شتيفان بوخن: هل تخطو مصر على إيقاع عسكري؟
٢٦ مايو ٢٠١٤لا شيء يضاهي معاناة الجنيه المصري من التضخم على ضفاف النيل حاليًا سوى مصطلح "الإرهاب". إنه مرادف لجماعة الإخوان المسلمين، تلك الحركة التي تقدَّمت صفوف الثورة في عام 2011 بعد شيءٍ من التردد بدايةً، ثم حازت على أكثر من خمسين في المئة من الأصوات بأول انتخابات برلمانية حرة في مصر، كما جاء أول رئيس جمهورية منتخب ديموقراطيًا في مرحلة ما بعد الثورة من "الإخوان المسلمين".
أما الآن فهم إرهابيون. يا له من تطورٍ مدهش! إذ نجد إجماعًا على ذلك في الصحافة والإذاعة والتلفزيون، حيث نقرأ يوميًا عن تصدّي قوات الأمن لمجموعة همجية من الإرهابيين وعن إرغام الحشود المجتمعة للتظاهر على الانفضاض، وذلك في هذا الحي أو ذاك من أحياء القاهرة، أو في مكان ما في الأرياف بين الإسكندرية وأسوان.
"مصر مهددة ... بأمنها وسلمها. لكني سأحقق الأمن والاستقرار" كما يؤكد عبد الفتاح السيسي، القائد العسكري المستقيل والمدير السابق لإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع وقائد الانقلاب والمرشح الرئاسي. لكن الصحافة تصفه بين حين وآخر بـ "الرئيس المقبل". عند قراءة هذه التسمية، يتملك المرء شعورٌ بأنَّ المرشح الخصم حمدين صباحي مجرد ديكور في عملية ديموقراطية زائفة. إذ تَقرّر مآل الأمور منذ فترة طويلة.
"مُنقِذ المصريين"
يقدم السيسي نفسه كمنقذِ مصر، وفي مقابلة في إحدى المحطات التلفزيونية الخاصة، تطرح مُقدِّمة البرنامج السؤال: "الإرهاب هو همّنا الأكبر، فكيف ستتغلب عليه؟" هنا تنفرج أسارير السيسي، بعدما كان قد أشار قبل قليل وبنوع من الارتباك إلى برنامجٍ في جعبته للتنمية والتطوير الاقتصادي ولتحسين أوضاع المناطق النائية، مثل سيناء والوادي الجديد والصحراء في غرب البلاد، إلا أنَّ هذا ليس موضوعه المحبَّب في الواقع، فالسيسي يركز اهتمامه على القضاء التام على الإرهابيين.
يطلب من المواطنين تقديم العون للشرطة. ويقول إنه ينبغي على المواطنين تفهُّم حدوث "تجاوزات" في بعض الأحيان أثناء قيام الشرطة بحملات تفتيش وبعمليات استجواب، كما يدعو وسائل الإعلام والرأي العام لدعم قوات الأمن. هذا وقد جمعت الصحفية الفرنسية كلير تالون Claire Talon شهادات مروعة من سجناء أحداث، كانوا قد تعرضوا لاعتداءاتٍ جنسيةٍ بعد أنْ اعتقلتهم الشرطة في الشهر الماضي أبريل/ نيسان 2014 .
ضغطة على الزناد
مدى الخطر الذي تعرضت له مصر في صيف عام 2013 يوضحه السيسي بإيماءة، وفيها يمدُّ ذراعه ويضغط بالسبّابة على زناد مسدس غير مرئي. وهو يريد بهذه الحركة توضيح مسار اجتماع يزعم حدوثه قبل أسبوع واحد من سقوط الإخوان ورئيسها مرسي.
