سر الاقبال المتزايد على تعّلّم الألمانية في المدارس المصرية
الرغبة الألمانية في الانفتاح على العالم العربي رغبة قديمة نسبيا وتم العمل على تعزيزها في الآونة الأخيرة. ولا غرو أن الانفتاح على الوطن العربي يتطلب أيضا نشر اللغة والثقافة الألمانية في أرجائه. ويعد دعم اللغة الألمانية في الخارج أحد أهم أهداف السياسة الثقافية الخارجية لجمهورية ألمانيا الاتحادية. في هذا السياق يتم اتخاذ إجراءات بينها القيام بحملات دعاية خاصة للغة الألمانية، وذلك من خلال التعاون بين معهد غوته والقائمين على التعليم في العالم العربي. ومن الجلي أن هذه الإجراءات قد أتت أكلها خلال السنوات القليلة الماضية.
في الماضي كانت اللغة الألمانية تُدرس في الجامعات والمدارس الخاصة ومعهد غوته المنتشرة فروعه في العديد من الدول. أما اليوم فيتم تعليم هذه اللغة في الكثير من الجامعات والمدارس الحكومية العربية، لكي تصبح الفرصة سانحة أمام المهتمين بألمانيا أن يتعلموا لغة شعبها. وشهدت المدارس الحكومية المصرية في الأعوام الماضية قبولاً متزايداً على تعلم اللغة الألمانية كلغة أجنبية ثانية. وعند الالتحاق بالمدرسة الثانوية تكون عادة أمام الطالب المصري فرصة الاختيار بين دراسة لغتين أجنبيتين ثانيتين هما الفرنسية والألمانية. وينتقي الطالب احداهما بجانب اللغة الإنكليزية الملزم تعلمها كلغة أجنبية أولى. في حوار لها مع موقع قنطرة على شبكة الانترنت أكدت البروفسورة ناهد الديب، رئيسة جمعية اللغة الألمانية بالقاهرة، على أن الجيل الشاب في مصر أصبح لديه اهتمام كبير باللغة الألمانية. أما عدد أقسام اللغة والأدب الألماني بالجامعات المصرية المختلفة فيتضاعف من حين لآخر نتيجة الدعم المقدم من الجانب الألماني وتزايد عدد الراغبين في التوسع في بحور اللغة الألمانية.
لغة الماضي النادرة ولغة الحاضر المنتشرة
من أجل الوقوف على مكانة اللغة الألمانية في مصر أجرى موقع دويتشه فيلّه باللغة العربية مقابله مع مدرس اللغة الألمانية بمدرسة عمر الوكيل الثانوية في مدينة السيد حمدي حشيش. وفي معرض إجابته على سؤال حول السبب الذي دفعه لتعلم وتعليم اللغة الألمانية قال المعلم: "يعود سبب اختياري للألمانية كلغة تخصص في الجامعة إلى كونها لغة نادرة في مصر إبان ثمانينيات القرن المنصرم، حيث لم يكن هناك إقبال شديد على دراستها بخلاف ما كان عليه الحال بالنسبة للغات أخرى مثل الإنكليزية أو الفرنسية. فقلت آنذاك: ولما لا أدرس لغة جديدة." أما اليوم فلقد تغير الوضع كثيراً بعد أن انتشرت دراسة اللغة الألمانية في ربوع مصر. ففي مدينة دمنهور، الوقعة غرب دلتا النيل، على سبيل المثال، توجد "ست مدراس حكومية تُعلّم الألمانية، وهناك إقبال لا بأس به من جانب الطلبة على تعلمها." على حد قول المدرّس حمدي حشيش.
سبب الإقبال على تعلم اللغة الألمانية
وبالرغم من أن لهذا وقع غريب على البعض يقول الطالب أحمد حسن أبو المجد الذي يتعلم الألمانية كلغة أجنية ثانية في مدرسة دمنهور الثانوية أن اللغة الألمانية: "سهلة وجذابة وأنا أحس بالمتعة أثناء تعلمها". وقد يرجع هذا إلى التقارب النسبي بين اللغتين الإنكليزية والألمانية وعدم وجود كلمات ألمانية كثيرة تحتوي على حروف تنطق ولكن لا تكتب بعكس ما هو علية الحال بالنسبة للغة الفرنسية على سبيل المثال. إلا أن الأسباب التي تدفع الجيل المصري الجديد إلى تعلم الألمانية في المدارس الحكومية هي في الواقع أسباب اقتصادية بالدرجة الأولى. فالكثير منهم يحلم بالحصول على وظيفة ما في قطاع السياحة بعد التخرج، لا سيما وأن أعداد السياح الألمان الذين يقومون بقضاء أجازتهم في مدن شرم الشيخ والغردقة وصعيد مصر مرتفعة نسبيا، لذلك كثيراً ما يُشترط على المتقدمين لشغل وظائف في الفنادق أو الهيئات السياحية إتقان أو على الأقل الإلمام باللغة الألمانية. ولكن بالتأكيد ليس هذا هو السبب الوحيد، إذ هناك عدد كبير من الشباب المصري يهتم بالأدب الألماني والثقافة الأوربية بوجه عام.
