيصال إمدادات لقواتها المتمركزة في أوكرانيا. وقد أفادت وسائل إعلام روسية رسمية بأن نائب رئيس الوزراء الروسي مارات خوسنولين قام بجولة على الجسر وأشرف على رحلة تجريبية عبر قطار شحن. وبعد الانفجار، نشر سكرتير مجلس الأمن الأوكراني، أليكسي دانيلوف، لقطات للجسر المحترق إلى جانب مشهد للفنانة الأمريكية الشهيرة مارلين مونرو وهي تغني "عيد ميلاد سعيد .. سيدي الرئيس" للرئيس الأمريكي السابق جون كينيدي عام 1962.
وجرى تداول المقطع المصور الذي نشره المسؤول الأوكراني على نطاق كبير على منصات التواصل الاجتماعي، فيما قالت خدمة البريد الأوكرانية إنها ستطبع طابعا خاصا لإحياء ذكرى الانفجار.
وفيما يتعلق بالجهة المسؤولة عن الانفجار، ألمح مستشار الرئيس الأوكراني ميخائيل بودولياك في تغريدة على موقع تويتر إلى أن التفجير ربما يكون عملا تخريبيا من داخل روسيا. وكتب في التغريدة "أليس من الواضح من نفذ التفجير؟ الشاحنة وصلت من داخل [الاتحاد الروسي]".
في المقابل، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن رد فعل المسؤولين الأوكرانيين على الأضرار التي لحقت بالجسر يعد دليلا على "الطبيعة الإرهابية" للحكومة الأوكرانية.
وبعد يوم من التفجير، اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أجهزة الاستخبارات الأوكرانية بالوقوف وراء الانفجار، واصفا ما حصل بأنه "عمل إرهابي" ضد منشأة رئيسية في البنى التحتية.
قصف كييف انتقاما لجسر كيرتش
لكن بوتين خرج بعد يومينمن الانفجار (يوم الاثنين) ليقر بأن بلاده نفذت حملة القصف التي طالت مدنا أوكرانية في الصباح مؤكدا أنها جاءت انتقاما من الهجوم الأوكراني على جسر كيرتش وهجمات أخرى في روسيا، وقال "وجهنا ضربات بمختلف أنواع الأسلحة لمواقع عسكرية أوكرانية وردنا سيكون أشد على أي أعمال إرهابية"، متهما أوكرانيا بشن "ممارسات إرهابية" ضد منشآت مدنية وبنى تحتية روسية.
وإزاء ذلك وحتى قبل استهداف كييف، حذر خبراء من أن انفجار جسر كيرتش قد يدفع روسيا إلى شن هجمات انتقامية. وفي هذا السياق، كتبت الخبيرة تاتيانا ستانوفايا، رئيسة شركة "آر بوليتيك" للاستشارات السياسية، في سلسلة تغريدات على موقع تويتر "استهداف الجسر يعتبر أحد الخطوط الحمراء التي يمكن أن تؤدي إلى أسوأ سيناريو بما يشمل رد فعل غاضب قد يدخل في طياته الرد النووي".
لكنها قالت إن التجارب السابقة "تُظهر أن بوتين دائما ما يتأخر في الرد على النكسات العسكرية، إذ أنه بدلا من الرد يتظاهر في كثير من الأحيان بأن شيئا لم يحدث حقا". وفي ذلك، نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن فيليبس أوبراين، أستاذ الدراسات الاستراتيجية في جامعة سانت أندروز في بريطانيا، قوله إن "قدرة روسيا على الانتقام قد تكون محدودة بسبب أدائها الضعيف في ساحة المعركة والفشل في تحقيق التفوق الجوي". وأضاف أن الرد الروسي يجب أن يكون من خلال "صواريخ بعيدة المدى، لأن الروس يخشون من التحليق فوق أوكرانيا. ولا يبدو أن الروس دقيقون بدرجة كافية فضلا عن أن الأوكرانيين بارعون في اعتراض (الصواريخ)".
م. ع ( أ ب، رويترز، د ب أ)