شباب الفيس بوك في مصر يصنعون تاريخاً جديداً
٢٧ يناير ٢٠١١"الشعب يريد إسقاط النظام": هذا هو الهتاف الذي يتردد في شوارع مصر منذ "يوم الغضب" الذي امتد ليصبح أياما عديدة. منذ يوم الخامس والعشرين من يناير / كانون الثاني والمظاهرات تعم المدن المصرية، وفيها تعلو هتافات لم تسمعها شوارع مصر من قبل، هتافات واضحة وحاسمة في رفضها للنظام ورأسه: "يا جمال قول لأبوك، المصريين بيكرهوك"؛ وهتافات أكثر وضوحاً في رفض التعذيب على يد رجال الشرطة ووزير الداخلية حبيب العادلي: "لا عدلي ولا حبيب، ارحل يا وزير التعذيب"، و"يا حبيب قول لسيدك، دم ولادنا على إيدك".
لم يكن أحد يتوقع خروج كل هذه الحشود التي تقدر بعشرات الآلاف إلى شوارع القاهرة وحلوان والسويس ودمياط والمنصورة وأسيوط، ولم يكن أحد يتوقع أن تستمر المظاهرات أياماً وتتواصل، لتبلغ ذروتها - ربما – يوم الجمعة (28 كانون الثاني/ يناير)، في "المسيرة المليونية" التي دعى إليها المنظمون والتي أعلن محمد البرادعي، الرئيس السابق لوكالة الطاقة الذرية، أنه سيشارك فيها أيضاً.
رياح الياسمين تهب على مصر
كيف حدث ذلك؟ هل هبت رياح الياسمين التونسية بقوة على مصر؟ أم أن الوضع الاقتصادي في مصر بلغ حداً من التردي جعل الكيل يفيض بالمصريين المشهورين بالصبر والتحمل؟ ومن يقف خلف هذه المظاهرات؟
"ليست هذه مظاهرات"، تقول الكاتبة منصورة عز الدين، إحدى النشاطات على "الفيس بوك" وتضيف في حديثها إلى دويتشه فيله: "إنها انتفاضة، وهي من أهم التحركات السياسية من مصر منذ ثورة 1919. ما يحدث جديد تماماً على مصر، قبل ذلك كان المصريون يخرجون للتظاهر من أجل نصرة الفلسطينيين أو الاحتجاج على الحرب على العراق، أما الآن فهم يطالبون بحياة كريمة وإسقاط النظام."
وترى الروائية الشابة أنه لم يكن أحد يتخيل أن تؤدي الدعوة إلى مظاهرة 25 يناير إلى حشد كل هذه الجموع. "فكرنا أنها ستكون مظاهرة عادية"، تقول عز الدين، "لأول مرة في مصر يخرج عشرات الآلاف في أكثر من مدينة مصرية، ومعظمهم من الشباب ومن الطبقات الوسطى، ليتظاهروا على نحو متحضر للغاية، ويعلنوا مطالب واضحة ومحددة". وتؤكد الكاتبة التي شاركت في الانتفاضة أن الجديد في الأمر هو أن المتظاهرين أتوا من خارج دوائر الأحزاب السياسية، غير أن الخوف هو "أن تستغل الأحزاب السياسية هذه المظاهرات".
الفيس بوك: قائد الثورة
وائل عباس، صاحب مدونة "الوعي المصري" وأحد أشهر المدونين في مصر، يرى أن "مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دوراً كبيراً في الدعوة إلى التظاهر ونقل أخبار ما يحدث من اعتقالات وإصابات. وهذا ما جعل النظام المصري يغلق الفيس بوك والتويتر في مصر". أما المدون عمرو عزت صاحب مدونة "ما بدا لي" فيقول في حديثه إلى دويتشه فيله: "ما يحدث في مصر حركة واسعة بدون مراكز. كل الشباب يشاركون، عبر المدونات والفيس بوك والتويتر."