دور ألماني ريادي في مجال نشر اللغة
لا شك أن نشر اللغة الألمانية في الخارج هو من أهم الوسائل التي تؤدي إلى التقارب بين الشعب الألماني والشعوب الأخرى، حيث يسهل عن طريق المعارف اللغوية التعرف على عادات وتقاليد الشعب الألماني. ويلعب معهد غوته والمؤسسات الألمانية الأخرى دوراً ريادياً في مجال تدريب المدرسين وتشجيع الطلاب المتفوقين في المدارس الحكومية على أن يمضوا قدماً في تنمية معرفتهم باللغة. ويتمثل هذا الدور في عقد دورات تدريبية لجميع المعلمين على مستوى الجمهورية، وتنظيم دورات خاصة للمعلمين المتميزين بمعهد غوته في القاهرة والإسكندرية. ومن أجل الوقوف على أحدث طرق التدريس تقوم الحكومة المصرية والمؤسسات الألمانية بإيفاد عدد من معلمي اللغة المصرين إلى ألمانيا. حمدي حشيش كان من بين هؤلاء عام 1994، حيث تعرف في معاهد تعليم اللغة الألمانية في مدينة كولونيا، وغيرها من المدن الألمانية، على أحدث أساليب التدريس "مثل تبسيط شرح القواعد اللغوية للطالب." ومن ثم يتم العمل على تطبيق ما تعلموه في ألمانيا عملياً في المدارس الألمانية في مصر، كما يتم أيضا التدريب على طريقة إجراء الحوار مع الطالب في المدارس وكيفية تلافي صعوبة الفهم وتحفيز الطالب على إتقان اللغة. ويضيف حشيش قائلا: "لقد أفادتني هذه التجربة كثيراً، حيث قمت بتطبيقها في المدرسة التي أعمل بها في مصر." ويتمنى حمدي القيام بتجارب أخري في ألمانيا على غرار هذه التجربة ولو على نفقته الخاصة، "لأن تلاميذي قد استفادوا منها بشكل خاص" على حد قوله.
رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة
من البديهي أنه لا يمكن للمرء الإلمام بلغة ما من خلال تعلمها لمدة عامين فقط، ولكن من الواضح أن دراسة اللغة الألمانية في المدارس المصرية تعد بمثابة خطوة على الطريق الصحيح. فها هي مروى علي طالبة السنة النهائية بقسم الإعلام في جامعة عين شمس تقول: "كان تعلم اللغة الألمانية في المدرسة بمثابة نافذة أطللت منها علي الأدب الألماني. وحصلت من خلال الجزء المختص بتاريخ وجغرافية جمهورية ألمانيا الاتحادية على معلومات مفيدة عن هذا البلد العريق. لذلك ازداد ولعي بهذه اللغة يوماً بعد يوم، وقررت أن أحسِن معرفتي بها في معهد غوته بعد الانتهاء من الدراسة الجامعية قريياً."
ولكن تبقى اللغة الألمانية، مقارنة بالإنجليزية والفرنسية غير منتشرة بشكل كبير في مصر والعالم العربي، وهذا يرجع بالطبع إلى تطورات سياسية وتاريخية عديدة طرأت في القرن التاسع عشر والقرن العشرين على مصر وغيرها من الدول. بالإضافة إلى أن اللغة الإنجليزية قد أصبحت الوسيط العالمي في عصر العولمة. ولكن من المتوقع أن تقترب اللغة الألمانية في المستقبل بصورة كبيرة من مستوى نظيرتها الفرنسية في حجم الانتشار بين متحدثي اللغات الأجنبية في مصر والوطن العربي.
علاء الدين سرحان