سلالة كورونا الجديدة ـ هل هناك ما يبرر حالة الذعر؟
٢٣ ديسمبر ٢٠٢٠تحركت عشرات الدول في مختلف مناطق العالم لمواجهة السلالة الجدية من فيروس كورونا المستجد. ففرض العديد منها حظراً للطيران على بريطانيا، التي تشهد انتشاراً مهولاً للفيروس الجديد. وقد أدى هذا التطور إلى تقطع السبل بالركاب في المطارات واصطفاف الشاحنات على الطرق السريعة بعد أن أغلقت فرنسا حدودها مع بريطانيا.
وانضمت الهند وباكستان والمملكة العربية السعودية وهونج كونج وكندا، إلى جانب مجموعة من الدول الأوروبية، إلى القائمة المتزايدة من البلدان التي أوقفت الرحلات الجوية مع بريطانيا، في محاولة لمنع وصول هذه السلالة الجديدة من الفيروس إليها. ويقول خبراء بريطانيون إن السلالة الجديدة من الفيروس، التي تضرب لندن وجنوب شرق إنجلترا، أكثر قدرة على التفشي بنسبة تصل إلى 70 في المائة. غير أن الحقيقة هي أن المعلومات المتوفرة بشأن الفيروس المتحوّر ليست كافية لتكوين صورة واضحة بشأنه، كما يدل على ذلك الجدل الدائر في ألمانيا وغيرها. وهناك مخاوف من أن تواجه ألمانياموجة جديدة من فيروس كورونا، خصوصاً في هذه المرحلة الحساسة، حيث كتبت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" أمس الثلاثاء (22 ديسمبر/ كانون الأول 2020) أنه "يتم حالياً علاج أكثر من 5000 مريض مصاب بكورونا في وحدات العناية المركزة. ويقول ممثلو جمعية طب العناية المركزة الألمان بأن الوضع بات يبعث على القلق".
الفيروس المتحور بين التهوين والتهويل
بعدما أكدت مصادر بريطانية أن السلالة الجديدة للفيروس شديدة العدوى وقابلة للانتشار بسرعة كبيرة، ارتفعت عدة أصوات للتقليل من شأن هذا الخطر. عالم الفيروسات الألماني كريستيان دروستن عبّر في تغريدة عن قلقه بشأن النسخة المحوّرة من فيروس كورونا، بحسب ما ذكر موقع "شبيغل أونلاين" الثلاثاء. واستند دروستن في ذلك إلى خبراء بريطانيين أكدوا أن نسبة العدوى للسلالة الجديدة تبلغ 0.7 بدلاً من 0.5. قد تبدو هذه النسبة ضعيفة، لكنها تمثل ارتفاعاً أسبوعياً قد يصل في ألمانيا إلى 25 ألف مصاب إضافياً. تصريحات دروستن تسببت في جدل كبير، ما دفعه إلى تحديد مضمون كلامه بالضبط، كما أوردت ذلك قناة "إن تي في" الألمانية، حيث قال: "لوضع حد لكل التكهنات، فإن (ما قلته) يحيل فقط إلى المؤشر الحالي للانتشار المتزايد للفيروس المتحور، وبالتالي فإن تقييمي بم يتغير (..) لست قلقًا بشأن (الطفرة) في الوقت الحالي".
في السياق نفسه، أكدت منظمة الصحة العالمية أن السلالة الجديدة من الفيروس تنتشر بوتيرة أسرع، ولكن يمكن السيطرة عليها، مثل باقي السلالات الأخرى المعروفة للفيروس. وقال مايك ريان، المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية بالمنظمة، في مؤتمر صحفي إن "الوضع ليس خارجاً عن السيطرة، ولكن لا يمكن تركه ينتشر"، وحث الدول على تطبيق الإجراءات الصحية التي سبق تجربتها واختبارها. وتقول منظمة الصحة العالمية إن كل عشرة أشخاص مصابين بالسلالة الجديدة من الفيروس يمكن أن ينقلوا العدوى إلى 15 آخرين في المتوسط، في حين أن معدل انتقال العدوى لدى السلالات المعروفة سابقاً في بريطانيا يصل إلى 11 شخصاً.
