"زفرة السوري الأخيرة"..الجلادون والقطيع في مرآة الذات
٣ مايو ٢٠١٣تعالج مسرحية (زفرة السوري الأخيرة) العلاقة بين جيلين، أحدهما يمثله جنرال عراقي مهزوم يهرب إلى سوريا عقب احتلال العراق عام 2003، وجيل شاب يؤمن بحريته وينتزعها ويرى أن انهيار نظام الدكتاتور يبدأ قبل وصول الغزاة حين يتحول الشعب - الذي قامت الثورة من أجله - إلى جرذان وخونة وعملاء وجواسيس وفي أحسن الأحوال هم مجرد قطيع لا يستحق إلا الإهانة.
جيل الحرية يمثله الأخوان الجامعيان "كمال" و"ريما" التي ترفض الاحتلال الأجنبي بالطبع ولكنها تؤمن بكرامة الشعب وأنه "لا يوجد شيء في هذا العالم يبرر لأحد أن يدوس أحدا من أجل قضية" وأن الإنسان الذي يفقد كرامته أو يعذبه الجلادون حتى يفقد إحساسه بإنسانيته لا يصلح للدفاع عن قضية ولو كانت عادلة.
ومسرحية (زفرة السوري الأخيرة) يهديها الذهبي إلى مؤسس حزب البعث ميشيل عفلق (1910- 1989). وتقع المسرحية في 118 صفحة متوسطة القطع وصدرت في القاهرة عن (دار الكتب خان للنشر والتوزيع).
والعمل الذي صمم غلافه حاتم سليمان يضم نصا مسرحيا آخر عنوانه (صهيل الحصان العالي) وهو مونودراما عن السياق التاريخي والنفسي الذي يجعل المواطن العادي جلادا. وهذا النص مهدى إلى المخرجين النشطين السوريين باسل شحادة وأحمد الأصم اللذين قتلا في مايو/ أيار2012 في قصف مدينة حمص أثناء تغطيتهما للانتفاضة السورية التي اندلعت قبل 27 شهرا بهدف إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وتبدأ مسرحية (زفرة السوري الأخيرة) بهروب الجنرال سعدون البغدادي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق ولجوئه إلى أسرة صديقه الراحل أبو كمال في دمشق ويجد ترحيبا من أرملة صديقه ومن ابنه كمال باعتباره بطلا. أما ريما شقيقة كمال فلا تبدي ارتياحا له إذ تلاحظ فضوله وممارسته التلصص عليهم كما يحاول فرض آرائه القمعية على أفراد الأسرة.
وفي البداية يقول الجنرال إن "الرئيس والقادة يقودون الحرب المقدسة ضد الصليبيين الجدد" ويسحرهم بكلام معسول عن استمرار المقاومة الشعبية لقوات الاحتلال الأمريكي بعد تدمير الجيش الذي "انهار في لحظات. جيش كان يصنف الخامس عالميا. عشرات السنين في التجييش العقائدي... انهار في لحظات لا أعلم لماذا ولا كيف". ويروي لهم أن مجلس قيادة الثورة بقيادة صدام حسين كان يهدف منذ الوصول للسلطة إلى "رفع الظلم عن الناس" ولكن الجيل الذي يؤمن بالحرية سوف يفسر للجنرال الهارب لماذا انهار جيش بلاده. فعلى عكس كمال الذي يعتبر الجنرال ضحية لا تتردد ريما في التنبيه إلى خطورة إيواء مجرم "سفاح. طريد العدالة" وتتحداه أن يعود لينضم إلى مقاومة الاحتلال. ولكن الجنرال غارق في ذكرياته عن إسقاط "النظام السابق الفاسد" قبل عشرات السنين وكيف أن صدام" ارتأى بأن القفزة الديمقراطية لم تنضج بعد" وبين الحرية والقمع مسافة لا يتجاوزها وعي الجنرال الذي ينهار حين يطلعه كمال على قرص مدمج يسجل وحشيته.
ولم ينضج وعي كمال فجأة ولكنه ثمرة صراع وشجار مع صديق الأسرة خالد منسق الحركة اليسارية للطلاب في الجامعة الذي يقول للجنرال إن نظام صدام سقط "إنسانيا قبل أن يسقط عسكريا" ويرى ضرورة إقامة محاكمة علنية لرموز نظام البعث في العراق. وينكر الجنرال جرائمه ولكنه تحت ضغط الحقيقة يبرر ذلك قائلا إن "الناس قطيع وعلى الراعي إرشادهم" ثم يعترف بممارسة التعذيب والقتل وتلذذه بسماع صراخ ضحاياه الذين يخشى في الوقت نفسه النظر إلى أعينهم أو معرفة أسمائهم حتى لا تمنحهم أسماؤهم دلالة على أنهم "بشر".
ف.ي/ع.ج.م (أ ف ب، رويترز)