غزة: حصار وسط الأنقاض
٧ مارس ٢٠١٥محمد سليمان أعد حقيبة سفره استعداداً لمغادرة القطاع في أية لحظه. هذه أمنية الشاب ذي الـ25 عاماً، وقد حصل العام الماضي على منحة للدكتوراه من جامعة أستراليا. وحين قرر السفر بالفعل اكتشف أنه غير مسموح له بالسفر. "أشعر كما لو أنني في مصيدة. حاولت كل شيء. استغليت علاقاتي وحاولت كل الطرق الممكنة. آخر مرة حين فتح معبر رفح الحدودي لمدة ثلاثة أيام، توجهت إلى هناك كل يوم وبصحبة زوجتي الحامل حاولت عبور الحدود ولكن لم أنجح في ذلك"، يروي لنا محمد قصته في أحد مقاهي القطاع.
وهو ليس الشاب الوحيد الذي يشعر بأنه سجين في القطاع. فمنذ سنوات والكثير من سكان غزة لم تعد لديهم حرية القرار لمغادرة القطاع أو البقاء فيه. وكذلك العودة إلى القطاع لم تعد بالأمر السهل. ولكن منذ الحرب الأخيرة بين حركة حماس وإسرائيل، الصيف الماضي، أصبح هذا الشعور أقوى بكثير مقارنة بذي قبل، كما يؤكد محمد سليمان.
في السابق كانت هناك بعض القيود المفروضة، ولكنه تمكن عام 2012 من السفر إلى لندن لتعلم اللغة الإنجليزية وعاد بعد ذلك إلى قطاع غزة. "فقدت كل أمل في أن أتمكن من تغيير أي شيء في غزة. كنت في السابق أظن أنني سأتمكن من ذلك"، ولذلك إذا ما تمكن محمد من مغادرة القطاع، فلن يعود إليه.
المعبر الحدودي مع مصر مغلق
منذ الحرب الأخيرة في القطاع والسلطات المصرية تفتح المنفذ الحدودي في رفح بين حين وآخر. وهذا العام لم تفتحه سوى لمدة 3 أيام فقط. ومن يريد السفر عليه تسجيل اسمه لدى السلطات المحلية في القطاع. 10 آلاف شخص أسماؤهم مسجلة على قوائم الانتظار، كما يقول ماهر أبو صبحة، مدير معبررفح الحدودي في غزة. ويوضح أبو صبحة أن مكتب التسجيل مغلق حاليا، فمن غير المعلوم متي سيتم فتح المعبر من جديد.
والمعبر ليست لديه أوقات محددة ومنتظمة لفتحه. وهذا بالطبع يصعّب الأمر على طلاب جامعيين مثل محمد سليمان، الذي يأمل في أن تمكنه السلطات الإسرائيلية من مغادرة القطاع عبر معبر بيت حانون/إريز. ولكن حتى هذا المعبر يسمح منذ سنوات بمرور المرضى الفلسطينيين ورجال الأعمال والعاملين في المنظمات الدولية والصحفيين فقط. سكان القطاع الذي يبلغ عددهم 1.8 مليون شخص يشاهدون ما هو خلف الحدود عبر شاشات التلفزيون فقط.
تخوف من تنامي العنف
أما الباحث السياسي في جامعة الأزهر في غزة، أسامة عنتر، فيقول إن الأوضاع تزداد سوءاً يوماً بعد يوم منذ الحرب الأخيرة في غزة. موضحاً أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية باتت أسوأ. مشاريع إعادة أعمار القطاع بطيئة. في مناطق مدمرة مثل بيت حانون أو الشجاعية يعيش الآلاف في خيام وحاويات من الصفيح وسط الأنقاض.
فيما يعيش آخرون في منازلهم المدمرة. حوالي 10 آلاف شخص يعيشون في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين/ الأنروا التابعة للأمم المتحدة منذ أن لجأوا إليها خلال الهجمات التي قام بها الجيش الإسرائيلي.
بعد ستة أشهر استوعب الناس أن الوضع أصبح أسوأ مما كان عليه قبل الحرب، وبسبب الهدنة الحالية والغموض الذي يكتنف الوضع، يتنامى الخوف من وقوع موجات عنف جديدة، يقول أسامة عنتر.
ولا توجد مباحاثات بين حماس وإسرائيل حول إمكانية عقد هدنة طويلة الأجل. والحكومة المصرية قامت بدور الوسيط في نهاية الحرب الأخيرة في قطاع غزة. وفي ذات الوقت تستخدم أسلوباً متشدداً تجاه حماس، التي تسيطر بالفعل على 1.8 مليون مواطن في القطاع .
وبالرغم من أن حماس قد وافقت على تشكيل حكومة وفاق وطني مع حركة فتح العام الماضي، إلا أن النزاع على السلطة بين الحركتين لم يتوقف، فمنذ الحرب الأخيرة في القطاع لم يقم رئيس الوزراء رامي الحمد الله بزيارة غزة إلا مرة واحدة. والذراع العسكري لحماس يقوم باختبار صواريخ ويبدو وأنه يستعد لنزاع مسلح جديد ضد إسرائيل.
أما مشاريع إعادة إعمار غزة فهي تسير ببطئ شديد. ويرجع مراقبون ذلك للأوضاع السياسية في القطاع. المجتمع الدولي تعهد بتقديم دعم مالي قدره 5.4 مليار دولار لإعادة الإعمار وذلك خلال مؤتمر المانحين في شهر أكتوبر الماضي في القاهرة. ولم يصل من تلك الأموال سوى القليل جداً، بحسب الأمم المتحدة.
وتوزيع مواد البناء على الأفراد يتم بآلية وتنسيق بين السلطات الفلسطينية وإسرائيل والأمم المتحدة. أما الأنروا، فقد توقفت عن دعم الأسر اللاجئة لإصلاح منازلها، لنقص المال لدى الوكالة الدولية. وإسرائيل تراقب مواد البناء والصلب والأسمنت الواردة إلى القطاع للحيلولة دون استخدامها لأغراض عسكرية. علما بأن وجود سوق سوداء لهذه المنتجات، ليس بالسر الكبير.ومنظمات الإغاثة تقول، إنه إذا ما دخلت منتجات قليلة جداً إلى القطاع، فسوف تستغرق إعادة الإعمار عقوداً.