وفي هذا "التوضيح" يروي كيف أنَّ خيرت الشاطر، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، قد قام بهذه الحركة في إحدى محادثات الأزمة التي جرت بينهما على انفراد في حزيران/ يونيو 2013. ويرى أنَّ الشاطر قد أراد بهذه الحركة التأكيد على تهديده اللفظي، وعلى القدرة على استدعاء مقاتلين إسلامويين من سوريا وأفغانستان وليبيا، بغية الدفاع عن الحكومة. فهل يشكُّ أحدٌ، بعد في ظلِّ هذه السيناريوهات المرعبة، في أنَّ مصر في حاجةٍ إلى مشيرٍ لإنقاذها؟
الصحافة المصرية تتناقل مثل هذه الأخبار للأسف، وتقول إن هناك إرهابيين في المنفى الليبي يخططون لهجومٍ جديدٍ على مصر. ويوضح السيسي قائلاً: "لتنظيم الإخوان قواعد في أكثر من سبعين دولة وأيضًا في أوروبا". وفي مكان آخر كشف السيسي عن ماهية الوقفة التي تناسبه على أفضل وجه، حيث باح للجمهور بأنه قد رأى نفسه في الحلم يمتشق سيفًا.
مدينة "خارجة عن السيطرة"
يؤكد السيسي أن تقييد حق التظاهر كان صحيحًا، لأنَّ المظاهرات أدّت إلى الفوضى. وفي ميدان التحرير، حيث بدأت الاحتجاجات الواسعة ضد نظام مبارك في يناير 2011، اقتلعت الحفارات مساحات واسعة من الأسفلت، ويجري تمديد أنانيب، وهناك عمومًا حركة عمل ناشطة في الميدان بحيث لا يستطيع الجمهور الدخول إليه. وربما كانت ورشة البناء في ميدان التحرير النشاط العمراني الحكومي الوحيد حاليًا في القاهرة. هذا لا يعني عدم وجود أعمال بناء في مناطق أخرى، ففي الفراغات الضيقة بين مباني الإيجار السكنية القائمة وعلى أسطح المباني يتم بناء مبانٍ سكنية وأحيانًا أيضًا غرف مفردة. لكن هذا يجري خارج نطاق الدولة، ودون أي تخطيط. بينما يعيش ثلثا سكان القاهرة الذين يقارب عددهم الحالي عشرين مليون نسمة في مساكن غير رسمية. ويقول أستاذ جامعي لتخطيط المدن إن القاهرة مدينة "خارجة عن السيطرة".
"فاشية مصرية"
لكن لا وقت لدى السيسي لمثل هذه الأمور. وهو يعترف بأن هناك 12 مليون شخص عاطل عن العمل في مصر، إلا أنه لا يقول الكثير بخصوص القضايا الاقتصادية والاجتماعية عدا إنه "على الجميع أن يعمل". هو يرى أنَّ المشاكل قد تراكمت، وأنه لا يمكن حلها بين ليلة وضحاها. وقال إنه يقع على عاتق المدارس والمساجد ووسائل الإعلام مهمة تعليم "الانضباط" للمجتمع، وعلى الجميع المشاركة في تشكيل "الإنسان المصري الجديد". وقد أعرب ليبراليون ونقابيون وناصريون وحتى سلفيون عن ولائهم المسبق للسيسي.
ورأى الكاتب حامد عبد الصمد في الإخوان المسلمين تجسيدًا لـ "الفاشية الإسلامية". وقد ازداد في الآونة الأخيرة استخدام مصطلح "الفاشية" على نحوٍ مهولٍ على الساحة العالمية بسبب أزمة أوكرانيا. ومع ذلك، لا يتم استخدام تعبير (استعادة نظام مبارك) "Mubarak reloaded"كوصف دقيق للأوضاع في مصر. ونظرًا لانتخاب عبد الفتاح السيسي المتوقع، فقد يكون من الأحرى هنا التحذير من نشوء فاشية مصرية.
شتيفان بوخن
ترجمة: يوسف حجازي
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2014
يعمل الصحفي شتيفان بوخن للمجلة التلفزيونية بانوراما في القناة التلفزيونية الألمانية الأولى إيه آر دي