شرب الخمور بين تركيا وإيران... كل ممنوع مرغوب؟
١٢ أغسطس ٢٠٢٣في عام 1926 وفيما كان سكان مدينة نيويورك يحتفلون بعيد الميلاد، وقعت كارثة بوفاة أكثر من 80 شخصاً بعد شرب خمور سامة فيما اُعتبر ذروة حظر شرب الكحول في الولايات المتحدة الذي بدأ عام 1920.
وإلى جانب الحظر، اتخذت السلطات الأمريكية في حينه إجراءات تتمثل في إضافة كميات كبيرة من الميثانول إلى الكحول على أمل أن يوقف مذاقه السيء الناس عن شرب الخمور، بيد أن العكس ما حصل؛ إذ استمر الأمريكيون في شرب الكحوليات فيما لقي الآلاف مصرعهم جراء "الكحول السام".
وفي كتابها الصادر عام 2010 تحت عنوان "دليل السموم"، قالت الكاتبة ديبورا بلوم إن ما لا يقل عن مئة ألف شخص لقوا حتفهم بسبب حظر الكحوليات على مستوى الولايات المتحدة. وعلى وقع ذلك، أضحى الحظر ممارسة فاشلة حتى جرى إلغاؤه عام 1933.
وتحاول إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979 تكرار ذلك في تطبيق حظر على الكحوليات، لكن الأمر سار بشكل سيئ كما كان الحال من قبل في الولايات المتحدة. وبعد الثورة الإسلامية، حظرت إيران بشكل صارم استهلاك الكحول مع إنزال عقوبات عنيفة تتراوح ما بين الجلد والغرامات وحتى السجن، لكن هذا لم يمنع الإيرانيين من شرب الخمور. وعلى غرار الولايات المتحدة، أدى حظر الخمور في إيران إلى إنشاء شبكات سرية لتخمير الكحول وعصابات يشكك البعض في أنها مرتبطة بالحكومة.
زيادة حالات التسمم بالكحول
وفي مقابلة مع DW، قالت الشابة الإيرانية مهسا (اسم مستعار) إنه "في بعض الأحيان يكون الشرب هو السبب الوحيد للشعور بالسعادة ويمثل فرصة ضئيلة للشعور بالمتعة. لكن بعد نقل ما لا يقل عن 300 شخص إلى المستشفى ووفاة 40 شخصاً بسبب الخمور السامة في الأسابيع الأخيرة، توقفت عن شرب الكحول، لذا أعتقد أن الحكومة قد نجحت في إخافتنا حتى نتوقف عن شرب الكحول".
ويقول مراقبون إن حظر الكحول في إيران غير فعال؛ إذ أشار محمد كاظم عطاري، طبيب وباحث إيراني مقيم في الولايات المتحدة، إلى أن السنوات الأخيرة شهدت "زيادة بنحو 20-30٪ سنوياً في عدد الأشخاص الذين أصيبوا بالتسمم أو ظهرت عليهم آثار جانبية [سلبية] جراء شرب كحول الميثانول".
وفي مقابلة مع DW، أضاف أنه مع انتشار حالات "يثير التسمم المرتبط بالكحول في عدة مدن في نفس الوقت الشكوك بأن الأمر قد يكون متعمداً أو ناجم عن خطأ في عملية التصنيع المحلية نتيجة إضافة مواد مضرة إلى المشروبات أثناء الإنتاج".
مخاطر الإنتاج السري
من جانبه، قال الشاب الإيراني عرفان (اسم مستعار): "لقد سمعت كثيراً عن حالات تسمم ووفاة بسبب كحول الميثانول، لكني لم أصدق ذلك"، مضيفاً أنه كان يشرب الخمر الذي يشتريه من تاجر تعرف عليه من خلال أصدقائه.
بيد أن في إحدى الحفلات، فقد بصره إثر تناول كحول الميثانول ليُنقل إلى أحد المراكز الطبية. وكان عرفان محظوظاً حيث أن كان فقده للبصر مؤقتاً. وفي ذلك، قال: "كنت أعاني من رهاب (شرب الكحول) لفترة طويلة، لكني الآن أحاول أن أكون أكثر حذراً حيث بدأت مع أبي في صنع النبيذ الذي نشربه".
ويقول خبراء الصحة إن شرب الكحول قد يؤثر على حاسة البصر والهضم ووظائف المخ ويسبب إعاقات دائمة أو مميتة.
تركيا: حل توافقي بين الحداثة والتقاليد
تعد تركيا من الدول المسلمة الأكثر مرونة فيما يتعلق بشرب وبيع الكحول حيث يمكن للبالغين شراء الكحول بشكل قانوني. وحتى خلال شهر رمضان، فإنه من الشائع رؤية بعض الناس في الحانات يشربون مشروبات روحية. ويعد الراكي، المشروب الكحولي الوطني في البلاد، جزءاً لا يتجزأ من الثقافة التركية.
لكن ورغم سهولة شرب وشراء الكحوليات في تركيا، إلا أن الفرد في البلاد لا يستهلك إلا لتراً ونصف اللتر من الكحول في المتوسط كل عام.
وفي مقابلة مع DW، قال يوسف أرسلان، عالم اجتماع في تركيا، إنه فيما يتعلق بقضية الخمور، فإن تركيا "تسلك نهجاً ليبرالياً ولا تمنع شرب الكحول. ومع ذلك، هناك أعراف اجتماعية تنظم الأمر بمعزل عن القانون". وفي السياق ذلك، فقد يرى الزائر لتركيا أنه في الوقت الذي تبقى محلات بيع الخمور في بعض المحافظات مغلقة خلال شهر رمضان، فإنه بعضها الآخر تفتح أبوابها، ما يعني أن الأمر مرجعه "العرف الاجتماعي" وليس القانون.
الجدير بالذكر أن أسعار الكحوليات في تركيا والضرائب المرتبطة بها مرتفعة مقارنة بالعديد من الدول الأوروبية وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى زيادة إنتاج الخمور بشكل سري خاصة مع تدهور الوضع الاقتصادي.
وعلى وقع ذلك، يلقى مئة شخص حتفهم سنوياً بسبب التسمم المرتبط بالكحول، لكن أرسلان يؤكد من جانبه أنه رغم ذلك فإن إمكانية حظر الكحول لم يكن موضع نقاش في تركيا على الإطلاق حتى مع تولي حكومات محافظة زمام الأمور في البلاد.
وفيما يتعلق بقواعد شرب الكحوليات في الأماكن العامة وتوقيت بيع الكحول والإعلانات عن المشروبات الكحولية، قال يوسف أرسلان إن تركيا أصدرت نصائح لحماية الصحة العامة لكن ليس من منطق التحريم. وأشار إلى أنه "تم تطبيق لوائح مماثلة في هولندا وفرنسا مع إصدار تحذيرات صحية مماثلة".
لكن في المقابل، يرى كثيرون في إيران إنه من الصعب تطبيق مثل هذه التدابير وهو الأمر الذي لخصته شابة إيرانية طلبت عدم الكشف عن هويتها بقولها: "آمل أن نتمكن يوماً ما في العيش حياة طبيعية دون خوف غير ضروري مثل بقية دول العالم".
نيلوفر غلامى/م.ع