هذا ما يؤكده الناشط السياسي والصحفي عمر قناوي الذي يقول في حديثه إلى دويتشه فيله: "الموضوع كان أشبه بتجمع روافد النهر. هناك أسباب عديدة جعلت الشباب يتجمع للتظاهر، من ضمنها سوء الأحوال الاقتصادية، والانتفاضة التونسية التي كانت محفزاً لقطاع عريض من الناس. هناك عشرات الآلاف من الشباب الغاضب الذي يتواصل مع بعضه البعض عبر الإنترنت، وكنا نريد نقل هذا الغضب من الإنترنت إلى الشارع. كان لا بد من الخروج إلى الشارع." وتبرز منصورة عز الدين دور موقع "كلنا خالد سعيد" الذي يحمل اسم الشاب المدون الذي قُتل على يد الشرطة في الصيف الماضي. "وهناك مصادفة دالة جداً وهي أن عيد ميلاد سعيد التاسع والعشرين يوافق اليوم، 27 يناير".
تظاهرة مليونية في "يوم الحرية"
"يوم الجمعة يوم حاسم" في رأي منصورة عز الدين. غير أنها تتحفظ على اختيار توقيت التظاهر بعد صلاة الجمعة "لأن المظاهرات حتى الآن بعيدة تماماً عن الحس الديني". غير أنها تستدرك قائلة أن "الجميل أيضا هو أن هناك دعوة للخروج من المساجد والكنائس معاً مما يذكر بروح ثورة 19. آنذاك – وتحت قيادة الزعيم سعد زغلول - كانت المظاهرات في مصر تخرج من المساجد والكنائس لتطالب بالحرية والخلاص من الاحتلال الانجليزي".
وهذا هو ربما ما دفع بـريمون قلدس أن يدعو المسيحيين في "الفيس بوك" إلى المشاركة في مظاهرة الجمعة: "خطأ فادح وغلطة لن تغتفر وعار يلوثنا جميعا وسيظل يلوثنا، نحن المسيحيين، لأمد طويل إن لم نشارك في يوم الجمعة غدا، إن لم تخرج هذه الصرخة من أبواب الكنائس جنباً إلى جنب مع المساجد". وقد قام الناشطون على الفيس بوك بتحديد عدد من المساجد والكنائس لتخرج منها المظاهرات، فإلى جانب الجامع الأزهر ومسجد الفتح برمسيس ومسجد السلطان حسن بالقلعة، هناك الكاتدرائية المرقسية في العباسية وكنيسة ماري مرقس بالخلفاوي وكنيسة السيدة العذراء في حلوان. وقد أعلنت عدة مواقع على الإنترنت هذه المساجد والكنائس اليوم تخوفاً من حجب الإنترنت في الغد أو تعطيل شبكة المحمول وفقدان التواصل بين المتظاهرين.
هيا نصنع التاريخ
ولكن، ما هي الخطوة القادمة؟
"لا أحد يعرف"، تقول الروائية منصورة عز الدين، "المصريون تحركوا بدافع من اليأس لأننا نعيش حالة من الموات الكامل في السنوات الأخيرة. الآن التحرك في الشارع، ثم ربما يأتي التفكير فيما بعد." أما عمر قناوي فيتوقع تظاهرات ضخمة يوم الجمعة - قد يسقط فيها قتلى. "ستكون معركة حاسمة، خاصة مع مجيء البرادعي في توقيت ملئ بالدلالات." إن هدف المتظاهرين "هو إسقاط نظام مبارك وتشكيل حكومة إنقاذ بقيادة البرادعي أو أي مجموعة من الشرفاء. لا يمكن أن تبقى الأوضاع في مصر هكذا".
"الخطوة القادمة هي إسقاط النظام كما حدث في تونس"، هذا ما يقوله المدون وائل عباس، غير أنه لا يقيم وزناً كبيراً لعودة البرادعي ومشاركته في المظاهرات!: "لا أعول كثيراً على البرادعي أو على أي شخصية سياسية. بل أعول على الشعب المصري." وعلى ما يبدو فإن ما يميز المتظاهرين أنهم لا يعولون إلا على أنفسهم، ولا ينتظرون دعماً من جانب الأحزاب أو الإسلاميين أو الولايات المتحدة. وهذا هو ما يمنح شباب المتظاهرين شعوراً بالقوة يجعلهم يواجهون قوى الأمن المصري بشجاعة لم يعرفها الشارع المصري من قبل، أو كما نقرأ على موقع "كلنا خالد سعيد: "أول مرة أحس إننا أقوياء جداً، بقينا في لحظة تاريخية فارقة ... كل خطوة نخطوها ستفتح طاقة الحرية... هيا نصنع التاريخ".
سمير جريس
مراجعة: عارف جابو