فعالية اللقاحات ضد السلالة الجديدة؟
من جهتها، اعلنت شركة "بيونتيك" الألمانية، التي طوّرت إلى جانب شركة "فايزر" الأمريكية أول لقاح ضد كوفيد-19 تم ترخيصه، أنها قادرة على توفير لقاح جديد "خلال ستة أسابيع" في حال تحوّر الفيروس كما حصل في بريطانيا. وقال أوغور شاهين، مدير الشركة: "نحن قادرون تقنياً على إنتاج لقاح جديد خلال ستة أسابيع". وأضاف في مؤتمر صحافي في ماينز في غرب ألمانيا: "من حيث المبدأ، تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال تتيح لنا البدء مباشرة بإنتاج لقاح يحاكي تماماً التحوّل الجديد" للفيروس. وذهب منصف السلاوي، مستشار مدير برنامج "وارب سبيد" الحكومي الأمريكي لتطوير لقاحات ضد الفيروس وتوزيعها، إلى أنه يتوقع أن تظهر التجارب المخبرية أن السلالة الجديدة ستستجيب للقاحات والعلاجات الحالية. وشدد المتخصص في اللقاحات والمدير التنفيذي السابق في قطاع الأدوية على أن "لا دليل قاطعاً على أن هذا الفيروس هو في الواقع أكثر قابلية للانتقال، (لكن) هناك دليل واضح على وجود المزيد منه بين السكان".
وتابع السلاوي: "قد يكون الأمر مجرد تصنيف حدث في الظل ونحن نشهد الآن طفرة، أو ربما تكون لديه قابلية أعلى للانتقال ... ما هو واضح هو أنه ليس مسبباً أكثر للمرض"، ما يعني أنه لم يثبت تسببه في مرض أكثر خطورة. وأوضح منصف السلاوي أن المعاهد الوطنية للصحة بدأت دراسات مخبرية على السلالة الجديدة لتحديد ما إذا كانت الأجسام المضادة ضد سلالة "كوفيد-19" الأكثر انتشاراً ستكون فعالة ضدها، معتبراً أن "هذه هي على الأرجح النتيجة المتوقعة". لكنه حذر أن "من المستحيل استبعاد تمكّن الفيروس يوماً ما في مكان ما من الهروب من الاستجابة الوقائية التي ينتجها اللقاح. لذلك علينا أن نظل يقظين تماماً".
السلالة الجديدة ـ خصائص الفيروس المُتحول
تحتوي الفيروسات على مادة جينية يمكن أن تخضع للتعديل (تظهر فيها طفرات أو تحولات) عندما تتكاثر داخل الخلايا التي تنتشر فيها، أو عن طريق التبادل بين الفيروسات (إعادة اندماج أو تركيب). يحدث هذا في أغلب الأحيان دون عواقب سلبية، غير أن هذه الطفرات يمكن أن تمنح الفيروس ميزة أو خاصية جديدة تؤثر على بقائه. تحتوي السلالة الجديدة من فيروس كورونا المستجد على طفرة تسمى "إن 501 واي"، في بروتين شوكة فيروس كورونا، وهو نتوء موجود على سطحه يسمح له بالالتصاق بالخلايا البشرية لاختراقها، ويؤدي بالتالي دوراً رئيسياً في العدوى الفيروسية. منذ بداية الوباء، حمل النوع الأكثر انتشاراً من "سارس كوف 2" طفرة تُسمى "دي 614 جي" في البروتين نفسه.
وهناك من يخشى أن تكون للفيروس المتحور قدرة أكبر على مقاومة اللقاحات التي تم تطويرها، وهو ما سيكون له وقع كارثي. غير أن معظم الخبراء يرون أنها ليست الفرضية الأكثر ترجيحاً. وحتى فرضية أن السلالة الجديدة تنتشر بسرعة أكبر لا تحظى بإجماع كل الخبراء. وفي هذا الشأن، أفاد موقع "شبكة الإعلام الألمانية" (آر إن دي) يوم الاثنين أن رئيس جمعية "أطباء العالم"، فرانك أولريش مونتغمري "شكك في تصريحات رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بأن السلالة الجديدة للفيروس يمكن أن تكون معدية بنسبة تصل إلى 70 في المائة أكثر من الفيروس السابق". وأضاف مونتغمري أنه "يجب أن التعامل مع جميع تصريحات السيد جونسون بحذر شديد".
حسن زنيند