سلفيو لبنان: وعي بالذات وسط أزمة داخلية خانقة
٢٤ أغسطس ٢٠١٢هدف واضح أما أحمد العسير: القضاء على سيطرة حزب الله في لبنان ونزع سلاحه. ولن يتوانى الشيخ السلفي عن استخدام أي وسيلة لتحقيق تلك الغاية، ذلك حتى وإن كانت عنيفة، فقد وصل به الأمر هو وجماعته لعدة أسابيع إلى إغلاق الطريق الرئيسي المؤدي إلى جنوب لبنان، والذي يمر وسط مدينة صيدا في الجنوب اللبناني. ويوضح العسير قائلاً: "حان الوقت للتحرك وممارسة المزيد من الضغط، فتوجيه المطالب والإدانات لم تعد تجدي نفعاً مع حزب الله".
ويرى الشيخ، ذو اللحية الطويلة وغير المشذبة، في هذه التحركات نجاحاً كبيراً، إذ يعتقد أنه من خلال قطع الطريق قد شل تحركات كبار قيادي الحزب الشيعي، مقللاً من نفوذهم في المنطقة الجنوبية للبنان. أما قوات الأمن اللبنانية فقد تجنبت فك الحصار محاولة منها لتجنب العنف.
الاستفزاز وسيلة للهيمنة
الشيخ ذو الأربعة وأربعين عاماً هو إمام مسجد سني صغير في صيدا، ترفرف على مدخله أعلام بيضاء وسوداء، كُتبت عليها عبارة الشهادة. ويأمل الإمام أن يتمكن هو وجماعته من تكرار سناريو أحداث الرابع عشر من آذار/ مارس 2005، حين توجه مئات الآلاف من اللبنانيين إلى شوارع بيروت مطالبين بخروج القوات السورية من البلاد. أما في هذه الحالة، فجل ما يهدف إليه الشيخ هو أن يجبر السنة حزب الله على نزع سلاحه. ويعد نزع السلاح هذا مطلباً جوهرياً للمعارضة بشقيها السني والمسيحي، إلا أنها تسعى لتحقيق ذلك سياسياً.
أما الشيخ العسير، فيؤمن بجدوى استفزازهم وتهديدهم. فقد وجه هو وجماعته تهديدات إلى زعيمي الحزبين الشيعيين في لبنان، وهما الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله وقائد حركة أمل نبيه بري. وتلقى هذه الخطوة قبولاً عند بعض السنة، فمثلاً يشير صاحب معمل غسيل في صيدا إلى ما قام به حزب الله في 2007 حين استخدم الطريقة نفسها لاحتلال وسط العاصمة بيروت. ويضيف محمد بالقول: "لماذا يحل لهم ما لا يحل لنا؟"، قاصداً بـ"نحن" سنة لبنان.
ويعتبر دور الجماعات السنية المتشددة دوراً هامشياً لا ثقل له سياسياً في بلاد الأرز، وغالبيتها تركز على نشر قناعاتها المتشددة دينياً في المساجد والمدارس، إلا أن هذه الجماعات تبدي مواقفاً في أوقات الأزمات بشكل خاص. إن التوترات السياسية الداخلية بين الحكومة اللبنانية التي تهيمن على غالبية من القوى الشيعية والمعارضة السنية تغذي هذه الجماعات. ويلعب الوضع السياسي في سوريا أيضاً دوراً لا يستهان به، إذ ترى هذه الجماعات في الثورة السورية ثورة لجميع السنة في العالم الإسلامي على نظام لا دين له في دمشق. إضافة لذلك، فإن الوعي المتزايد في الذات للتيارات الإسلامية في دول عربية مثل مصر وتونس عززت أيضاً من التواجد السلفي في لبنان.
توق إلى السيطرة
قبل أشهر قليلة لم يعرف الشيخ العسير سوى القلة، لكنه بات اليوم شخصية بارزة مستجدة على المشهد الإسلامي في لبنان. ويحاول خبير الشؤون السنية في لبنان الصحفي محمد أبي سمرة تقدير ثقل هذه الأحداث واقعياً، فيقول: "لا بد من توخي الحذر عند وصف مثل هذه الأحداث بمواجهة سنية شيعية"، مشيراً إلى هيمنة حزب الله الشيعي في لبنان.
ويضيف أنه خلافاً لحزب الله فإن السنة في لبنان ليست لديهم منظمة مسلحة أو مشروع سياسي جامع. وهو الأمر الذي يدعو أبي سمرة إلى الاعتقاد بأن هذه التحركات ما هي إلا ردة فعل لم تتعمق في المجتمع اللبناني، فيعقب قائلاً: "ولكن ذلك لا ينفي توق الكثير من السنة في لبنان إلى جود منظمة لهم كحزب الله أو قائد كنصر الله، وذلك فقط شوقاً للإحساس بالقوة".
ويغض الشيخ أحمد العسير النظر عن الوضع الأمني الداخلي الهش في لبنان ليعلن عن عمليات أخرى في هذا الشأن. أما الشعب اللبناني فتعتريهم الكثير من المخاوف على السلم الداخلي لبدلهم، فمثلاً ينادي معلم الفيزياء مروان بحرية إبداء الرأي، لكنه يرفض الحواجز على الطرقات، التي تؤثر على حياة الناس هنا: "الشيخ يزيد الأمر سوءاً بتصعيد التوترات وإثارة مشاعر الطائفية والعدوانية بين الناس".